تلاميذ غزة... عام دراسي وربّما أكثر بلا تعليم

19 يونيو 2024
المفترض أن يحتفلوا بانتهاء العام الدراسي (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تلاميذ قطاع غزة واجهوا تحديات كبيرة في استكمال تعليمهم بسبب العدوان الإسرائيلي، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية التعليمية وحرمان 625 ألف تلميذ من التعليم للعام الدراسي 2023-2024.
- محاولات استئناف التعليم عبر الإنترنت أو في خيام فشلت بسبب القصف المستمر وتدمير البنية التحتية للاتصالات، مع استمرار العدوان الذي حال دون تحقيق أي تقدم في قطاع التعليم.
- الأمل في استئناف التعليم يعتمد على حل سياسي وإعادة بناء ما دمره العدوان، مع إمكانية تغيير طرق التدريس ومدة الحصص للعام الدراسي الجديد 2024-2025، رغم الحزن والإحباط الذي يشعر به الطلاب والمعلمون.

اعتاد تلاميذ قطاع غزة على معاودة الدراسة بعد توقفها خلال الاعتداءات الإسرائيلية. إلا أن العدوان الحالي دمر القطاع التعليمي، وأصبحت عودة تلاميذ غزة إلى التعليم في حال انتهاء العدوان، أمراً شاقاً.

مع انتهاء العام الدراسي 2023 - 2024 في معظم بلدان العالم، بالإضافة إلى الضفة الغربية المحتلة، حُرِم تلاميذ قطاع غزة من عامهم الدراسي بعد مضي أقل من شهرين على بدئه، واندلاع العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وضاع العام الدراسي رغم كل المحاولات الرسمية وغير الرسمية لإنقاذه.
وأصدرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بياناً خلال عيد الأضحى أشارت خلاله إلى حرمان 625 ألف تلميذ من التعليم طوال العام الدراسي بسبب العدوان الإسرائيلي والاعتداء على مدارسهم الحكومية وأخرى تابعة للوكالة، عدا عن استشهاد عشرات آلاف التلاميذ وفقدان آخرين واستشهاد عدد من الموظفين التابعين لها، ومنهم المعلمون، وكذلك في المدارس الحكومية منها، ما يشير إلى مسيرة تعليمية تواجه مستقبلاً خطيراً جداً في ما يتعلق بقطاع التعليم للسنوات المقبلة. 
المشرف التربوي في وزارة التربية والتعليم في محافظة غزة محمد الأضم، هو ضمن الذين حاولوا إنقاذ العام الدراسي ومحاولة العودة إلى الحياة الدراسية تحت الظروف القائمة، وكانت هذه المحاولة ضمن أولى بذور الأمل كما يشير خلال الهدنة التي تم الإعلان عنها في أواخر أيام شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، عندما كانت مدتها ثمانية أيام فقد شارك في وضع خطة للعودة للتعليم ومواجهة المخاطر. لكن لم يتصور أحد أن يستمر العدوان إلى هذا الحد.
يقول الأضم لـ "العربي الجديد": "أجرت وزارة التربية والتعليم محاولات عدة لعودة التعليم في غزة في أول أشهر السنة، لكن التدمير والقتل الممنهج كانا يمنعان أي خطوة. وكلما فكرنا بتسيير القطاع التعليمي عن بعد كان الاحتلال لنا بالمرصاد ويدمر شركات الإنترنت والاتصالات، وجرت محاولات ضمن مبادرات صغيرة للتعليم في الخيام، لكن القصف الإسرائيلي أدخل في قلوب التلاميذ رعباً أكبر وكانوا يفكرون أنه سيقتلهم حتى في الخيام".
في نهاية العام الماضي، أعلنت بعض المدارس عن نيتها محاولة إحياء القطاع التعليمي عن بعد، وتنظيم برامج في هذا الإطار، في محاولة لعدم خسارة التلاميذ العام الدراسي. لكن المحاولات باءت بالفشل في ظل النزوح المتكرر وتهجير  الغزيين بين محطات مختلفة تشهد انقطاعاً في الكهرباء والإنترنت في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل لشبكات الإرسال والاتصالات.

وأشارت شركات الاتصالات الفلسطينية والإنترنت على مدى أشهر إلى توقف خدماتها في ظل القصف، الأمر الذي يعيق أية مبادرة لإحياء التعليم الإلكتروني عند بعد. وكانت جامعات في الضفة الغربية، منها جامعتا بيرزيت والنجاح، قد أعلنتا عن إمكانية إلحاق طلاب قطاع غزة ببرامج التعليم الأكاديمي عن بعد مجاناً. إلا أن نفس المحاولة قد فشلت وخصوصاً أن الإعلان جاء في فبراير/ شباط الماضي، ثم تبعته عمليات عسكرية عدة في مدينة خانيونس وشمال القطاع ثم مؤخراً في مدينة رفح.
ويبين الأضم أن المستقبل التعليمي في العام الدراسي الجديد 2024 - 2025 سيكون مرتبطاً بالحل السياسي وفتح المعابر الحدودية ومشاركة منظمات معنية بالأطفال وأخرى حقوقية ومنظمات مهتمة بالقطاع التعليمي، ومحاولة إشراك الطواقم التعليمية بدروس تفريغ نفسي وألعاب بشكلٍ مستمر بهدف نزع الخوف من المدارس والعام الدراسي وتخفيف أي إرهاق لدى التلاميذ لمحاولة تقبل العودة السهلة إلى المدارس.
لم ينزح محمد مقاط، وهو أحد الذين أشرفوا على مناهج اللغة العربية في مدارس الثانوية العامة خلال السنوات الماضية في إطار المناهج الفلسطينية، من مدينة غزة إلى جنوب القطاع. تجوّل محمد قبل أيام في منطقة مدينة غزة التي تعتبر أكثر المناطق التي فيها مدارس تابعة لوكالة "أونروا" ومدارس حكومية وهي منطقة إقليم غرب غزة، لكنه أصيب بالصدمة من شدة التدمير. يتحدث عن "تدمير كلي للمدارس، أما تلك المدمرة جزئياً فلا يمكن أن تعود إلى العمل، إذ إن الأسقف والجدران آيلة للسقوط". ويعرب عن حزنه الشديد لأنها "المرة الأولى منذ النكبة عام 1948 التي يتم فيها إلغاء العام الدراسي في قطاع غزة".

محاولة لتعليم الأطفال في الخيام (حسن جدي/ الأناضول)
محاولة لتعليم الأطفال في الخيام (حسن جدي/ الأناضول)

يقول مقاط لـ "العربي الجديد" إن "احتمال عدم استئناف العام الدراسي كان وارداً جداً لأن القطاع تعرض لأقصى حرب منذ النكبة. للأسف، فإن عدم وجود الكهرباء مشكلة أساسية. كنا نتعايش معها ونواجهها بالبطاريات والمولدات. لكن خلال العدوان الحالي، الأمر غير ممكن ويختلف عن تجربة جائحة كورونا حين كنا نحصل على ساعات قليلة من التعليم الإلكتروني".
يضيف: "في حال أردنا العودة للعمل خلال العام الدراسي المقبل، يجب أن تكون مدة الحصة نصف ساعة وليس 40 دقيقة، ويجب إلغاء بعض الدروس، لتكون سنة تجريبية عند انتهاء العدوان، بالإضافة إلى محاولة توظيف عدد من الخريجين لتعويض عدد المعلمين الذين استشهدوا".
تعيش الطالبة إسلام جبريل (18 عاماً) حسرة كبيرة لأنها لم تتمكن من الالتحاق بالعام الدراسي وإنهاء مرحلة الثانوية العامة، رغم أنها بدأت بالدراسة باكراً، وتحديداً منذ أغسطس/ آب من العام الماضي. حصلت إسلام على معدل 99% في الفصل الحادي عشر - القسم العلمي وكانت تتطلع منذ سنوات إلى الالتحاق بكلية الطب. كانت والدتها تجمع المال حتى تدفع الرسوم، إذ لم تتمكن من الحصول على منحة دراسية بعد الثانوية العامة في حال نالت معدلاً مرتفعاً. 
تعيش إسلام وأسرتها وأقاربها وعددهم عشرة في خيمة كبيرة. مع ذلك، كانت تحمل في حقيبتها كتب الثانوية العامة، وكانت تدرس خلال الشهرين الأولين من النزوح، وبقي لديها أمل في انتهاء العدوان خلال أشهر قليلة ولم تتوقع أن يطول العدوان كل هذا الوقت.
تقول إسلام لـ "العربي الجديد": "يلاحقنا القصف والدمار والحصار منذ بداية حياتي. يلاحقنا أينما كنا. كنت آمل أن يكون التعليم بعيداً عن هذه الأحداث، وأن أدرس وأحاول بكل استطاعتي الحصول على درجات عالية لأُفرِح أمي. لكن العام الدراسي ضاع. وحتى المال الذي ادخرته أمي ضاع بعد تدمير المنزل".

لم يشهد الغزيون خلال العدوان الإسرائيلي السابق على قطاع غزة أي إلغاء للعام الدراسي كما العدوان الحالي. وكانت وزارة التربية والتعليم وأونروا تنتظران انقضاء العدوان ليحصل التلاميذ على فترة استراحة ثم تعود المدارس إلى العمل تدريجياً ضمن خطة تمهد للعودة الطبيعية مع مراعاة ما مر به التلاميذ. لكن العام الحالي اختلف. 
وبحسب بيانات وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة، فإنه في 26 من أغسطس/ آب من العام الماضي، تسجل أكثر من 625 ألف تلميذ في مدارس تابعة للحكومة وأخرى تابعة للأونروا وفي مدارس خاصة في قطاع غزة، التي شهدت أقل نسب الاتحاق بها في السنوات الماضية بنسبة 21 ألف تلميذ فقط.
والتحق 305 آلاف تلميذ في المدارس الحكومية، إذ إنه بحسب النظام التعليمي، فإن المرحلة الابتدائية والإعدادية تتكون من مدارس تتبع للأونروا، وكذلك الحكومية، وتقتصر المرحلة الثانوية على الحكومية والخاصة فقط في القطاع. ويبلغ عدد المدارس الحكومية 448 مدرسة، من إجمالي 803 مدارس في قطاع غزة. بينما التحق 300 آلاف تلميذ بـ 288 مدرسة تابعة للأونروا، فيما وصل عدد تلاميذ المدارس الخاصة إلى قرابة 21 ألفاً، موزعين على 67 مدرسة. ويعمل في مدارس القطاع عموماً 22 ألف معلم ومعلمة، منهم 12 ألفاً في المدارس الحكومية، و9 آلاف و300 في أونروا، و1300 في المدارس الخاصة.
واستشهد خلال العدوان 335 معلماً بناءً على إحصاء المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، والعشرات من الطواقم الإدارية وكذلك العشرات من المفقودين بين المعلمين والطواقم الإدارية التعليمية، بينما وصل عدد التلاميذ الشهداء لغاية منتصف يونيو/ حزيران الحالي إلى سبعة آلاف شهيد وآلاف من المفقودين. ويشير المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي دمر قرابة 110 مدارس وجامعات كلياً، بينما دمر 321 مدرسة وجامعة جزئياً، مع الإشارة إلى أن عدداً من المدارس ضمن المنطقة العازلة في مناطق أقصى شرق مدينة غزة وأقصى الشمال لم يتم التأكد من مصيرها. 

المساهمون