يعود تلاميذ السودان إلى مدارسهم في الثاني من شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل وسط الكثير من التحديات والمعوقات التي تواجههم وعائلاتهم، والتي عادة ما تتكرر عاماً بعد عام. كان مقرراً لبداية العام الدراسي أن تكون يوم 18 سبتمبر/أيلول الحالي، لكن ظروف السيول والأمطار التي ضربت أجزاء من السودان، دفعت وزارة التربية والتعليم إلى إصدار قرار بالتأجيل لإتاحة الفرصة أمام إدارات المدارس المتضررة من أجل إعادة تأهيلها.
تشكو فاطمة صباحي، وهي أم لتلميذ في الصف الخامس ابتدائي، ارتفاع تكاليف الدراسة التي فرضتها المدارس الخاصة، وزيادة الأقساط بنسبة 300 في المائة. وتقول لـ "العربي الجديد" إنها كانت تدفع العام الماضي حوالي 80 ألف جنيه (نحو 138 دولاراً)، لكن مدرسته رفعت الرسوم هذا العام إلى 450 ألف جنيه (نحو 750 دولاراً)، وهو مبلغ يفوق طاقتها وقدراتها المالية. ووصلت الرسوم الدراسية في عدد من المدارس إلى المليون جنيه (نحو 1700 دولاراً).
وتشير صباحي إلى أن المدارس الخاصة لا تهتم إلا بتحقيق الأرباح بدلاً من التركيز على تطوير المناهج التعليمية، منتقدة غياب الرقابة على المدارس الخاصة من قبل السلطات. وتوضح أنها تفكر جدياً في نقل ابنها إلى مدرسة حكومية على الرغم من افتقارها إلى الكثير من الأساسيات.
أما حمد صالح، وهو أب لتلميذين في مدرسة حكومية، فيقول إن المدارس الحكومية ليست على ما يرام، وتفتقر للأساسيات، ما جعلها عبارة عن بيئة تعليمية متردية، وتعاني نقصاً في الكراسي والطاولات والكتب والمعلمين، وتهمل إدارتها فرص النهضة بها، كما تفرض أحياناً رسوماً دراسية خارج إطار القانون واللوائح تحت مسميات مختلفة. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن العام الدراسي الجديد سيكون صعباً في ظل الغلاء الذي يشمل المستلزمات الدراسية المختلفة، بما فيها الزى المدرسي الذي يتراوح سعره ما بين 10 و20 ألف جنيه (ما بين 17 دولاراً و34 دولاراً)، والنقل وغيرها. ويشير إلى أنه لم يتمكن من توفير أي من مستلزمات الدراسة لأبنائه، بما في ذلك الزي والكتب والكراسات ووسيلة النقل. ويتوقع أن تعجز بعض الأسر عن إلحاق أبنائها بالمدارس هذا العام، ما قد يزيد من نسبة التسرب المدرسي.
بدوره، يقول أبو أحمد لـ "العربي الجديد" إن "كل المشاكل التي تواجه العام الدراسي الحالي سببها غياب دور وزارات التعليم في الولايات، وعدم فرض القانون واللوائح الخاصة بالعملية التعليمية، من بينها لائحة الرسوم المدرسية التي تمنع أي زيادة على الرسوم الدراسية لأي تلميذ إلا كل أربع سنوات، على ألا تتجاوز الزيادة 25 في المائة، شرط أن تكون أسبابها مقبولة وموضوعية وتقنع أولياء الأمور والوزارات الولائية".
ويشير أبو أحمد إلى أن هناك رغبة لدى الأهالي في هجرة المدارس الخاصة والسعي إلى تحسين المدارس الحكومية وتحفيز معلميها وتوفير مستلزماتهم الأساسية، قائلاً إن هذه المبادرة تجد رواجاً اجتماعياً كبيراً، وقد تكون إحدى وسائل محاربة جشع التعليم الخاص. وكانت وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم قد شكلت خلال الأيام الماضية لجنة تختص بتحديد الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة بعد تزايد شكاوى أولياء الأمور من ضخامتها، ووعدت بمراجعتها بحسب الخدمات التي توفرها المؤسسات التعليمية. كما تعهدت ببذل كل الجهود لتوفير تعليم حكومي رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع أسعارالسلع والخدمات. وأقرت في أكثر من مناسبة بوجود نقص في المعلمين بنحو 7 آلاف معلم في مرحلة التعليم الأساسي و1865 في مرحلة التعليم الثانوي و247 في التعليم الفني.
إلا أن المعلم في المرحلة الثانوية صابر سليمان، يقول إن العام الدراسي الجديد لن يختلف عن سابقيه لناحية انعدام الاستقرار، وخصوصاً أنه يرتبط بالميزانية التي توفرها الدولة للعملية التربوية. ويوضح أن المعلم يواجه ضغوطاً معيشية كبيرة نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، الأمر الذي يؤثر سلباً على رسالته ويقوده لترك المهنة أو العمل في أكثر من مهنة في وقت واحد ليتمكن من إعالة أسرته، مبيناً أن راتب المعلم في حده الأدنى لا يتجاوز 50 ألف جنيه (نحو 100 دولار) ولا يزيد في أقصاه على 133 ألفا (نحو 230 دولاراً) للدرجات العليا.
ويشير سليمان في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن العام الدراسي في السودان يواجه عقبات أخرى، منها نقص الكتب وتضارب نشرات الوزارة الخاصة بالمناهج، والازدحام في الفصول بمعدل 60 تلميذاً في الفصل الواحد، ما يجعل المعلم عاجزاً عن ضبط الصف، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع التحصيل العلمي. ويقول إن إضرابات المعلمين المتكررة تهدد العام الدراسي بسبب تأثيرها على التلاميذ من نواح عدة نفسية وتربوية، وقد تفقدهم الرغبة في الدراسة.
إلى ذلك، يخفف الخبير التربوي عبد المنعم أحمد من المخاوف والقلق وسط أولياء الأمور بشأن العام الدراسي، مؤكداً أن العام سيمضي حاله حال الأعوام الدراسية التي سبقته، وسيتمكن التلاميذ وأسرهم والمدارس الحكومية والخاصة من تجاوز كل التحديات والمعوقات. ويرى أن التقلبات السياسية وحدها يمكن أن تهدد العام الدراسي في حال حدوث اضطرابات أمنية وخصوصاً في العاصمة الخرطوم. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "العام الدراسي المقبل سيواجه بتحدي وجود ثلاث مراحل (الأساسي والمتوسط والثانوي)، والعبء الأكبر يتعلق بالمرحلة المتوسطة التي عادت إلى السلم التعليمي منذ العام الماضي، وبالتالي قد تواجه المدارس المتوسطة غياب الفصول والمعلمين المدربين وعدم تجهيز المناهج والكتب في وقت مبكر".
ويستبعد أن تكون المدارس الحكومية قادرة على قبول التلاميذ الذين يهجرون المدارس الخاصة لضعف طاقتها الاستيعابية وقلة أعداد المعلمين، مؤكداً أن الرهان سيظل كما هو على المدارس الخاصة التي قامت بدور كبير في التعليم خاصة في المدن.
وكان وزير التربية والتعليم المكلف محمود سر الختم الحوري قد أكد اكتمال كافة الاستعدادات لبداية العام الدراسي في موعده، مشيراً إلى توفير الكتب للصف الثاني الأساسي وحتى الخامس الأساسي، وإيصالها لغالبية ولايات السودان باستثناء الشمالية، وكسلا، والقضارف، ونهر النيل.