تلاميذ الجزائر... مواجهة غلاء المستلزمات المدرسية

21 سبتمبر 2021
تكاليف الكتاب المدرسي مرتفعة كذلك (العربي الجديد)
+ الخط -

 

اليوم، يعود تلاميذ الجزائر إلى مدارسهم. لكنّ التحضير لذلك يأتي وسط أزمة معيشية ساهم فيها تفشّي وباء كورونا.

قبيل العودة إلى المدرسة في الجزائر، وجدت الأسر نفسها في مواجهة ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية، الأمر الذي زاد من الأثقال على كاهلها، وسط استمرار أزمة كورونا وآثارها، فتضاعفت معاناة الجزائريين المعوزين خصوصاً. ويأتي هذا الاستحقاق الجديد فيما الأسر الجزائرية لم تنتهِ بعد من استحقاق عيد الأضحى الذي أرهقها بتكاليفه، لا سيّما أنّ أهل البلاد متوسّطي الحال يرزحون تحت الأعباء التي فرضتها الأزمة الوبائية في خلال أكثر من عام ونصف. فالدخل السنوي الخاص بآلاف الأسر سجّل انخفاضاً، إلى جانب فقدان كثيرين وظائفهم أو مهنهم باختلافها، نتيجة التدابير المفروضة للحدّ من تفشّي فيروس كورونا الجديد في البلاد. وتلك الظروف المعيشية تتسبّب، بحسب مراقبين، في ما يشبه العجز لدى أسر كثيرة، في ما يخصّ اقتناء الزيّ المدرسي والقرطاسية وما إلى ذلك من مستلزمات العودة إلى المدرسة.

حليمة دهيلي أمّ لثلاثة أبناء تعمل في مجال الحلاقة، أرغمتها ظروف أزمة كورونا على إغلاق محلها بسبب قرارات الإغلاق التي أتت في فترات متقطعة. فراحت أحياناً تقصد زبوناتها في بيوتهنّ، غير أنّ ذلك لم يوفّر لها ما كانت تجنيه سابقاً. وتقول دهيلي لـ"العربي الجديد" إنّ "هذا الوضع يقلقني بالتزامن مع موعد الدخول المدرسي. فأنا في حاجة إلى مبالغ مالية كبيرة لتوفير اللوازم الضرورية الخاصة بأولادي الثلاثة"، شارحة أنّ "الأمر لا يرتبط بالغلاء فحسب، إنّما هو نتيجة تراجع مداخيل الأسرة". وكثيرة هي الأسر التي تعاني من الوضع نفسه، لا سيّما إذا كانت تعتمد في مصاريفها على مدخول واحد فقط.

الصورة
مستلزمات العودة إلى المدرسة في الجزائر (العربي الجديد)
توضيب مستلزمات مطلوبة لتوزيعها على تلاميذ محتاجين (العربي الجديد)

ومقارنة بالعام الماضي، شهدت المستلزمات المدرسية ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار تخطّت نسبته 20 في المائة، بما في ذلك الكراريس والحقائب التي لم تعد أسعارها في متناول الأسر ذات الدخل المتوسط، فكيف بالأسر الفقيرة. ويقول فريد بولحبال وهو صاحب مكتبة في عين التين بولاية ميلة شرقي الجزائر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "تجهيز تلميذ في الصف الخامس من المرحلة الابتدائية للدخول المدرسي قد يفوق 80 يورو، على سبيل المثال. وقد تصل تكلفة التجهيز إلى 100 يورو بالنسبة إلى تلميذ في المرحلة المتوسطة أو الثانوية". 

ويعزو فريد هذا الارتفاع الكبير في الأسعار إلى "ارتفاعها لدى تجّار الجملة الذين يزوّدون الموزّعين الصغار قبل أن تصل البضائع في النهاية إلى التجار، خصوصاً مع قلّة مستلزمات معيّنة بسبب الركود التجاري وانخفاض الاستيراد بفعل أزمة كورونا العالمية. فثمّة شروط كثيرة فُرضت على المستوردين بسبب تداعيات الأزمة، وبالتالي كانت قيود جعلت إدخال مستلزمات مدرسية من آسيا خصوصاً، أمراً صعباً أو غير ممكن حالياً".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

أمام هذا الوضع الصعب الذي تعاني منه آلاف الأسر الجزائرية، خصوصاً تلك التي تعيش تحت خطّ الفقر في المناطق المهمشة، لا شكّ في أنّها سوف تضطر إلى اللجوء إلى الاستدانة في الغالب، من أجل توفير احتياجات أبنائها التلاميذ. وتشير دراسات إلى أنّ تكلفة المستلزمات المدرسية لأسرة تضمّ أربعة أطفال متمدرسين في مراحل التعليم الثلاث، قد يكلّف أكثر من 50 ألف دينار جزائري (نحو 250 يورو)، خصوصاً إذا تعلّق الأمر بتكاليف الكتب المدرسية إلى جانب المستلزمات الأخرى. في هذا السياق، يقول الباحث عبد العالي زروق لـ"العربي الجديد" إنّ "مصاريف التعليم المدرسي ضرورة ملحة، وقد تلجأ الأسر إلى الاستدانة لسدادها"، موضحاً أنّها "قد تزيد عن ذلك إذا أضفنا إليها تكاليف اللباس كذلك". ويلفت زروق أنّ "ثمّة أمراً إضافياً يرهق الأسرة الجزائرية وهو حاجة التلاميذ إلى دروس خصوصية للدعم، لا سيّما تلك التي يلجأ إليها التلاميذ المقبلون على امتحانات مصيرية في نهاية العام الدراسي".

وكانت السلطات الجزائرية قد أخذت بعين الاعتبار ظروف الأسر الاجتماعية والاقتصادية، فوضعت وزارة التربية على مستوى مديرياتها في الولايات، قوائم خاصة بالمستلزمات المدرسية الواجب توفيرها من قبل التلاميذ. وتبدو تلك القوائم مخففة مقارنة بتلك التي كانت توضع في الأعوام الماضية. كذلك سعت الوزارة إلى منح الكتب المدرسية مجاناً لأبناء الأسر الفقيرة أو ذات الدخل المحدود. ويأتي ذلك إلى جانب إعانات تقدّمها الدولة ومنح خاصة للأسر الفقيرة خاصة بالتعليم المدرسي، لكنّ ذلك كله يبقى غير كافٍ بالنسبة إلى كثيرين لسدّ احتياجاتهم الكاملة.

الصورة
أطفال وأضرار حرائق الجزائر (مصعب الرويبي/ الأناضول)
تنتظر عائلتهما التعويض الخاص بالحرائق قبل تأمين عودتهما إلى المدرسة (مصعب الرويبي/ الأناضول)

وإزاء كلّ ذلك، تتّجه أنظار الأسر الفقيرة نحو الجمعيات الخيرية التي تتكفّل بتوفير ما يحتاجه التلاميذ الفقراء والأيتام في خلال العودة إلى المدرسة. وتعمل عشرات من منظمات المجتمع المدني في مختلف الولايات على تخفيف عبء المصاريف التي تثقل كاهل الأهل. وأخيراً، تستعدّ لإنجاز نجاح جديد يماثل ذلك الذي حققته حملات التضامن الأخيرة في أثناء الحرائق، من خلال توفير أكبر قدر ممكن من احتياجات تلاميذ الأسر الفقيرة من ملابس وحقائب ومستلزمات مختلفة بالإضافة إلى الكتب المدرسية. وفي هذا الإطار، أطلقت أخيراً جمعيات خيرية من قبيل "البركة" و"الإرشاد والإصلاح" و"كافل اليتيم" حملاتها.

يُذكر أنّه إلى جانب ما تعانيه الأُسَر الجزائرية المحتاجة قبيل العودة إلى المدرسة، يبدو الوضع أشدّ سوءاً بالنسبة إلى تلك التي تضرّرت بيوتها وحقولها من جرّاء الحرائق الأخيرة التي اندلعت في أكثر من 16 ولاية جزائرية. وتنتظر تلك الأسر تعويضات طالب بدفعها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حتى تتمكّن من ترميم بيوتها واستعادة حياتها الطبيعية وتجاوز المحنة.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وتعمد أسر معوزة إلى شراء مستلزمات العودة إلى المدرسة من الباعة على الأرصفة الذين ينتشرون عشيّة كلّ موسم في الجزائر في محاولة لمنافسة المحال والمكتبات. فيعرض هؤلاء الباعة بضائعهم بأسعار تنافسية تكون منخفضة مقارنة بالمحال التجارية، الأمر الذي يجعل الأسر الفقيرة تقبل عليها وسط الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. يأتي ذلك في حين حذّرت الجمعية الجزائرية لحماية المستهلك من بعض مخاطر تداول مستلزمات مدرسية غير مراقبة لدى باعة الأرصفة. وقد ذكر عضو الجمعية سيد علي بن سالم، في تصريح صحافي أخيراً، أنّ هذه الأدوات المدرسية التي يأتي ثمنها منخفضاً جداً مقارنة بسواها لا تخضع للرقابة وهي مصنوعة من مركبات سامّة، سواء من البلاستيك أو المطاط، وهي بذلك تشكّل خطورة على التلاميذ الصغار وصحتهم، خصوصاً في سنوات الدراسة الأولى.

المساهمون