تكييف الهواء موضع نقاش عالمي وسط موجات الحر الحادة

02 اغسطس 2023
صارت مكيّفات الهواء من الضرورات لملايين السكان مع ضمانها بقاءهم على قيد الحياة (Getty)
+ الخط -

 

بات تكييف الهواء موضع نقاش عالمي في ظلّ موجات الحرّ التي تتزايد حدّتها في مختلف أنحاء العالم. وبينما يشيع استخدام المكيّفات في الولايات المتحدة الأميركية، فإنّها تواجه انتقادات في أوروبا، أمّا سكان جنوب آسيا فيبدون رغبة كبيرة في استخدامها.

وتُعَدّ مكيفات الهواء من حلول التبريد الأكثر انتشاراً في عالم يشهد تفاقماً في الاحترار المناخي، وقد صارت من الضرورات اليومية تقريباً لملايين السكان، مع ما تضمنه من بقائهم على قيد الحياة، بحسب خبراء.

ومع أنّ تكييف الهواء يوفّر راحة فورية للأشخاص، غير أنّه يحمل آثاراً وخيمة على المناخ. فمن أجل تزويد مكيّفات الهواء بالكهرباء، تطلق محطات الطاقة كميات إضافية من غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، الأمر الذي يؤدّي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب المرتفعة أصلاً.

وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فإنّ تكييف الهواء مسؤول راهناً عن انبعاث نحو مليار طنّ من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وذلك من إجمالي 37 ملياراً من الانبعاثات في مختلف أنحاء العالم. ويرى الخبراء أنّ ثمة إمكانية لوقف هذه الدوّامة من خلال تطوير الطاقات المتجدّدة ومكيّفات هواء أقلّ استهلاكاً للطاقة، إلى جانب تقنيات تبريد أخرى.

ويقول مدير المركز المتخصّص في تغيّر المناخ والصحة التابع لجامعة "ييل" الأميركية، روبرت دابرو، في حديث إلى وكالة فرانس برس، إنّ "ثمّة أصحاب آراء متطرفة يعتقدون أنّه لا ينبغي استخدام مكيّفات الهواء مطلقاً، لكنّني أرى أنّ ذلك غير ممكن".

يُذكر أنّ استخدام مكيّفات الهواء يُنقذ سنوياً عشرات آلاف الأشخاص، في رقم آخذ في الارتفاع، بحسب ما يبيّن تقرير حديث لوكالة الطاقة الدولية شارك دابرو في إعداده.

وتشير دراسات عدّة إلى أنّ مخاطر الوفاة المرتبطة بالحرّ تكون أقلّ بنسبة 75 في المائة تقريباً في المنازل التي تحوي مكيّفات هواء.

وفي الولايات المتحدة الأميركية، حيث 90 في المائة من المنازل مُجهّزة بمكيّفات هواء، سلّطت دراسات أخرى الضوء على دور تكييف الهواء في حماية السكان والتأثير المدمّر المحتمل لانقطاع التيار الكهربائي في خلال موجات الحرّ.

أمّا على المستوى العالمي، فيحوز 15 في المائة فقط من 3.5 مليارات شخص يعيشون في مناخات حارة، مكيّفات هواء، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.

الصورة
تصنيع مكيفات هواء (Getty)
تُطلق دعوات متزايدة إلى تطوير مكيّفات هواء أقلّ استهلاكاً للطاقة (Getty)

ومن المتوقَّع أن يشهد عدد مكيّفات الهواء في العالم (نحو مليارَي مكيّف راهناً) ارتفاعاً بصورة كبيرة، في ظلّ التأثير المزدوج لارتفاع درجات الحرارة والمداخيل، خصوصاً في الصين والهند وإندونيسيا.

وفي الهند، قد تزيد نسبة المنازل المُجهَّزة بمكيّفات هواء من 10 في المائة إلى 40 في المائة بحلول عام 2050، الأمر الذي يخفّض بصورة كبيرة تعرّض السكان للحرّ، بحسب ما تشير دراسة حديثة. لكنّ الكهرباء الإضافية المطلوبة لتشغيل هذه المكيّفات ستكون معادلة للإنتاج السنوي لبلد مثل النرويج. وإذا كانت شبكة الهند ما زالت تستخدم المقدار نفسه من الوقود الأحفوري، فذلك يعني زيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 120 مليون طنّ، أي 15 في المائة من الانبعاثات المتأتية من قطاع الطاقة في البلاد حالياً.

ولا تتوقّف المشكلات التي تسبّبها عملية تكييف الهواء عند هذا الحدّ، إذ تستخدم المكيّفات في العادة غازات تبريد من نوع "إتش إف سي"، تؤثّر عند إطلاقها في الغلاف الجوي في الاحترار، أكثر بآلاف المرّات من ثاني أكسيد الكربون.

بالإضافة إلى ذلك، يساهم تكييف الهواء في تعزيز ظاهرة ما يُطلَق عليه "تأثير الجزر الحرارية الحضرية"، من خلال إلقاء الهواء الساخن في الشوارع.

ويسبّب تكييف الهواء كذلك مشكلة على صعيد المساواة. فبسبب تكلفة المكيّفات المرتفعة، لا تتمكّن عائلات كثيرة من الحصول عليها. وحتى عند تركيب الأجهزة، قد تدفعهم فاتورة الكهرباء إلى الإحجام عن اللجوء إلى تكييف الهواء لمصلحة الاحتياجات الأساسية الأخرى.

تقول الباحثة المتخصصة في هذه المسائل لدى جامعة "كافوسكاري" الإيطالية في البندقية إنريكا دي تشان إنّ "في بعض البلدان، وبالنسبة إلى بعض الأشخاص الضعفاء (من أمثال كبار السنّ أو الحوامل) ثمّة حاجة فعلية إلى تكييف الهواء"، وترى أنّ دمجها مع حلول "تكميلية" أخرى مسألة ضرورية.

ويتمثّل أحد تلك الحلول بالاستمرار بزيادة حصّة الطاقة المتجدّدة في إنتاج الكهرباء حتى تصير الطاقة المُستخدَمة في مكيّفات الهواء أقلّ تسبّباً في انبعاثات غازات الدفيئة. ومن الحلول كذلك ابتكار وتركيب مكيّفات هواء معقولة التكلفة وتستهلك كميّة أقل من الطاقة، وهو ما يسعى له عدد من الشركات الناشئة.

وتدعو وكالة الطاقة الدولية إلى وضع معايير كفاءة أكثر صرامة، مع تثبيت درجة حرارة المكيّفات عند أقلّ من 24 درجة مئوية.

وإلى جانب الانبعاثات، تساهم هذه الحلول في الحدّ من مخاطر انقطاع التيار الكهربائي المرتبط بالطلب الكبير. وفي الأيام الحارة، قد يمثّل تكييف الهواء أكثر من نصف ذروة الاستهلاك. لكنّ الخبراء يؤكّدون الحاجة المتزامنة للتدابير المرتبطة بالتخطيط المكاني، أي رفع نسبة المساحات الخضراء والمسطحات المائية والأرصفة والأسطح التي تعكس أشعة الشمس، مع تحسين مسألة عزل المباني.

ويقول دابرو: "ينبغي التوصّل إلى تبريد الأجواء المحيطة بنا بطريقة مُستدامة أكبر، لأنّ الأمور ستزداد سوءاً" مع الاحترار المناخي، موضحاً أنّ "من الممكن تطبيق" عدد كبير من الحلول المقترحة. ويلفت إلى أنّ "اعتمادها مجرّد مسألة رغبة سياسية".

(فرانس برس)

المساهمون