تكاليف مدرسية كارثية في مناطق سيطرة النظام

02 سبتمبر 2021
صف دراسي في دمشق (سيرغي بوبيليف/ Getty)
+ الخط -

مع اقتراب فتح المدارس في مناطق سيطرة النظام السوري أبوابها في الخامس من الشهر الجاري، تنشغل العائلات بتجهيز أبنائها على صعيد الزي المدرسي والقرطاسية والحقائب، إلى جانب تأمين التدفئة والإنارة في ظل ارتفاع التكاليف وتراجع الأوضاع المعيشية والخدمات وضعف القدرة الشرائية، ما يهدد مستقبل كُثر منهم. تتفقد أمّ خالد مهنا (45 عاماً)، وهي أمّ لطالبة في المرحلة الابتدائية وطالب في المرحلة الإعدادية وآخر في مرحلة التعليم الثانوي، في شكل شبه يومي الأسواق لاستطلاع أسعار اللباس المدرسي لهذا العام، لكنها تؤجل في كل مرة عملية الشراء آملة أن تصدر وزارة التربية (التابعة للنظام) تعليمات جديدة تعفي الطلاب من التزام اللباس المدرسي بسبب كلفته المرتفعة، وعدم قدرة الأهل على شرائه. 
تقول مهنا لـ"العربي الجديد": "كلفة اللباس المدرسي مرتفعة جداً، وتبلغ وسطياً نحو 75 ألف ليرة سورية للطالب الواحد (23.4 دولاراً، بحسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء والبالغ نحو 3200 ليرة سورية). وبحسب مطالب المدارس، يحتاج الطالب أيضاً إلى لباس رياضي وحذاء رياضي بكلفة تناهز 60 ألف ليرة (18.75 دولاراً)، ومعطف بـ40 ألف ليرة (12.5 دولاراً)، ما يعني أن المجموع هو 175 ألف ليرة (54.6 دولاراً)". تضيف: "يحتاج أبنائي الثلاثة إلى ألبسة بـ475 ألف ليرة (148.43 دولاراً)، في حين يتقاضى زوجي الموظف في الدولة 75 ألف ليرة (23.4 دولاراً)، ويستحيل أن نستطيع تأمين هذا المبلغ. وأنا أحاول إصلاح بعض الملابس التي تسمح حالتها بذلك، ووعدني أقارب لي بإعطائي ألبسة أصبحت مقاساتها صغيرة على أبنائهم، في حين لم نفكر حتى اليوم بكلفة القرطاسية".  

من جهته، يقول زياد جمعة (47 عاماً)، العامل المياوم في ورشة دهان: "أصبحت المدرسة نكبة تبدأ في موسم المونة وتأمين وقود التدفئة، في حين أن وضعنا المعيشي سيئ جداً، وبالكاد نؤمن طعامنا اليومي". يضيف: "لدي أربعة أولاد في المدارس. ومنذ ثلاث سنوات لم أستطع شراء حقائب مدرسية لهم، وأخيط حقائبهم مرات خلال العام الدراسي الواحد. السعر الأدنى لحقيبة سيئة النوعية لا يقل عن 35 ألف ليرة (11 دولاراً)، وقد يصل إلى 150 ألف ليرة (46.8 دولاراً)، وهناك أغلى لمن يرغب. أما القرطاسية فأزمة أخرى؛ فالطالب في مرحلة التعليم الأساسي والثانوي، يحتاج إلى دفترين لكل مادة على الأقل. وسعر الدفتر العادي الذي يحتوي على 100 ورقة يبلغ نحو ألف ليرة (0.3 سنت)، ما يعني أن الطالب الواحد يحتاج إلى 20 ألف ليرة (6.25 دولارات) على الأقل، وتضاف إلى ذلك أقلام وعلبة هندسة وألوان وغيرها لا يقل ثمنها عن 15 ألف ليرة (4.6 دولارات)، وهذه كلفة نوعيات سيئة لا تكفي لإكمال الطالب الفصل الأول فقط".  
ويلفت جمعة إلى أن "ناساً كُثراً يأملون الحصول على مساعدات تمنحها منظمات دولية وجمعيات خيرية للطلاب مع افتتاح المدارس. وفعلاً توزع مساعدات على فئة ليست قليلة، لكن الجميع يحتاج إلى مساعدة هذا العام، ومستقبل أبنائنا في خطر كبير، فمن لن يستطيع تأمين احتياجات المدرسة لأبنائه سيرسلهم إلى العمل. وقد فاضلت عائلات بين من سيكمل دراسته من بين أبنائها، ومن سيتوقف عن ذلك".  

أروقة مدارس قد تفرغ من التلاميذ (سيرغي بوبيليف/ Getty)
أروقة مدارس قد تفرغ من التلاميذ (سيرغي بوبيليف/ Getty)

ويرى عدي حوراني (51 عاماً)، وهو موظف في مؤسسة رسمية، أن "الطلاب محرومون مثل عائلاتهم من مقومات الحياة الأساسية التي تحوّلت إلى تحديات كبيرة تشمل تأمين اللباس والقرطاسية وتكاليف نقل الطالب من منزله إلى مدرسته أو جامعته". 
ويتابع متحدثاً لـ"العربي الجديد": "بالطبع لا تقع كل المدارس قرب منازل الطلاب. ومع وزن الحقيبة الثقيلة بسبب كمية الكتب والدفاتر، أصبح المشي عقوبة قاسية على الطلاب، في حين أن أجرة الباص 200 ليرة (6 سنتات) ذهاباً ومثلها إياباً. ويحتاج طالب الجامعة إلى ضعف هذا المبلغ إذا كان يسكن داخل دمشق، أما إذا كان يعيش في ريفها أو في محافظات قريبة فيحتاج أضعاف المبلغ، والطالب في المرحلة الثانوية يحتاج إلى أكثر من 8 آلاف ليرة شهرياً (2.5 دولار) أجور نقل إذا لم يرغب في شراء شيء للأكل أو الشرب".  
وينشغل حوراني أيضاً في سبل تأمين أجواء مناسبة لدراسة أبنائه الثلاثة، ويقول: "كيف سيستطيع الطالب الدراسة وهو يشعر بالبرد. فحتى اليوم تتحدث الحكومة عن توزيع 50 ليتر مازوت شهرياً قد لا نحصل عليها، علماً أنها قد لا تكفي أصلاً 20 يوماً حتى في حال التقشف، في حين وصل سعر ليتر المازوت في السوق السوداء إلى نحو 3 آلاف ليرة (93 سنتاً)، أي أن سعر البرميل 600 ألف ليرة (187.5 دولاراً)، وهذا رقم كبير بالنسبة إلى غالبية العائلات، في وقت يُطبق برنامج تقنين للكهرباء يجعلنا نشاهدها بالكاد رغم أننا في فصل الصيف، ما ينذر بوضع أكثر سوءاً في الشتاء، علماً أن كلفة بدائل الكهرباء والوقود مرتفعة جداً، والناس لا تملك خيارات، ولا تدري ماذا تفعل في ظل تشديد النظام قبضته على الأهالي، وملاحقته كل من ينتقد أو يحتج على سياسته". وقبل أيام، أعلنت "المؤسسة السورية للتجارة" التابعة للنظام، فتح باب البيع بالتقسيط للقرطاسية والألبسة المدرسية والحقائب للعاملين الدائمين في الدولة والأجراء بعقود سنوية لا تنتهي خلال فترة التسديد. وحددت سقف التقسيط بمبلغ 200 ألف ليرة (62.5 دولاراً) لكل عامل بلا فوائد لمن يسدد المبلغ خلال 12 شهراً.  
يعلّق أبو محمد عطالله (55 عاماً)، على هذا الإعلان قائلاً لـ"العربي الجديد": "لا يزال القائمون على مؤسسات الدولة يعتقدون بأننا أغبياء، وأنهم قادرون على خداعنا عبر تحميلنا أعباء تقسيط مبلغ لا يكفي لتأمين احتياجات عدة طلاب في عائلة واحدة، إذا اعتبرنا أن غالبيتها لديها وسطياً 3 أبناء في المدرسة. كما أنهم يلزمون الأهالي بشراء مواد رديئة، في حين أن الفارق محدود عن سعر البضاعة ذاتها في السوق. المشكلة تتمثل في الغلاء الذي لا يطاق، وكل الإجراءات في ظل هذا الغلاء لن تأتي بنتيجة".  

وتفيد أرقام بأن حوالى 4 ملايين طالب وطالبة في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي يستعدون لدخول مدارس تقع في مناطق سيطرة النظام في 5 سبتمبر/ أيلول الجاري، في ظل أوضاع معيشية سيئة ومخاطر تجدد موجات وباء كورونا.

المساهمون