تمنع الظروف المادية مجاراة أصحاب الدخل المحدود والبسطاء في العراق مظاهر البذخ في الأعراس الحديثة، ما يدفع كثيرون إلى تأجيل مشاريع الزواج حتى إشعار آخر، فالعادات المستحدثة والرغبة في تقليد كل جديد في الحفلات وتفاصيلها تحمّل المقبلين على الزواج تكاليف تفوق طاقتهم.
وفي مقابل ارتفاع حالات الطلاق في العراق، تتراجع معدلات الزواج أيضاً بسبب التكاليف الباهظة للأعراس التي تبدأ من مبلغ المُقدّم الذي يدفعه، بحسب العادات والتقاليد، العريس إلى والد العروس، مروراً بتجهيز المنزل أو غرفة النوم في حال اتفق على العيش مع العائلة في المنزل نفسه، وانتهاءً بالذهب وتكاليف حفلات الخطوبة والحنّاء والزواج، وهي تناهز 50 مليون دينار (33 ألف دولار) في المتوسط، وهو رقم لا يستطيع شبان كثيرون تأمينه في ظل البطالة، وتراجع القدرة الشرائية، وانخفاض الأجور.
في العراق، لا تتحمّل الزوجة أو أهلها أي تكاليف، ويتولى الشاب تجهيز كل مستلزمات الزواج، كما يلتزم بشراء ملابس حفلات العرس والحنّاء لوالدة العروس وشقيقاتها وخالاتها وعماتها، إلى جانب دفع نفقات صالونات التجميل والطعام وغيرها من المصاريف المرتبطة بالمناسبة.
وجعلت النفقات الباهظة لاستئجار قاعة لبضع ساعات، والتي لا تقل عن 800 دولار، العديد من الشباب يتذمرون من الأعباء المادية التي تحول دون تحقيق حلمهم في تكوين أسرة، علماً أنّ العروس لا تتنازل عن شرط حفل الزفاف والحنّاء في قاعة الأعراس ليكون عرسها في مستوى صديقاتها اللواتي شهدت أعراسهن الإجراءات ذاتها.
يقول صلاح ويسي الذي يدير قاعة حفلات في بغداد، لـ"العربي الجديد": "تتراوح تكلفة حفل زفاف في القاعة التي أديرها بين 1200 و2000 دولار، وتشمل تقديم 200 وجبة عشاء لضيوف الحفل، وتصوير وقائع العرس منذ وصول موكب العروسين وحتى الختام، إلى جانب توفير الفرقة الموسيقية التي تحيي الحفل". ويوضح أنّ القاعة تستقبل نحو ستة أعراس شهرياً بحسب الموسم إذا كان في الربيع أو خلال الأعياد. ولأنّ بعض العرسان لا يرغبون في أن يحصل حفل الزفاف في قاعة، تُنظم حفلات أخرى مثل حفل المهر والحنّاء التي تعتبر أقل تكلفة من الزفاف. والحفلات عموماً لا تقتصر على الميسورين والأثرياء، بل تشمل أيضاً متوسطي الدخل وذوي الدخل المحدود، في حين يبقى التفاوت في نوع الحفل وتفاصيله بحسب الإمكانات المادية المتوفرة، كما هناك سيناريوهات لحفلات الأعراس تحصل بالاتفاق مع إدارة القاعة، والتي تتطلب مشاهدها دفع أجور أكثر قد لا تقل عن 150 دولاراً، بحسب عددها ونوعها.
من جهتها، تقول العروس آيات عمار (22 عاماً) لـ"العربي الجديد": "أردت أن يكون حفل زفافي في قاعة نادي الصيد بالعاصمة بغداد، لكنّ تكلفة الحجز منعت ذلك باعتبارها تتجاوز 5 آلاف دولار لحجز القاعة وتنفيذ جلسة التصوير وتجهيزات الكوشة والإنارة والدخان والموسيقى، إلى جانب توفير وجبات العشاء بكلفة لا تقل عن 10 دولارات للوجبة الواحدة، ما دفع خطيبي إلى استئجار قاعة أخرى بكلفة 2700 دولار مع العشاء". تضيف: "لم أكن لأستغني عن تنظيم أي من حفلات المهر والحنّاء والزفاف في قاعة مخصصة لهذه المناسبات، إذ انتهى عصر الأعراس التقليدية التي لا تتناسب مع ما تشهده حفلات الأعراس اليوم، فانطلاق الزفة من بيت العريس إلى بيت العروس، وبعدها التجوّل في الشوارع ثم العودة إلى المنزل أو إلى أحد الفنادق باتت من مراسم الزفاف القليلة، ومعظم الفتيات يحلمن بحفلات زفاف داخل قاعات جميلة تتخللها جلسات تصوير للحصول على ألبوم العمر. والأسعار مرتفعة، لكنّ هذه الأمور مطلوبة ومعتمدة في غالبية الأعراس".
إلى ذلك، يقول مقدام علي (60 عاماً) لـ"العربي الجديد": "كلفني عرس أحد أبنائي قبل أسابيع نحو 3000 دولار، وهو مبلغ حصلت عليه من خلال قرض. أعتقد أنّ ميزانيات حفلات الأعراس يمكن استغلالها في أمور أكثر نفعاً للعروسين، لكن لا مراعاة للظروف الاقتصادية، فتقليد المسلسلات سمة الأعراس وحفلاتها".
ويقول المحامي والخبير في حلّ النزاعات الاجتماعية بمحكمة الرصافة ببغداد، محمد العمري، لـ"العربي الجديد": "المظاهر وحبّ التباهي والتنافس في حفلات الأعراس عادات سيئة تجتاح المجتمع العراقي. نتجت حالات طلاق كثيرة من نزاعات تسبب بها إنفاق الزوج مبالغ هائلة على عرس، في حين كانت زيجات بسيطة جداً لم تكلف شيئاً، ناجحة واستمرت. من هنا يجب أن يكون الشباب أكثر وعياً وتركيزاً، ويخططون مستقبلهم بعيداً من مظاهر تنتهي وتُنسى بسرعة"، معتبراً أنّ "مواقع التواصل الاجتماعي سبب رئيس في هذه الظواهر التي ترهق الشبان خصوصاً".