تفشي الوباء والعدالة المفقودة

29 يناير 2022
التأهب لمواجهة كورونا أمر حاسم (بونيت بارانجبي/ فرانس برس)
+ الخط -

يشمل تأثير الطور المستجد من وباء كورونا كل الفئات العمرية، وخصوصاً العاملين في القطاع والأعمار المتمدرسة، سواء أكانت في صفوف الحضانات أو حتى ما بعد المرحلة الجامعية، أي طلاب درجات الماستر والدكتوراه، ناهيك بالباحثين الذين يشل حركتهم، ويضغط عليهم بأشكال متعددة، جرّاء ظروف إعادة الإقفال العام أو القطاعي، أو مخاطر تعرضهم للإصابة بالفيروس. وبالطبع هناك الأهالي المعرضون بدورهم للإصابة، بمن فيهم من سبق وتلقى اللقاح وحتى الجرعة الثالثة منه.  
لكن المضاعفات والأضرار لا تتوزع بعدالة على أبناء البشر. فالمعروف أن الادعاءات التي أطلقت حول الوعود بتوزيع اللقاحات بعدالة على جميع سكان الكوكب بأسره، بما فيه الدول الفقيرة من جانب الدول الغنية، ذهبت أدراج الرياح. وعليه لم تنفع النداءات المتكررة لمنظمة الصحة العالمية والهيئات الأممية والإنسانية الدولية في دعوة هذه الدول إلى تخصيص حصص كافية من اللقاحات مجاناً، أو بأسعار رمزية لتحقيق وصولها إلى الشعوب الفقيرة، للنجاح في تأمين ما يشبه المناعة المجتمعية من خلال زيادة نسبة الفئات الملقحة إلى الأكثرية من عدد سكان الأرض. 
ومن المعلوم أن فرض ضرائب على الشركات العملاقة والمصارف العابرة للحدود بنسبة مقبولة كافٍ لتوفير الأموال لتحصين سكان العالم بأسره. فغالبية البلدان المحدودة الدخل، ومن بينها ليست فقط الدول الأفريقية والآسيوية وأميركا اللاتينية، ومن ضمن هذه الفئة العديد من الدول العربية، لم تُبِّلغ عن الكثير من الإصابات بالفيروس لقصور في هياكل إداراتها الصحية. بل أن بعضها أنكر وجود الفيروس على أرضه أصلاً. وما دام ينكر وجوده، فمن البديهي أن يثير ذلك شكوك المنظمات والهيئات الصحية بشأن تقديم الخدمات الصحية والتأهب للمواجهة. ما قاد إلى افتقارها القرار السياسي والاجتماعي باعتماد تحرك استباقي، رغم تكرار النداءات والدعوات وإبداء الاستعداد للمساعدة. 

موقف
التحديثات الحية

هذا الإنكار يترافق مع التداعيات الاقتصادية المحتملة، نتيجة مخاطر تفشي المرض. والواضح أنه في مثل هذه المناخات تغيب حقائق الوباء عن الإعلام، ويتراجع الوعي بالمخاطر، باعتبار أن هذا العمل يتطلب الكثير من الخطوات التحضيرية، لكن ما دام السياق العام لجهة الوجود والتفشي مجهولاً أو يخضع للنكران برمته، فالمخاطر كبيرة على جميع القطاعات، وفي مقدمها قطاع التعليم.
هذا مع العلم أن أزمة فيروس كورونا بتحوراته، وآخرها "أوميكرون " بتوسع مداه على الكوكب، تؤكد أن التأهب لمواجهته أمر حاسم على مصير البشرية في ظل العولمة القائمة. من خلال ضرورة اعتماد العديد من السيناريوهات المختلفة والتي تصب في إطار الهدف العام بالمكافحة الفعَّالة، التي تضع في الاعتبار أن انتشاره سيحدث على شكل موجات متلاحقة لا يفصل بين الواحدة والثانية سوى وقت قصير، بل إن تداخلاً يحدث بين واحدة وأخرى. أي أن عملية التصدي له يجب أن تكون دورية وشبه دائمة. وإنه يتوجب على البلدان التي لم تتضرر من هذه الموجات بعد، أن تشرع في تأمين مقومات الاستعداد من خلال وضع خطط للاستجابة. وفي المقدمة منها رفع مستوى الوعي بمخاطر الوباء على الصعيد العام، وإشراك كل القطاعات في مهمة تعميم ثقافة الوقاية من مخاطره، وإعداد الكوادر البشرية اللازمة من أطباء وممرضين وعاملين في مجال مقاومة الفيروسات، وكذلك توفير الأسِّرة وأجهزة الأوكسيجين والحصول على المزيد من اللقاحات والأدوية. 
مثل هذا التوجه من شأنه أن يجعل عملية "التكيف" ممكنة بمجرد حدوث الأزمة، ويقلص من تأثيراتها السلبية إلى أدنى حد ممكن. ويمكن أن تتضمن الخطة استحداث بروتوكولات تضم المدارس والجامعات، ونشر حملات ممارسات النظافة العامة، وفرض إغلاق المؤسسات التعليمية عندما يتطلب الأمر ذلك، وتوفير التعلم عن بُعد، واستخدام أبنيتها المغلقة لأغراض الطوارئ، وما إلى ذلك.
(باحث وأكاديمي)

المساهمون