تغير المناخ يهدد بزوال شواطئ تونس

24 ديسمبر 2022
شاطئ الحمامات صيفاً (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

لا يبدو أن الحواجز الصخرية والجدران التي شُيّدت في مناطق عدة على امتداد الشريط الساحلي كافية لحماية الطرقات وبعض المباني من أمواج البحر في تونس، إذ شهدت أخيراً تصدعات وانهيارات. وتخسر تونس سنوياً عشرات الكيلومترات من شواطئها مع تقدّم مستوى البحر في اتجاه اليابسة. ويقلص تآكُلُ الشواطئ من مساحاتها ليقترب البحر أكثر من المنازل والمطاعم والنزل القريبة منه، ولا سيّما في مناطق من قبيل بني خيار والحمّامات وسليمان وبنزرت والمنستير وصفاقس
ويؤكد خبراء بيئيون أنّ عشرات الكيلومترات من السواحل في تونس مهدّدة بالزوال بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، فيما أشارت وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي في دراسة إلى أنّ البحر قد يُغرق نحو 16 ألف هكتار من المساحات الشاطئية، وأنّ نحو 700 ألف هكتار من الأراضي السكنية والطرقات القريبة من السواحل مهدّدة بالانهيار نتيجة قرب مياه البحر خلال السنوات الأخيرة. تضيف: "من المتوقع أن يبلغ ارتفاع مستوى البحر بمعدل 30 سنتمتراً عام 2030 و50 سنتمتراً عام 2050. وأكثر المناطق المهددة هي خليج تونس وخليج الحمامات وجزيرة جربة، وستفقد العديد من الجزر التونسية جزءاً كبيراً من مساحتها". 
وعمدت بعض البلديات إلى وضع كميات كبيرة من الحجارة على الشواطئ، لتكون حاجزاً أمام امتداد أمواج البحر إلى الطرقات التي شيّدت بالقرب من الشواطئ، في إطار برنامج حماية الشريط الساحلي. كذلك شيّدت جدران على مسافات طويلة لتمثل حاجزاً يحمي الطرقات والمقاهي وبعض البيوت من أمواج البحر. إلا أن المياه غمرت العديد من تلك الصخور، فيما انهارت الجدران من جراء الأمواج. وعلى الرغم من تشييد غيرها وترميم العديد منها، إلا أنها تنهار مجدداً بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر وسرعة الرياح. أخيراً، شهدت شواطئ الحمامات والمهدية انهيار بعض تلك الجدران، لتصل مياه البحر إلى الطرقات، واختفت مساحات كبيرة من الرمال الشاطئية.  
ويُطالب سكان تلك المدن بضرورة تشييد جدران جديدة مع تركيز كتل من الصخور لمنع انهيارها من جراء الأمواج مجدداً، ومنع تشييد طرقات أو بناء مساكن قريبة من الشواطئ للحفاظ على ما أمكن من الرمال الشاطئية التي تسمح للمصطافين بارتياد الشواطئ صيفاً. يُشار إلى أن مساحات بعض الشواطئ اختفت بسبب مدّ البحر والبناء العشوائي وغير القانوني على الأملاك البحرية خلال السنوات الأخيرة. 

من جهته، يقول الباحث في علم المناخ، عبد الحميد الشافعي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العديد من الشواطئ التونسية شهدت خلال المدّة الأخيرة انهيار بعض الحواجز نتيجة قرب مياه البحر. ومن المنتظر أن تختفي العديد من الطرقات المتاخمة للشواطئ وبعض المنازل والمقاهي التي بنيت على مقربة من الشاطئ". ويعزو الأمر إلى تغيّر المناخ الذي بات يهدد العالم من خلال ظواهر عدة، منها ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد والفيضانات التي تشهدها دول عدة وارتفاع منسوب مياه البحر واندثار العديد من الشواطئ واختفاء أجزاء كبيرة من الجزر، بل واختفاء عدّة جزر صغيرة في العالم". يتابع: "تونس ليست بمنأى عن تلك الظواهر الطبيعية، بدليل اختفاء جزء كبير من جزيرة قرقنة وجزيرة جربة بالجنوب. وأكدت العديد من الدراسات ارتفاع منسوب مياه البحر بأكثر من 30 سنتمتراً خلال السنوات المقبلة". 

شواطئ بنزرت تتآكل (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
شواطئ بنزرت تتآكل (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

من جهة أخرى، يشير الشافعي إلى "ضرورة  التركيز على إعداد دراسات عن تأثير تغير المناخ على  مستوى ارتفاع منسوب مياه البحر وتأثيره في الشواطئ، أو على مستوى انخفاض مستوى التساقطات وتأثيره في الفلاحة والزراعة، أو على مستوى ارتفاع درجات الحرارة وتسببها في الجفاف، للعمل على إيجاد حلول لتلك المشاكل التي يواجهها العالم أجمع". 

وأفادت الوكالة الوطنية لحماية المحيط بأنّه بسبب التغير المناخي الذي أدّى إلى ارتفاع مستوى مياه البحر، عملت على متابعة المعطيات المتعلقة بارتفاع مستوى البحر، وأطلقت برنامجاً لحماية الشريط الساحلي في مناطق عدة، وإنشاء مختبرات عائمة ثابتة وأخرى متنقلة وأدوات لقياس المد والجزر. كذلك بدأت تنفيذ برنامج بالتعاون مع ألمانيا بكلفة تقدّر بحوالى ثلاثين مليون دولار (تمويل مشترك بنسبة 75 في المائة من ألمانيا و25 في المائة من ميزانية الدولة) لحماية شواطئ عدة بجزيرة قرقنة وشواطئ ببنزرت وصفاقس وسوسة، وحماية الكثبان الرملية والعمل على إيقاف الانجراف. 

وشاركت تونس في قمم المناخ الأخيرة، سواء في مدريد أو القاهرة. وقدّمت دراستها حول مساهمتها الوطنية في نسبة خفض انبعاث الغازات الدفيئة، وسعيها للحد منها بنسبة 45 في المائة عام 2033، مقارنةً بما كان عليه عام 2010. ويتطلب تنفيذ برنامج المساهمة المحددة على المستوى الوطني موارد مالية تناهز 19.4 مليار دولار خلال الفترة 2021 - 2030، بحسب وزارة البيئة. 
وفي عام 2020، كان وزير البيئة التونسي شكري بن حسن، قد أكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ 200 كلم من الشريط الساحلي في تونس مهدّدة بالانجراف البحري، والوزارة تدخّلت حالياً لتهيئة 30 كلم، بكلفة 90 مليون دينار (حوالى 32 مليون دولار).

المساهمون