تغير المناخ يهدد إحدى أقدم بحيرات أوروبا

22 ابريل 2023
تشهد البحيرة جفافاً (أرمند نيماني/ فرانس برس)
+ الخط -

لطالما اشتُهرت بحيرة بريسبا، الموجودة منذ آلاف السنوات في جنوب شرق أوروبا، بمياهها النقية العذبة، لكنها اليوم تتقلص على نحو منذر بالخطر تحت وطأة تغير المناخ والتلوث والاستخدام الجائر. وتقع بحيرة بريسبا على الحدود بين ألبانيا ومقدونيا الشمالية واليونان، وهي من أقدم بحيرات أوروبا وتعد موئلاً لآلاف الأنواع النباتية والحيوانية التي تعتمد على مياهها ونظامها البيئي.

إلا أن ارتفاع درجات حرارة الأرض أدى إلى انخفاض معدل المتساقطات، ما تسبب في جفاف الأنهر والجداول التي تصب فيها. وتسبب انخفاض معدل هطول الأمطار وتساقط الثلوج في تقلص البحيرة، التي انحسرت ضفافها في بعض الأماكن حتى مسافة ثلاثة كيلومترات، وفقاً لحراس مسؤولين عن مراقبة منطقة محمية أنشأتها مقدونيا الشمالية.

وقال أحد هؤلاء الحراس، غوران ستويانوفسكي (38 عاماً)، الذي يمارس عمله منذ عشر سنوات: "في السابق، كانت تتساقط الكثير من الثلوج ويصل ارتفاعها إلى متر أو متر ونصف المتر. لكن في السنوات الأخيرة، أصبح تساقطها شبه معدوم". ويؤكد المتخصصون الاتجاه الذي يلاحظه السكان من جيل إلى آخر ويوضحون بالتفصيل الوسائل المتعددة التي يؤدي بها تغير المناخ إلى تقلص البحيرة.

وبحسب دراسة استشهدت بها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، فقدت بحيرة بريسبا 7 في المائة من مساحتها ونصف حجمها بين عامي 1984 و2020. وأوضح الأستاذ في جامعة تيرانا الزراعية في ألبانيا، سباسي شومكا، أن "التغيرات في مستويات البحيرة مرتبطة بتغير المناخ".

عمل مشترك

من بين أمور أخرى، يذكر ارتفاع درجات الحرارة الذي يزيد من تبخر المياه وانخفاض معدل المتساقطات السنوية واستخدام المياه في الزراعة. وقال شومكا: "نظراً إلى موقع البحيرة، فإن الحل الوحيد هو العمل المشترك" بين سلطات مقدونيا الشمالية وألبانيا واليونان. ويؤدي التلوث بالجريان السطحي الزراعي من البساتين المجاورة إلى تفاقم المشكلة، من خلال ظاهرة التخثث التي تعزز نمو الطحالب وتؤدي إلى إفقار النظام البيئي المائي.

بحيرة (بيار كروم/ Getty)
سلفي قرب البحيرة (بيار كروم/ Getty)

وأوضح عالم الأحياء الجامعي في سكوبيي زلاتكو ليفكوف أن "البحيرة تعاني من التلوث الكثيف منذ عقود. بكل بساطة، قد يتغير موطن العديد من الأنواع وينخفض عددها ومن المحتمل أن تنقرض". وتختلف الدراسات حول عمر البحيرة، إذ يقول بعض العلماء إنها تشكلت قبل مليون عام، فيما يقول آخرون إنها تعود إلى خمسة ملايين عام. وتعد هذه البحيرة مع محيطها موطناً لنحو ألفي نوع من الأسماك والطيور والثدييات والنباتات.

ويحذّر الخبراء من أن تدهوراً إضافياً لبريسبا قد يكون كارثياً على النظام البيئي المحلي، بل أيضاً على بحيرة أوهريد المجاورة التي تقع على مسافة 10 كيلومترات إلى الغرب. ونظراً إلى موقعها على ارتفاع منخفض، تعتمد هذه البحيرة جزئياً على المياه الجوفية لبحيرة بريسبا للحفاظ على مستوياتها.

الحفاظ على جمال بريسبا

وبحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يستخدم المزارعون المحليون حوالي 65 طناً من المبيدات الحشرية كل عام، وتتأثر بريسبا بشكل مباشر بالجريان السطحي للمواد الكيميائية. وتُستخدم هذه المبيدات والأسمدة على نطاق واسع في بساتين التفاح الموجودة بكثرة في المنطقة الواقعة في مقدونيا الشمالية، والتي تمثل نحو 70% من النشاط الاقتصادي المحلي.

وأوضح تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن "التخلص من النفايات القابلة للتحلل والإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية" في المنطقة يتسبب في النمو السريع للطحالب والنباتات الغازية الأخرى التي تعرض الأنواع المتوطّنة للخطر.

وأطلقت العديد من المبادرات من أجل تحسين إدارة القطاع الزراعي. على سبيل المثال، بنيت ثماني محطات أرصاد جوية تجمع بيانات من شأنها تزويد المزارعين بمعلومات أفضل حول وقت رش المبيدات، ما ساهم في تقليل استخدامها بنسبة 30%. وقالت فروسينا غيورغييفسكا، وهي مزارعة تبلغ من العمر 56 عاماً وتعيش في بلدة ريسين في مقدونيا الشمالية: "مع خفض استخدامنا المبيدات نحصل على فوائد اقتصادية أكثر ونحسن حماية البيئة".

لكن المتخصصين يعتقدون أنه يجب بذل مزيد من الجهود لحماية البحيرة وبدء تنفيذ اتفاقات وقّعتها مقدونيا الشمالية واليونان وألبانيا عام 2012 بشكل أفضل. ويدعو الناشطون البيئيون المزارعين إلى بدء الزراعة العضوية، ويطالبون السلطات بالاستثمار في السياحة المستدامة. وقالت عالمة البيئة ماريا إفتيموفسكا (42 عاماً): "نريد الحفاظ على جمال بريسبا مع الاستمرار في الاستفادة منها". 

(فرانس برس)

المساهمون