أرسلَ وائل الأسمر (45 عاماً)، والذي يتحدّر من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، أبناءه الثلاثة للالتحاق في المدرسة مع انطلاق العام الدراسي الجديد في فلسطين في 16 أغسطس/ آب الجاري. إلا أنه يخشى عليهم الإصابة بالمتحور الهندي "دلتا" من فيروس كورونا في ظل تسجيل عشرات الإصابات يومياً في الأراضي الفلسطينية.
وبدأ العام الدراسي وجاهياً في مدارس فلسطين وسط ارتفاع ملحوظ في معدّل الإصابات بفيروس كورونا في ظل تفشي المتحور "دلتا". وانعكست الزيادة اليومية في معدل الإصابات على إقبال الأهالي على شراء الزي المدرسي والقرطاسية، خشية تكرار سيناريو العام الماضي بعدما فشلت الدراسة وجاهياً، بالإضافة إلى تردي الأوضاع المعيشية.
وقسّمت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية العام الدراسي الجديد إلى أربع فترات، وكل فترتين هما بمثابة فصل دراسي، تتخللهما إجازة قصيرة، أملاً في إتمام عام دراسي يمكن من خلاله تعويض التلاميذ ما فاتهم من جراء الجائحة.
إجراءات غير مطمئنة
لا يبدو الأسمر مطمئناً على الرغم من الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة الفلسطينية لضمان عدم تفشي الفيروس في المدارس، في ظل ما يصفها بـ "اللامبالاة الواضحة" من قبل المواطنين وضعف الرقابة من الجهات الرسمية. ويقول الأسمر: "قلّما تجد مواطناً اليوم يرتدي الكمامة، أو يلتزم بالتباعد الاجتماعي. كما أن قلة هم المواطنون الذين حصلوا على اللقاحات. كل هذه مؤشرات على أن البيئة خصبة لموجة جديدة من كورونا".
لدى الأسمر ثلاثة أبناء في المدارس، أكبرهم في الصف العاشر الأساسي وأصغرهم في الصف الخامس الأساسي. ويقول إنه حرص قدر المستطاع على تجنبيهم الإصابة بالفيروس منذ تفشيه، لافتاً إلى أنه وأفراد عائلته ما زالوا يلتزمون بإجراءات الوقاية، علماً أن هذا ليس حال المجتمع. يضيف أن التجمعات عادت بالإضافة إلى الأفراح والحفلات، على أن يضاف إليها الاختلاط في المدارس. وقد يكون هناك نقل للعدوى بين التلاميذ ومنهم إلى عائلاتهم بسبب عدم الالتزام الفعلي بالإجراءات الوقائية.
واقع جعل الأسمر متردداً في إرسال أبنائه إلى المدرسة. ويقول: "في كل الأحوال، التعليم الوجاهي أفضل من الإلكتروني. سأدعهم يذهبون في بادئ الأمر مع إلزامهم بارتداء الكمامات واستخدام المعقم بشكل دائم، ثم نقيّم التجربة. ولن أتردد في منعهم من الذهاب في حال شعرت بالخطر عليهم".
على غرار الأسمر، يتملك الخوف مسرة مهداوي على أبنائها في ظلّ ارتفاع أعداد الإصابات بالمتحور "دلتا". وتقول لـ "العربي الجديد": "الصغار أقل حرصاً في كثير من الأحيان، وقد يستخدم أحدهم حاجيات زميله الذي ربما يكون مصاباً فتنقل العدوى إليه. وعندما يعود إلى البيت، سيصيب جميع أفراد الأسرة، وهذا ما أخشاه". وعلى الرغم من مرور عام ونصف العام على تفشي الجائحة، تؤكد مهداوي أن البيئة المدرسية ما زالت هشة، والالتزام بالتعليمات ليس بالمستوى المطلوب، كما أن أعداد التلاميذ في الصفوف كبيرة. وتقول: "في صف ابنتي، وهي في السادس الأساسي، يوجد 50 طالبة. فعن أي تباعد وإجراءات وقائية يتحدثون؟ كل هذه عوامل لانتشار الفيروس".
على الرغم مما سبق، قررت إرسال أبناءها إلى المدرسة. وتقول: "على الرغم من كل مخاوفي، إلا أن التعليم الوجاهي أفضل بكثير من الإلكتروني. لكنني حذرتهم من الاختلاط المباشر بزملائهم، وخصوصاً ممن تظهر عليهم أعراض التعب أو القحة أو غيرها، وطلبت منهم عدم استخدام أي غرض ليس لهم، وعدم السماح للأخرين باستخدام أغراضهم".
خوف مشروع
إلى ذلك، لا تقلّل المسؤولة في دائرة الصحة المدرسية التابعة لوزارة التربية والتعليم ندى حسن، خلال حديثها لـ "العربي الجديد"، من مخاوف الأهالي. لكنها في الوقت نفسه، تشدد على أن التعليمات التي وصلت إليهم من وزارة التربية والتعليم والتي نقلوها بدورهم إلى المدارس صارمة جداً، ولا مجال للتراخي. وتقول: "هناك تعميم بضرورة أخذ درجة حرارة المعلمين والتلاميذ وكل من يدخل المدرسة يومياً، بالإضافة إلى التركيز على التهوئة الجيدة للصفوف، وترك مسافة بين التلاميذ داخل الصفوف، والطلب من المعلمين عدم الدخول إليها إلا وهم يرتدون الكمامات".
وتؤكد حسن أن "هذا يسري على المدارس الحكومية والخاصة ورياض الأطفال"، مضيفة: "ندرك تماماً أن هناك اكتظاظاً كبيراً في المدراس الحكومية، بعدما أجبرت الرسوم المرتفعة في المدارس الخاصة أولياء الأمور على نقل أبنائهم إلى مدارسنا. وندرك أن بعض الأهالي والتلاميذ وحتى الطواقم التعليمية والإدارية تواجه التقصير، ولا تولي جدية لكورونا. لكننا عقدنا العزم على استكمال الدراسة وجاهياً مهما كانت الظروف".
عودة إلى التعليم المدمج
لم يستبعد وزير التربية والتعليم الفلسطيني مروان عورتاني العودة إلى التعليم المدمج الذي يجمع بين التعليم الوجاهي والتعليم عن بعد، في اللحظة التي يصعد فيها منحنى كورونا بطريقة مقلقة. ويقول: "نحن في قمة الجهوزية لذلك. وفي الوقت نفسه، نعمل على تعزيز التعليم الوجاهي وخصوصاً لصفوف 1-4 وكذلك صفي 11-12 لخصوصية هذه المراحل وأهميتها ونعمل على خطة لجعل التعليم من صف 1-4 وجاهياً بغض النظر عما سيجري".
ويوضح عورتاني أن أخذ اللقاح سيكون إلزامياً للمعلمين والعاملين داخل أسوار المدرسة، وأن من يرفض اللقاح سيكون في إجازة من دون راتب. كما أنه يشترط إبراز شهادة التطعيم لكل من يتقدم لتولي مسؤولية "المقاصف" (غرف الطعام) أو يعمل بها، بالإضافة إلى جميع زوار المدارس بمن فيهم أولياء الأمور.
واستقبلت ما يزيد عن 3200 مدرسة و1500 روضة التلاميذ في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، 1,2 مليون تلميذ/ة، وأكثر من 150 ألف طفل في رياض الأطفال، وفق نموذج التعليم الوجاهي الكامل، الذي كان سائداً قبل جائحة كورونا.