تعقّب الموظفين "المتمارضين" في ألمانيا

29 ديسمبر 2024
ماركوس لينتز محقق ألماني يكشف ادّعاءات المرض الكاذبة لدى الموظفين، ديسمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تزايدت الإجازات المرضية في ألمانيا بشكل ملحوظ، مما أثار قلق الشركات، حيث يشهد ماركوس لينتز زيادة في الطلب على خدمات كشف ادعاءات المرض الكاذبة.
- تعاني الشركات الألمانية من تأثير ارتفاع معدلات الغياب بسبب المرض، حيث أشار مدير "مرسيدس بنز" إلى أن نسبة التغيب في ألمانيا أحيانًا تكون ضعف ما هي عليه في دول أوروبية أخرى.
- حصل الموظفون في ألمانيا على متوسط 15.1 يومًا من الإجازات المرضية في 2023، مما أثر سلبًا على الاقتصاد بانكماش 0.3% وفقًا للبنك المركزي الألماني.

في ألمانيا التي تواجه تحديات اقتصادية، تمثّل الزيادة الكبيرة في الإجازات المرضيّة بين الموظفين مبعث قلق كبير بين أصحاب الشركات، في حين أنّها تمثّل مصدر رزق للألماني ماركوس لينتز الذي يدير شركة متخصصة في كشف ادّعاءات المرض الكاذبة لدى الموظفين. وشرح لينتز، المقيم في فرانكفورت، عاصمة ألمانيا المالية، الواقعة وسط غربي البلاد، لوكالة فرانس برس، أنّ وكالته التي تقترح التحقيق مع الموظفين المشتبه في ادّعائهم المرض من دون وجه حقّ، لم تشهد مثل هذا الحجم من الطلب من ذي قبل.

وأكد المحقّق الألماني أنّ "ثمّة عدداً متزايداً من الشركات التي لم تعد ترغب في تحمّل هذا الوضع"، لافتاً إلى أنّ وكالته تتلقّى ما يصل إلى 1.200 طلب من هذا النوع سنوياً، وذلك في ازدياد بواقع الضعف مقارنة بالعدد المسجّل قبل بضع سنوات. وأضاف لينتز، الذي يوفّر خدماته هذه منذ عام 1995، أنّه "في حال حصل أحد الموظفين على 30 يوماً من الإجازات المرضيّة سنوياً، أو 40 يوماً أو ما يصل إلى 100 يوم في بعض الأحيان، فإنّه سوف يصير بلا جدوى اقتصادية بالنسبة إلى صاحب العمل في مرحلة معيّنة".

ومن عمالقة صناعة السيارات إلى منتجي الأسمدة، تدقّ شركات ألمانيا ناقوس الخطر بشأن تأثير ارتفاع معدّلات الغياب بسبب المرض على أكبر اقتصاد في أوروبا. وراح رؤساء شركات يعبّرون صراحةً عن مواقفهم في هذا الموضوع، من أمثال المدير العام لشركة "مرسيدس بنز" أولا كالينيوس الذي يأسف لأنّ "نسبة التغيّب عن العمل في ألمانيا تبلغ في بعض الأحيان ضعف ما هي عليه في بلدان أوروبية أخرى". وفي سياق متصل، تصدّرت شركة "تيسلا"، التي يملكها الملياردير إيلون ماسك، التي يقع مصنعها الأوروبي للسيارات الكهربائية بالقرب من العاصمة الألمانية برلين، عناوين الصحف عند إرسالها مديرَين تنفيذيَّين لدهم منازل موظّفين متغيّبين عن عملهم من أجل التحقّق من "صحّة مرضهم".

شيخوخة سكان ألمانيا وتبرير التغيّب عن العمل

وقد حصل الموظفون في ألمانيا على 15.1 يوماً في المتوسّط من الإجازات المرضية في عام 2023، مقارنة بـ11.1 يوماً في عام 2021، وفقاً لبيانات معهد الإحصاء الوطني "ديستاتيس". ومن المتوقّع أن يتّضح هذا المنحى أكثر في ما يخصّ بيانات عام 2024، إذ يشير أحد صناديق التأمين الألمانية الرئيسية (تي كاي) إلى أنّه غطّى 14.1 يوماً من الإجازات المرضية في المعدّل لكلّ عامل خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، وهو رقم قياسي.

وبحسب بيانات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، فقد الألمان ما معدّله 6.8% من ساعات عملهم في عام 2023 بسبب المرض، وذلك أكثر من الدول المجاورة مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. وفيما يتعقّب المحقق ماركوس لينتز "المتمارضين"، فإنّ إرجاع الزيادة في الإجازات المرضية إلى عمليات التحايل وحدها يمثّل "تبسيطاً خطراً"، بحسب ما شدّد معهد تابع لمؤسسة "هانز بوكلر" المرتبطة بالنقابات الألمانية. وأوضحت المديرة العلمية للمعهد بيتينا كولراوش أنّ الأمر يرقى إلى "طمس الأسباب الحقيقية"، فيما سلّطت الضوء على عوامل عدّة، من بينها الزيادة في أمراض الجهاز التنفسي، وظروف العمل المجهدة، وضعف أنظمة الحماية الاجتماعية. إلى جانب ذلك، فإنّ شيخوخة السكان في ألمانيا، مع نسبة كبيرة ومتزايدة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاماً في صفوف السكان العاملين، تمثّل أحد العوامل التي تفسّر الوضع القائم.

تجدر الإشارة إلى أنّ الإحصاءات الرسمية في فرنسا بيّنت أنّ وتيرة زيادة الإجازات المرضيّة في القطاع الخاص وبين العاملين بعقود الخدمة المدنية إلى تسارع منذ عام 2019، من دون الأخذ في الاعتبار الإجازات المرضيّة المرتبطة بكوفيد-19.

"المتمارضون" والأنشطة الموازية

ومهما كانت أسباب هذا الاتجاه، فإنّه "يؤثّر بلا شك" على أداء ألمانيا التي تعاني أصلاً من أزمة في نموذجها الاقتصادي، بحسب ما قال الاقتصادي في جمعية الأعمال الألمانية كلاوس ميشيلسن لوكالة فرانس برس. ووفقاً لحسابات، فإنّ زيادة الإجازات المرضية أدّت إلى انخفاض كبير في الإنتاج في عام 2023، ولولاه كان الاقتصاد الألماني سوف ينمو بنسبة 0.5%، لكنّه سجّل في الواقع انكماشاً بنسبة 0,3%. وهذه النتيجة أكّدها البنك المركزي الألماني، وبموجبها أدّت معدّلات المرض "المرتفعة نسبياً" إلى "تباطؤ النشاط الاقتصادي" في عام 2023.

ومنذ بداية أزمة كورونا الوبائية، تمكّن المرضى الذين يعانون من أعراض خفيفة من الحصول على إجازة مرضيّة من طبيبهم عبر الهاتف. وقد أدّت هذه الآلية، بحسب منتقديها، إلى تسهيل المهمّة على الراغبين في استغلال الوضع. ويتفاقم هذا الأمر من خلال عمليات التسجيل الأكثر انتظاماً للإجازات المرضية، وهو نظام جديد يسمح للأطباء بتحويل الإجازات المرضيّة تلقائياً إلى صناديق التأمين الخاصة بالمرضى. أمّا بالنسبة إلى "المتمارضين" الذين رصدهم المحقّق الألماني ماركوس لينتز، فإنّ نسبة كبيرة منهم يستخدمون الإجازات المرضيّة للقيام بنشاط آخر بالتوازي، على حدّ قوله. ومن بين هؤلاء، زوج يساعد في الأعمال التجارية الصغيرة لزوجته، أو موظّفون يستغلّون الإجازة المرضيّة طويلة الأمد لتجديد مساكنهم.

(فرانس برس)