تعدد الزوجات... تحايل على القانون في المغرب

23 ديسمبر 2022
ليس تعدد الزوجات شائعاً في المغرب (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

فتحت مراسلة وجهها رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب، محمد عبد النباوي، خلال الأيام الأخيرة، إلى مسؤولين قضائيين، باب جدل مجتمعي قديم حول ملف تعدد الزوجات، وهو الجدل الذي اتسع وصولاً إلى حد مطالبة جمعيات مدافعة عن حقوق المرأة بإلغاء التعدد، وذلك بالتزامن مع مخاض يبدو صعباً لتعديل مدونة الأسرة، والتي وصفت بعد صدورها في عام 2004، بأنها بمثابة "ثورة اجتماعية هادئة".
في الوقت الذي تضيق فيه "مدونة الأسرة" (قانون) الخناق على الراغبين في تعدد الزوجات، إذ لا يتاح بالمبدأ إلا للحالات الاستثنائية، فجرت مراسلة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى رؤساء المحاكم الابتدائية والاستئنافية ورؤساء أقسام قضاء الأسرة، ما اعتبر "قنبلة من العيار الثقيل"، إذ كشفت عن وصول المجلس إلى معلومات تفيد باستعمال بعض الأزواج المأذون لهم بالتعدد للإذن نفسه مرات عديدة لإبرام عقود زواج غير مأذون بها من دون اللجوء إلى المحكمة لاستصدار إذن جديد بالتعدد، مستغلين عدم تضمين اسم المرأة المراد التزوج بها في إذن التعدد الممنوح لهم.

المرأة
التحديثات الحية

ووفق المراسلة، اتضح أنّ "عدم تضمين أسماء النساء المراد التزوج بهن في وثيقة الإذن بالتعدد يفتح المجال أمام التحايل، واستعمال الإذن عدة مرات، وكأنه شيك على بياض، وهو ما يفرغ النصوص القانونية الموضوعة لحماية الأسرة من محتواها، ويفقدها نجاعتها، كما أنه يعصف بالحقوق المقررة للزوجة في مسطرة التعدد، ومن ذلك حقها في التعرف على الزوجة التي يعتزم زوجها الاقتران بها، وتمكينها من فرض شروط لفائدتها، أو لمصلحة أطفالها عن بينة واختيار".
ولئن كانت مدونة الأسرة تسمح بتعدد الزوجات وفق شروط، فإنّ هناك أشكالاً عدة للتحايل على القانون ظهرت خلال السنوات الثماني عشرة اللاحقة لتطبيق المدونة، من بينها الحصول على شهادة العزوبية والزواج العرفي، وتقديم المرأة الثانية التي يرغب الزوج في الزواج منها إلى هيئة المحكمة وهي حامل لحثّ القاضي على السماح بالتعدد لإثبات النسب، فضلاً عن اللجوء إلى تطليق الزوجة الأولى، وإبرام زواج جديد، ثم اللجوء إلى المحكمة لطلب إرجاع الزوجة الأولى التي جرى تطليقها.
غير أنه لا يمكن من منظور سوسيولوجي اعتبار تحايل بعض الأزواج بالظاهرة الاجتماعية لأنها تظل حالات قليلة، وتكاد تكون نادرة، ولأن التعدد في المغرب أصبح نادراً، ولا يتجاوز الزوجة الثانية، وذلك من جراء القيود القانونية والإجراءات الصارمة المنصوص عليها في مدونة الأسرة.
يقول عضو "مركز شمال أفريقيا للدراسات والبحوث وتقييم السياسات العمومية" عبد المنعم الكزان، لـ"العربي الجديد"، إن "استعمال بعض الأزواج المأذون لهم بالتعدد للإذن نفسه مرات عديدة لإبرام عقود زواج غير مأذون بها من دون اللجوء إلى المحكمة لاستصدار إذن جديد يمكن تكييفه على أنه عملية نصب واحتيال ذات طابع جنائي، وقد عرف المغرب مجموعة من التحولات على المستوى الاجتماعي ساهمت في التعاطي مع تعدد الزواج بشكل سلبي". ويوضح الكزان أن "الواقع الاقتصادي، وتأخر سن الزواج، والتحول القانوني في التعاطي مع زواج القاصرين، وزيادة تمدرس الفتيات، كلها عوامل ساهمت في التحول المجتمعي إزاء التعاطي مع التعدد، كما ساهم الوعي بالآثار النفسية والاجتماعية للتعدد، سواء على الأزواج أو الأبناء، وارتباطه بالمجتمع القروي والقبلي أكثر من المدن، وكذا التطور القانوني المرتبط بتكريس حقوق المرأة المغربية، في تحجيم تعدد الزوجات".
وتنص مدونة الأسرة على أنّ الإذن بالتعدد يتوقف على شروط تتمثل في توفر الموارد الكافية للزوج حتى يؤدي واجبه في الإنفاق على زوجاته، وتوفّر مبرر موضوعي واستثنائي وراء رغبته في التعدد، واستدعاء الزوجة الأولى لحضور جلسة المحكمة التي تبحث موافقتها، وفي حال موافقة الزوجة الأولى على اقتران زوجها بامرأة أخرى إلى جانبها، فإنّ المحكمة تحفظ القضية للتداول بها، والحكم بالقبول إذا استوفى الطلب كلّ العناصر، ورأت المحكمة أنّها موجبة للتعدد، أو الحكم بالرفض في حال لم تجد المحكمة أنّ الطلب يستوفي العناصر اللازمة.
وفي حال رفض الزوجة الأولى اقتران زوجها بامرأة أخرى إلى جانبها، وإلحاح الزوج على الطلب، فإنّ المحكمة تحاول مصالحتهما، لكنها قد لا توفق في مسعاها، ويصر الطرفان على موقفيهما. عندها، إذا طلبت الزوجة الطلاق حكم لمصلحتها بمستحقات يتعين على الزوج إيداعها في صندوق المحكمة خلال سبعة أيام، وإلا اعتبر متراجعاً عن طلب الإذن بتعدد الزوجات، وإذا لم تطلب الزوجة الطلاق، فإنّ المحكمة تطبّق مسطرة الشقاق تلقائياً.

يتحايل بعض الأزواج في ملف تعدد الزوجات (Getty)
يتحايل بعض الأزواج في ملف تعدد الزوجات (Getty)

كما تنص مدوّنة الأسرة على أنّ الإذن بالتعدد لا يعطى للرجل الذي ينوي الاقتران بزوجة ثانية إلا بعد إشعارها من قبل القاضي بأنّ من يريد الزواج بها متزوّج بغيرها، ويسألها عن رضاها بذلك.
تقول رئيسة جمعية "أياد حرة"، ليلي أميلي، لـ"العربي الجديد" إنّ "التعدد باعتباره استثناء تحول إلى قاعدة من جراء تحايل عدد من الأزواج على القانون"، لافتة إلى أنّ "هناك حيفا من حيث احترام الحقوق الإنسانية، إذ إنّ هناك احتيالات كبرى يقوم بها الزوج مثل فرض ضغوط اقتصادية للحصول على الموافقة، أو تعريض الزوجة للعنف النفسي الذي يمكن أن يؤدي إلى أمراض مزمنة". وتضيف: "نطالب بالتغيير الجذري لمدونة الأسرة، وذلك لمواكبة التحولات التي عرفها المغرب من قبيل إقرار دستور 2011 الذي يؤكد على المساواة بين الرجل والمرأة، والمصادقة على العديد من الاتفاقيات الدولية، ومن أبرزها اتفاقية (سيداو). نحن كما قال الملك، لا نطالب بتحليل ما حرمه الله، ومتمسكون بالخصوصية المغربية والدينية، لكن لا بد من الانفتاح لضمان احترام فعلي للأسرة، وللمجتمع، والكرامة الإنسانية".
من جهتها، طالبت مديرة جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة"، بشرى عبده، بالمنع الكلي للتعدد، وحذف المواد التي تنص عليه، وهي المواد من 41 إلى 44 من مدونة الأسرة، بالنظر إلى الحيف والظلم الذي يقع على الزوجات، لافتة إلى أنّ ما يتم الكشف عنه من حين إلى آخر بخصوص التحايل على مدونة الأسرة من أجل التعدد، يظل محدوداً في ظل التزام العديد من الزوجات للصمت، أو تعرضهن للضغوط. وتتابع عبده: "معظم النساء لا يستفدن من حقهن في وضع شروط ضمن عقد الزواج برفض التعدد، إما بسبب اعتبارات اجتماعية وتربوية تدفعهن إلى رفض استباق الأذى، وتفضيل الالتزام بمبدأ حسن النية، أو عن جهل بالحقوق التي يضمنها لهن القانون".
وتوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك اختلافا في تقديرات القضاة نتيجة وجود تضارب في فهمهم للنص القانوني وفلسفته، وفي العديد من الأحكام، لا يزال يعتمد على القدرة المادية للزوج من دون إعطاء الأهمية للمبرر الموضوعي الاستثنائي لطلب التعدد، ومن دون مراعاة الأضرار الناتجة عن التعدد على الزوجات أو الأبناء". وترى عبده أن "مدونة الأسرة التي كان ينظر إليها على أنها ثورة هادئة بكل المقاييس، أصبحت اليوم بعد 18 سنة من اعتمادها في حاجة ملحة إلى المراجعة حتى تتم معالجة النواقص، وتواكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة، وتلائم أيضاً التزامات المملكة والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، خاصة على ضوء إقرار دستور 2011، والذي كرس مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الوطنية".

وتوضح: "ما نطالب به اليوم هو منع تعدد الزوجات نهائياً من خلال تعديل المادة 40، وحذف المواد من 41 إلى 46 من مدونة الأسرة، وكذلك تعديل المادة 39"، خاتمة أنّ "الزيجات المتعددة لا تخص سوى 0,34 في المائة من مجموع رسوم الزواج، وبالتالي فإن التحجج بالحاجة الاجتماعية من أجل الحفاظ على التعدد هو من قبيل الادعاء، أو المغالطة، والإصرار على انتهاك كرامة النساء".

المساهمون