شرعت الحكومة المصرية في عام 2019، في تنفيذ مشروع تطوير منطقة "قصر المنتزه"، والتي تشمل خمس مناطق رئيسية بمدينة الإسكندرية شمالي مصر، بغرض تمكينها من استضافة 5 ملايين زائر مصري وأجنبي سنوياً.
من داخل "حديقة المنتزه"، يتابع المتقاعد راضي أبو الوفا (63 سنة)، أعمال التطوير التي طاولت مكان النزهة المعتاد له ولأسرته، ويستعيد ذكريات ولحظات عاشوها فيها، قبل أن تمتد يد التطوير والتجديد إلى الحديقة التاريخية بزعم إجراء تحسينات عليها، وتحويلها إلى وجهة سياحية عالمية، حسب التصريحات الرسمية.
يقول أبو الوفا لـ"العربي الجديد": "خططنا لزيارة المنتزه عقب انتهاء إجازة عيد الفطر، وعودة المواطنين للانشغال بالدراسة والعمل طمعاً في التمتع بنزهة هادئة من دون تكدس أو زحام. إنها أهم حدائق مدينتنا الساحلية، وإحدى أهم مزاراتها السياحية ذات الطابع التاريخي، لكني لم أكن أعلم ما ينتظرنا، فهناك تغيرات كبيرة طرأت على المكان الذي يعج بذكريات طفولتي وشبابي".
رغم إعجابه ببعض التغييرات وأعمال التطوير التي شهدها المكان التاريخي المطل على شاطئ البحر المتوسط. إلا أن ما يشغل باله هو الزيادة المبالغ فيها في "تكلفة الفسحة". يقول: "كلما سمعت عن تطوير مكان، أتحسس جيوبي. الحديقة كانت فرصة الترفيه الأهم التي أحرص عليها، وملاذي المتاح كبديل عن بقية الأماكن في المحافظة، وكلها مكلفة للغاية، وبعد التطوير باتت حديقة المنتزه أيضاً مكلفة".
يرجع تاريخ إنشاء حدائق المنتزه إلى عام 1892، حينما أعجب الخديوي عباس حلمي الثاني بتلك التلة البالغ ارتفاعها 17 متراً المطلة على الخليج الصغير، والتي كانت تستخدم كموقع عسكري، فقرر بناء قصر وحدائق للاصطياف والتنزه، مستوحيًا التصميم من الطراز النمساوي السائد في القرن الـ19.
وتمتد حدائق المنتزه على مساحة 370 فداناً، لتكون أكبر حدائق محافظة الإسكندرية، وتتميز بوجود غابة كثيفة من الأشجار والنخيل، بعضها نادرة، وبعد ثورة 23 يوليو 1952، انتقلت ملكية القصور والحدائق إلى الحكومة، وفُتحت أبوابها للعامة، وتستقبل منذ ذلك الوقت آلاف الزائرين يومياً.
وأثار مشروع تطوير المنتزه موجة من الانتقادات والمخاوف عند الإعلان عنه، وقوبل باتهام الحكومة بإزالة أشجار تاريخية، ونزع ملكية وحدات شاطئية مملوكة لشخصيات عامة في البلاد، والقضاء على المتنفس التاريخي لأهالي الإسكندرية، ودهس ذكرياتهم، وهو الأمر الذي تكرر نفيه على لسان عدد من المسئولين في أكثر من مناسبة.
تقول مايسة عزت، وهي إحدى الزائرات، لـ"العربي الجديد": "أحرص على زيارة حدائق المنتزه برفقة أسرتي في كل مناسبة تقريباً لأتمتع بجمالها، وعلى مر العقود السابقة جرت بعض التغييرات الجديدة، لكنها لا تقارن بمشاهد التطوير الأخيرة، حتى أن أفراد الأمن أنفسهم يكررون أن كل شيء في الحديقة تغير. حالياً، يتم تحصيل 25 جنيهاً رسوماً إجبارية عن كل فرد زائر، وبعد الدخول، وجهوني إلى داخل جراج السيارات، وكانت الرسوم 50 جنيهاً. المشكلة الأساسية ليست في قيمة الرسوم، رغم أنها مبالغ فيها بشكل كبير، وإنما أنني وأفراد عائلتي لن نستطيع السير تلك المسافة الطويلة من الجراج إلى الحديقة، كما أن معنا أطفالاً وأمتعة لازمة للتنزه".
تضيف عزت: "أبلغني الموظف أن انتظار السيارة في الجراج إجباري، وأنه لا يمكنني التجول بها في داخل الحديقة، بل علي أن استقل عربة خصصتها إدارة الحديقة للتنقل من مكان إلى آخر، لكن تلك العربة أيضا ليست مجانية، وإنما الرسوم 20 جنيهاً عن كل فرد، وبالتالي أصبحت التكلفة كبيرة لزيارة الحديقة، فمعي أبنائي وزوجتيهما وأطفالهما. باختصار، لم نستطع قضاء وقت ممتع كالمعتاد، وقررنا الانصراف بعد ساعة واحدة، مع عزم على عدم معاودة الزيارة مجدداً، فالمنتزه لم تعد مناسبة لنا، ولم نعد أهلها كما كنا لعقود".
في المقابل، يقول مدير عام الآثار في الإسكندرية، محمد متولي، إن التطوير الذي تشهده حدائق المنتزه سيجعل منها مقصداً سياحياً عالمياً، ويجعلها لا تقل عن كبرى المتنزهات العالمية، مشدداً على أنها أصبحت مفتوحة للجميع، وعلى مدار العام، على عكس الوضع في السابق، موضحاً: "نسعى جاهدين لإعادة صياغة حدائق المنتزه عبر استخدام رؤية معمارية وجمالية بطابع يمزج بين الحفاظ على عراقتها التاريخية وبين تطويرها، وبما يخدم جميع المصريين".
ورداً على الانتقادات، أضاف متولي في تصريحات صحافية: "حافظنا على الأصالة والعراقة والمباني التراثية والأشجار النادرة، ولكننا ندعمها بالصيانة اللازمة، وأنظمة الري الحديثة، واستخدام الطاقة النظيفة، ونحرص على تطبيق الأساليب والنظم الحديثة لاستعادة المظهر الحضاري أمام الزوار".