تتباين أسباب التسرب المدرسي في سورية بين استمرار الأنشطة العسكرية التي دمرت الكثير من المدارس، وانتشار الفقر، وفقدان المعيل، فضلاً عن هجرة الكوادر والمعلمين الأكفاء، وفي مدينة الرقة التي سيطرت عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) بدعم من التحالف الدولي في عام 2017، يبرز التسرب من التعليم كمشكلة يتوجب علاجها.
تقول المعلمة أمل الحاج، من مدينة الرقة، لـ"العربي الجديد": "الظاهرة سلبية، ومن بين أسبابها سوء الواقع المعيشي لغالبية أفراد الأسرة، وواقع التعليم المتردي، فضلاً عن صعوبات التعلم، والزواج المبكر للفتيات، أو عمل الأطفال لتوفير المال اللازم لمساعدة عائلاتهم الفقيرة، وكلها مشكلات تؤدي إلى التسرب المدرسي".
وتضيف الحاج: "لكل هذه الأسباب نتائج، فمستوى التعليم ينخفض عند الأفراد، وعندها تنخفض فرص الحصول على عمل كون الأشخاص ليس لديهم مؤهلات علمية، وهذا يزيد من نسب البطالة، والحديث عن المشكلة، أو تسليط الضوء عليها ليس كافياً، إذ يلزم أن تكون هناك خطوات حقيقية للحل".
وتقول الناشطة ريم الحسين لـ"العربي الجديد": "منذ بداية الحرب في سورية، تراجع مستوى التعليم بشكل كبير، خصوصاً مع غياب الكادر التعليمي بسبب النزوح، والذي خلّف تأثيراً على المجتمع كله، وفي الوقت الحالي لا يملك الأطفال الأيتام القدرة على مواصلة التعليم كونهم الحلقة الأضعف، ومع تراجع فرص العمل، تأثرت القدرة على تأمين الدخل لدى أمهات الأطفال الأيتام خصوصاً، والعوائل بشكل عام، وانعكس الأمر سلباً على الأطفال، فبعض العوائل تخلت عن تعليم الأطفال، وقررت دمجهم في سوق العمل، ما فاقم من ظاهرة عمالة الأطفال".
ويعمل العديد من المنظمات الإنسانية على مشاريع لدعم تعليم الأطفال، وأخضعت "الإدارة الذاتية" أخيراً، عشرات من معلمي الرقة لدورات صيفية بهدف زيادة كفاءة التعامل مع الأطفال الذين تسربوا من التعليم.
ويؤكد الناشط مناف الأسعد، العامل في منظمة "بيت المواطنة"، لـ"العربي الجديد" أن "الجهل، والمخدرات، والفقر من بين الأسباب التي تسببت في زيادة الأمية، وتفاقم العنف، وعدم الاستقرار القائم في المنطقة من بين أسباب التسرب المدرسي، إذ تفكك المجتمع بسبب تعدد الفصائل، والتي تتدخل لفرض أيديولوجياتها المتباينة على التعليم، إضافة إلى كون المناهج غير مستقرة، وتعدد المناهج يؤدي إلى تشتت الأطفال، وأيضاً عدم وجود المعلمين الأكفاء، وعدم المباشرة بإعادة إعمار المدارس والذي يؤدي إلى زيادة اكتظاظ الصفوف".
ويلفت الأسعد إلى أن التعليم الخاص أيضاً أدى إلى التسرب المدرسي، مشيراً إلى أن "المدارس الخاصة تقدم تعليماً أفضل، لكنها لا تخدم استقرار الطفل وبناء شخصيته، ويجب التعامل مع الواقع السياسي باعتباره أحد أهم أسباب التسرب، فبحسب الإحصائيات الأممية، هناك أكثر من 3 ملايين طفل بحاجة إلى التعليم في شمال شرقي سورية".
بدوره، يقول علي الشنان، رئيس لجنة التربية والتعليم السابق بالرقة، لـ"العربي الجديد"، إن "السبب الأول لتسرب الطلاب من المدارس يكمن تردي أوضاع المعلمين، والضغوط التي تمارس عليهم، فلجنة التربية والتعليم المحلية قامت بعد انتهاء دورة الإعداد التي دامت خمسة أشهر، بتحويلها إلى دورة مغلقة، وباتت تضم دروساً فكرية، وهذا تسبب باستقالة 130 من المعلمين والمعلمات، كما أن رواتب المعلمين ضعيفة، وعدد من هاجروا منهم يزيد عن 30 في المائة".
يضيف الشنان: "لا يعقل أيضاً إلزام التلاميذ وأولياء الأمور بأمور تفوق طاقتهم، وهم يعانون بالأساس من ظروف معيشية سيئة، ويجب أن يكون المنهاج مبسطاً، وسبق أن اجتمعنا مع مسؤولين في منظمة (يونيسف) لمناقشة ذلك، لكن المنهاج الحالي لم يتم تطويره، ولجنة التربية والتعليم تلزم المعاهد بدوام معين، وهذا الدوام لا يكفي لسد حاجة الطلاب. والطلاب المتسربون من المدارس يلجؤون إلى الدورات الخاصة، أو ينظمون مجموعات من أجل التعلم، وهذا يؤثر على سير العملية التربوية، ويضر بالتدريس، فالمعاهد أنشئت لتعويض النقص، وفشلت بسبب الوساطات، والكوادر غير المؤهلة".
ويقول صالح عيسى، من مدينة الرقة، لـ"العربي الجديد"، إن هناك بعض العمل على تأهيل المدارس، وإعداد المدرسين، لكن المشاكل أكبر من كل الجهود، لافتا إلى أن "هناك عدم ثقة من قبل الأهالي بالمدارس، ومن أسباب التسرب تراجع جودة التعليم نتيجة هجرة المعلمين القدامى، إضافة إلى صعوبة المواصلات، وتوفير المستلزمات، ونتمنى أن يكون العام الدراسي الجديد أفضل لأن كثيرا من الأهالي لم يعد لديهم إيمان بأهمية التعليم".
وأظهرت دراسة لمركز "جسور" أن عدد الطلاب المتسربين في محافظتي الرقة والحسكة بلغ 47 ألف طالب، في حين تتراوح نسبة التسرب في ريفي الرقة والحسكة ما بين 40 إلى 50 في المائة.