شهد شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقتل تسعة أشخاص في محافظة السويداء السورية، من بينها أربع جرائم قتل جنائية بقي الجاني فيها مجهول الهوية، ما يُنذر بعودة تدريجية لنشاط عصابات الخطف والجريمة إلى شوارع المحافظة.
وبدأ الحراك الشعبي في منتصف شهر أغسطس/آب، وما زال مستمراً، وقد ساهم إلى حد كبير في تحجيم دور العصابات، وهيأ الظروف للمحاسبة، ورافقها نوع من الأمان لدى المواطنين، ما ساهم بانخفاض جرائم العنف والسطو إلى أدنى مستوياتها مقارنة مع السنوات العشر الماضية.
يقول الناشط المدني عماد العشعوش لـ"العربي الجديد"، إن "انتفاضة السويداء شكلت في بدايتها صدمة لعصابات الجريمة المنظمة ومشغليها من الجهات الأمنية، وساهمت إلى حد كبير في تراجع العنف، وتقليص حالة الفلتان الأمني، والغياب شبه التام لقوات الأمن الذي كان واضحاً من خلال سحب الحواجز والنقاط الأمنية إلى مقارها الأساسية. هذا الوضع استمر نتيجة الارتباك الذي أصاب الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، وانعكس بشكل إيجابي على الحياة العامة، وشعر بها كل أبناء المحافظة".
وحول الأسباب المباشرة لتراجع جرائم العصابات؛ يقول الناشط المدني منيف رشيد، إن "الانتفاضة كانت ضد كل عوامل ومسببات الخوف والإرهاب التي أشاعتها العصابات التابعة للنظام، لذا تراجع العنف، خصوصاً بعد مبادرات أهلية لملاحقة أفراد العصابات وتجار المخدرات، والقبض على بعضهم وتسليمهم للقضاء".
لكن هذا الواقع الذي فرضته الانتفاضة الشعبية تبدل مع عودة الأجهزة الأمنية والحزبية إلى العمل للتخطيط من أجل ضرب الحراك الشعبي وإعادة الفلتان الأمني كونه الحل الأنسب لعودة سيطرة هذه الأجهزة على محافظة السويداء، إذ جند النظام كل أدواته الإعلامية والأمنية، وما تبقى من أفراد تابعين لحزب البعث، كما جند بعض وجهاء الطائفة الدرزية لضرب النسيج الاجتماعي، وحاول التواصل مع المرجعيات الدينية أيضاً لمعرفته بمدى تأثيرها على الشارع.
ورصدت وسائل إعلام محلية مستقلة خلال أشهر الانتفاضة الثلاثة مقتل 16 شخصاً في حوادث متفرقة، وهم 13 مدنياً و3 عناصر من جيش النظام، فضلاً عن ثمانية جرحى من بينهم 6 مدنيين، وكانت ظروف القتل متباينة بين خلافات شخصية أو مادية أو عشائرية، بالإضافة إلى مقتل 4 مدنيين في ظروف غامضة.
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية، لم يُسجل في المحافظة سوى حالة انتحار واحدة، وهو رقم ملحوظ مقارنة بأعداد أكبر خلال السنوات السابقة، مع مقتل مدني واحد بانفجار لغم أرضي في بادية السويداء، وتعرّض 14 مدنياً لانتهاكات شملت الخطف والاحتجاز القسري والاعتقال التعسفي، وكانت عصابات منظمة مسؤولة عن 6 جرائم بغرض الحصول على فدية مالية، ونتيجة الضغط الشعبي، أُفرج عن جميع المخطوفين خلال فترة وجيزة ومن دون دفع الفدية.
ويؤكد الناشط المدني أيمن نوفل لـ"العربي الجديد"، أن "معدلات العنف تراجعت في السويداء خلال الأشهر الأولى من الانتفاضة إلى الحد الأدنى منذ بداية الثورة السورية، ثم عاد إلى الارتفاع مع بداية حركة الأجهزة الأمنية والعصابات التابعة لها. الفترة القادمة قد تشهد انفلاتاً أمنياً أكبر، وعودة لحوادث العنف الفردية، وربما اغتيالات غامضة، كما حصل مع المهندس رمزي المحيثاوي، والذي قُتل بطلقات نارية من دون وجود دوافع معروفة وراء الجريمة سوى كونه ناشطا في الحراك الشعبي وأحد مؤسسي تجمع المهندسين الأحرار".
ويضيف نوفل: "مرّت على السويداء أيام من الأمان الذي لم تعهده خلال 13 عاماً مضت، وتراجعت أعمال السرقة والخطف، وغاب عن شوارع المدينة استعراض سيارات ودراجات العصابات المحلية، وتراجعت النزاعات الفردية، وكادت تخلو من حوادث الخطف والقتل التي كانت واقعاً يومياً خلال الأعوام الماضية. اليوم، وبعد أن ساهمت الظروف المحلية والإقليمية في حصار انتفاضة السويداء، وتحييدها عن واجهة الأحداث، انتعشت العصابات المحلية مجدداً لترسم الحدث اليومي للمحافظة".
ولم تسجل الأجهزة الأمنية خلال الأشهر الثلاثة الماضية سوى حالة اعتقال واحدة لأحد أبناء محافظة السويداء أثناء عبوره بطريقة غير شرعية إلى الحدود اللبنانية، وأفرجت عنه خلال أيام قليلة بعد ضغط من حركة "رجال الكرامة"، في حين لم تسجل أي حالة اعتقال على خلفية الحراك الشعبي، ولم تُرصد أية ملاحقات أمنية أو استدعاءات للمشاركين في الحراك الشعبي، بمن في ذلك الموظفون منهم، واكتفت الأجهزة بجمع المعلومات، والضغط على الموظفين من خلال المسؤولين المباشرين في أعمالهم.