ترحيب نسائي بتعديلات مدونة الأسرة في المغرب

24 ديسمبر 2024
يمشيان في المدينة القديمة بالرباط، 19 فبراير 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ترحيب واسع بالتعديلات المقترحة: لاقت التعديلات على مدونة الأسرة في المغرب دعماً كبيراً من الحركة النسائية والحقوقية، حيث تشمل تخويل الأم الحاضنة النيابة القانونية، واعتبار العمل المنزلي للزوجة مساهمة مالية، ووجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد.

- تعديلات جوهرية في مدونة الأسرة: تضمنت التعديلات جعل النيابة القانونية مشتركة، وإحداث هيئة للصلح، وتقليص أنواع الطلاق، وحصر التعدد في حالات استثنائية، مما يعزز حقوق المرأة والمساواة.

- توجهات مستقبلية وتأكيد على القيم الكونية: أكدت التعديلات على الاجتهاد بما يتماشى مع الزمن، مع التركيز على القيم الكونية والدين الإسلامي، ودعت المنظمات النسائية إلى نقاش هادئ لصياغة مدونة منصفة.

لاقت التعديلات المقترحة على مشروع مراجعة مدونة الأسرة (الأحوال الشخصية) في المغرب، خصوصا ما تم اعتماده تأسيساً على مقترحات هيئة المراجعة والرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، ترحيباً واسعاً من طرف الحركة النسائية في البلاد.

وبينما دأبت العديد من الجمعيات النسائية والحقوقية في المغرب على المطالبة في السنوات الأخيرة، بإجراء تغيير شامل لمدونة الأسرة على خلفية ثغرات في مقتضياتها، بدا لافتاً أن حصيلة عمل الهيئة التي كلفها العاهل المغربي الملك محمد السادس في 26 سبتمبر/ أيلول 2023 بمراجعة المدونة بعد 20 عاما على دخولها حيّز التطبيق، تسير في اتجاه الاستجابة لتطلعات وانتظارات الحركة الحقوقية النسائية في البلاد.

ويبقى من أبرز التعديلات المقترحة، وفق ما كشف عنه وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي خلال لقاء تواصلي اليوم الثلاثاء بالرباط، تخويل الأم الحاضنة النيابة القانونية على أطفالها، واعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية، ووجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد عليها، وبقاء حضانة المطلقة على أولادها بالرغم من زواجها.

تخويل الأم الحاضنة النيابة القانونية على أطفالها، واعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية

كذلك تضمنت التعديلات جعل "النيابة القانونية" مشتركة بين الزوجين في حال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها، وإحداث هيئة غير قضائية، للصلح والوساطة، يكون تدخلها مطلوبا، مبدئيا، في غير حالة الطلاق الاتفاقي، مع حصر مهمتها في محاولة الإصلاح بين الزوجين، والتوفيق بينهما في ما يترتب عن الطلاق من آثار، مع جعل الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية، وتقليص أنواع الطلاق والتطليق.

ومن التعديلات اللافتة للانتباه حصر المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد في إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانع من المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى، يُقدرها القاضي وفق معايير قانونية محددة، تكون في الدرجة نفسها من الموضوعية والاستثنائية.

وفيما كلّف العاهل المغربي، أمس الاثنين، رئيس الحكومة عزيز أخنوش وأعضاء حكومته بالتواصل مع الرأي العام، وإحاطته علما بمستجدات هذه المراجعة، والتي ستسهر الحكومة، داخل آجال معقولة، على حُسن بلورتها وصياغتها في مبادرة تشريعية طبقا لأحكام الدستور المغربي، حظيت التعديلات المقترحة بترحيب من الجمعيات النسائية في البلاد.

أبرز تعديلات مدونة الأسرة

 تقول المنسقة الوطنية لـ"الائتلاف النسائي من أجل مدونة أسرة قائمة على المساواة والكرامة"، بشرى عبدو: "تلقينا المقترحات المقدمة بارتياح كبير خاصة بعد أن أجابت عن العديد من النقط والمطالب المطروحة من  قبل الائتلاف النسائي، والتي ناضلنا من أجلها ومن أجل الإجابة عن آلام ومعاناة النساء والأسر المغربية". وتوضح عبدو أن التعديلات المقترحة تضع حدا لما تعيشه المغربيات المطلقات من ويلات وصعوبات إدارية وواقعية للقيام بمهام النيابة القانونية على أطفالهن، حيث لا تعترف بعض الإدارات بحق الأم في ممارسة النيابة القانونية تلقائيا في حالة غياب الأب أو عدم وجوده، وتفرض ضرورة صدور حكم قضائي يقر ذلك.

وترى أن التعديلات المقترحة تتضمن اعترافا بالعمل المنزلي للنساء كعامل منتج ويكتسي قيمة مادية حيث يساهم بشكل كبير في الممتلكات أثناء الزواج، موضحة أن عمل المغربيات في البيت كان دائما يعتبر غير ذي قيمة، كما لا يستفدن في حال انتهاء العلاقة الزوجية من تنمية الثروات المكتسبة أثناء الزواج.

من جهة أخرى، تسجّل عبدو أن التعديلات تستجيب لمطلب رفعته الحركة النسائية منذ سنوات بخصوص وضع حد لحرمان الأم الحاضنة من حضانة أبنائها بعد زواجها للمرة الثانية، فضلا عن تسهيل مساطر الزواج وعدم تعقيدها بالنسبة للمغاربة المغتربين. تقول: "ما نطالب به اليوم هو أن تأخذ الحكومة والبرلمان بمجلسيه عند إخراج المدونة الجديدة بعين الاعتبار  ما جاء في بيان الديوان الملكي الصادر أمس عقب جلسة عمل خُصصت لمراجعة قانون الأسرة بشأن التركيز بشكل كبير على القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، ومن قيم الدين الإسلامي الحنيف، وكذلك المبادئ المؤطرة لعملية مراجعة مدونة الأسرة ممثلة في العدل والمساواة والتضامن والانسجام".

تقول الكاتبة العامة لـ"منظمة النساء الاتحاديات"، حنان رحاب، لـ"العربي الجديد "، إن منظمتها تدعو إلى استمرار النقاش الهادئ والعقلاني في أفق إخراج نص مدونة أكثر انفتاحا وإنصافا، مضيفة: "نحن بصدد مقاربة مغربية أصيلة تتوازن بين الحفاظ على الثوابت الدينية والخصوصيات التاريخية، وبين الانفتاح على الحداثة والتطور العالمي، مما يعكس حداثة مبتكرة ومتميزة تستجيب لاحتياجات العصر".

وتوضح رحاب، أن تأكيد بيان الديوان الملكي الصادر أمس عقب جلسة عمل الهيئة المكلفة بالمراجعة، أهمية الاجتهاد بما يتلاءم مع متغيرات الزمن، يعد مؤشرا واضحا على انتصار رؤية تقدمية لمقاصد الشريعة الإسلامية، تنبثق من مبادئ العدل، المساواة، التضامن، والانسجام".

وتشير إلى أن منظمة "النساء الاتحاديات" متفائلة ومطمئنة تجاه تعديلات شاملة تخدم مصلحة الأسرة المغربية. كما تعول على أن تكون هذه التعديلات مبنية على رؤية مستقبلية تسعى لسد الذرائع التي قد تفتح المجال لتأويلات تفضي إلى مظالم". تضيف: "سبق لنا أن عبّرنا في مذكرتنا، المقدمة للهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، خلال جلسات الاستماع التي نظمتها، على ضرورة استحضار المرجعية الإسلامية في التعديلات المقترحة، باعتماد التأويلات المنفتحة على الاجتهادات القائمة على التيسير، ومراعاة قاعدة "تغير الأحكام بتغير الأحوال والسياقات".

وتلفت إلى أنه "لا يمكن إغفال أهمية توجيهات الملك بضرورة أن تأتي صياغة التعديلات واضحة ودقيقة، إذ يعد ذلك الضمان الأساسي للحد من تعددية التأويلات القضائية، ما يسهم في تحقيق وحدة في الأحكام المرتبطة بالقضايا المتشابهة، خلافا لما كان عليه الوضع سابقا". وترى أن رمزية انعقاد جلسة العمل بحضور الوزراء المعنيين، وتقديم خلاصات اللجنة من طرف وزير العدل ورأي المجلس العلمي الأعلى من طرف وزير الأوقاف، تؤكد أن مسطرة التشريع ستسير وفق مسارها المؤسسي الطبيعي وصولا إلى المصادقة البرلمانية. وتعتبر أن هذه الخطوة "تدعم الديمقراطية التمثيلية، وترسخ فكرة أن مدونة الأسرة، رغم استنادها إلى مقاصد الدين الإسلامي، ليست نصا مقدسا، بل عملا بشريا قابلا للتطوير والتحديث بما يخدم المصلحة العامة ويلبي متطلبات العصر".

المساهمون