تربية الطيور... هواية وتجارة وتدمير للبيئة في فلسطين

26 يونيو 2021
أحد عاشقي الطيور (العربي الجديد)
+ الخط -

يقصد محمد (اسم مستعار، 32 عاماً)، وهو من سكان مدينة البيرة وسط الضفة الغربية، سوق الطيور الذي يقام كل يوم جمعة، واضعاً أقفاصه إلى جانب مُربّي وتجار طيور آخرين، بانتظار الزبائن، سواء أكانوا ينوون شراء الطيور أو التفرج عليها فقط. يقول لـ "العربي الجديد": "أحببت تربية الطيور مذ كنت طفلاً. وخلال السنوات الأخيرة، بدأت بيعها"، لافتاً إلى أن طائري الحسون والكنار هما الأحب إلى قلبه.
يتجاوز سعر طائر الحسون نحو 150 دولاراً، وقد تصل أرباح التجارة بأنواع أُخرى أيضاً إلى أكثر من 20 ألف دولار. 
يصطاد البعض طائر الحسون، الأمر الذي يعدّ مخالفاً للاتفاقيات التي كانت السلطة الفلسطينية قد انضمت إليها مؤخراً والمتعلقة بالتنوّع الحيوي. ويدعو الناشطون المهتمون بالبيئة والحياة البرية والطيور إلى وقف الصيد الجائر، لا سيما صيد تلك المهددة بالانقراض، مثل الحسون. وعادة ما يعمل الصيادون على بيع ما يصطادونه للتجار. كذلك، يمنع الاحتلال الإسرائيلي صيد الطيور. 
ويقول مدير جمعية الحياة البرية الفلسطينية عماد الأطرش لـ "العربي الجديد": "رغم توقيع فلسطين على نحو خمس عشرة اتفاقية تخص التنوع الحيوي والبيئي، ورغم إقرار القانون البيئي عام 2000، إلا أن أحداً لا يلتزم. في فلسطين، نعتمد على القانون الأردني الصادر عام 1963. وتبدو عقوبة الصيد غير الشرعي للحيوانات البرية وفق هذا القانون، ومنها الطيور، غير رادعة، فضلاً عن محاولة البعض تهريب الطيور من الأردن، عبر جسر الملك حسين الرابط بين الأردن والضفة الغربية".
هواية
يقول الأطرش إنه يُسمح بتربية بعض الطيور وبيعها، لافتاً إلى أن ذلك لا يندرج في إطار التجارة غير الشرعية، خصوصاً  الكنار والببغاء والحمام. منذ أكثر من 18 عاماً، يربّي مجد أشتية (42 عاماً) الطيور، حيث يعيش في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه يحبّ تربية الطيور، ولا يسعى إلى الحصول على عائد مادي. يضيف: "يصعب عليّ التخلّي عن تربيتها، وقد ورث ابني زين (11 عاماً) هذا الحب". ويوضح: "أكثر الطيور التي أحب تربيتها هي كنار الكلوستر، ولدي الآن نحو عشرين قفصاً، وأخصص فترة ما بعد العصر للاعتناء بها"، مشيراً إلى أنه يداعبها، "أُطلق صفّارة فتغرّد". 

من جهته، يقول المسن محمد عابد إنه يربّي بعض الطيور كهواية منذ سنوات طويلة. "لا أتخيل المنزل من دون الطيور. لدي عشرة طيور في الوقت الحالي، بعضها مغردة وطعامها غير مكلف. وحتى لو كان مكلفاً، سأشتريه لها. أحياناً، أتشارك مع طيوري التفاح". يضيف: "أحزن لموت طائر تغريده مميّز. وأسعى إلى تجنّب فقدان الطيور وأحاول توفير أجواء ملائمة في المنزل، مثل وضعها ليلاً في غرفة معتمة. فالضوء يؤثّر على الطيور ويمنعها من النوم الكافي".
تجارة
يملك يعقوب حسن (30 عاماً)، وهو من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، مزرعة لتربية الطيور، ويبيع بعض طيور الزينة، باعتبار أن العائد المادي لبيع الطيور جيّد. ويقول لـ "العربي الجديد" إن المربّين يُواجهون مشاكل وتحديات عدة، منها الأمراض التي تُصيب الطيور. ويقول: "أداوي الطيور لديّ في مزرعتي بالأعشاب الطبيعية، ولا ألجأ إلى أحد أو جهة ما".
ويشكو مربّو الطيور المسموح بها عدم توفير وزارة الزراعة الفلسطينية أطباء بيطريين للكشف على الطيور. ويعتمد الغالبية على خبرات بعضهم البعض، في وقت ينضم البعض إلى مجموعات لديها هواية تربية الطيور على وسائل التواصل الاجتماعي لتبادل المعرفة حول كيفية علاج الطيور في حال أصيبت بالمرض، بالإضافة إلى الاستفسار أكثر حول ميزات كل نوع من أنواع الطيور. 
كان الشاب محمد غنيم (19 عاماً)، وهو من بلدة كفر عقب شمال مدينة القدس، ينظر إلى أقفاص أحد التجار في سوق البيرة الأسبوعي، وقد اختار أخيراً شراء زوجين من طيور الحُب صفراء اللون. يقول لـ "العربي الجديد": "لطالما أحببت شراء الطيور وتربيتها"، واصفاً هذا التعلق بالإدمان. "أحياناً أشتري بعض الطيور لبيعها، أو لاقتنائها فقط. أنظر إليها طوال الوقت، وأسعد بوجودها قربي".

تربية الطيور في فلسطين (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

من جهته، يقول مربي الطيور عثمان السعيد (43 عاماً)، وهو من بلدة كفر عقب، إنه يربي الطيور منذ نحو 20 عاماً، لافتاً إلى أن عائد تجارة الطيور يعتمد على مدى اعتناء المربي بالطائر. أما مربي الطيور جمال قادوس (56 عاماً)، وهو من قرية بورين جنوب نابلس، فيقول لـ "العربي الجديد" إنه في ظل تراجع الوضع الاقتصادي انخفضت أسعار الطيور. لكنني أستطيع القول إن تجارة بعض أنواع الطيور ساعدتني في توفير مصاريف العائلة خلال السنوات الماضية. لكن في الوقت الحالي فإن مصاريف تربية الطيور أكبر من العائد المادي من تجارتها".
أسواق سوداء 
يُطلق الأطرش على بعض الأسواق الأسبوعية لبيع الطيور في الضفة الغربية الأسواق السوداء، لعدم شرعية بيع بعض الطيور البرية فيها. يقول: "تلاحق سلطة جودة البيئة التجار والصيادين غير الشرعيين. إلا أن عدم توفر كادر كافٍ لملاحقة هؤلاء يحول دون منعهم من المتاجرة غير الشرعية بالطيور". يتابع: "بالإضافة إلى سلطة البيئة، نمارس دوراً توعوياً. بعض الصيادين توقفوا عن الصيد، وتطوّعوا معنا في الجمعية، لحماية الحياة البرية ومراقبتها".

تربية الطيور في فلسطين (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

من جهته، يقول المدير العام للمصادر البيئية في سلطة جودة البيئة الفلسطينية عيسى موسى عدوان لـ "العربي الجديد": "نعمل على مصادرة الطيور الممنوع صيدها، سواء في محلات البيع أو لدى الهواة، ونحث المواطنين من خلال وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، على تجنب الاعتداء على الطيور البرية، بالصيد أو الاقتناء أو الاعتداء على أعشاشها".
يضيف أن العقوبة هي دفع غرامة مالية تتراوح ما بين 20 ديناراً أردنياً (نحو 28 دولاراً) و100 دينار أردني (نحو 140 دولاراً)، والسجن مدة تتراوح بين أسبوعين وشهر. ويقول: "نُدرك أن هذه العقوبة غير كافية"، في وقت يشير إلى أن الطيور تُرسلها سلطة جودة البيئة إلى المراكز التي تعمل في مجال رعاية الطيور، لتأهليها ثم تتم إعادتها إلى الطبيعة.

ويفيد عدوان بأن "لدى سلطة جودة البيئة دوراً رقابياً على هذه الأسواق. يومياً، تصادر طيور برية لدى التجار غير الشرعيين، مثل العُقبان والصقور والبوم. كما يوجد لدينا طاقم رقابي في كل المحافظات". يتابع: "صحيح أن محافظة الخليل، التي يقارب عدد سكانها مليون نسمة، لدينا فيها مكتب بأربعة موظفين، ونعرف أن هذا العدد غير كافٍ، لكننا نبذل جهدنا وقد طالبنا الحكومة بزيادة عدد الطاقم، ونتعاون مع الشرطة البيئية الموجودة في المحافظات جميعها؛ الأمر الذي عزّز دورنا في هذا الإطار".

تربية الطيور في فلسطين (العربي الجديد)
(العربي الجديد)

معاناة 
إلى ذلك، يشكو بعض تجار الدواجن، وخصوصاً الدجاج، بسبب وجود مزارعهم على مقربة من إحدى المستوطنات أو في المناطق المصنفة ج (المناطق التي تقع تحت مسؤوليّة السلطة الفلسطينية لناحية تقديم الخدمات الطبية والتعليمية للفلسطينيين،  علماً أن لإسرائيل حق السيطرة الأمنية والإدارية)، وبالتالي يعاني هؤلاء بسبب اعتداءات المستوطنين المتكررة.
ويقول المزارع فادي عواطلة، وهو من قرية قُصرة جنوب شرق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، لـ "العربي الجديد": "دمّر المستوطنون كل المزرعة، لدي 25 ألف دجاجة وأبحث عن طريقة لإنقاذها". يتابع: "حطّم المستوطنون خزانات الماء وخرّبوا المراوح. ولم يبق شيء. عمري 33 عاماً، ومنذ عام 2017، أتعرض لاعتداءات المستوطنين على مزرعتي، ولم يهتم بخسارتي أو الأضرار التي أتكبدها أي أحد من الجهات الفلسطينية الرسمية، لا وزارة الزراعة ولا غيرها".