لجأ شباب عراقيون إلى تربية الحيوانات الأليفة والطيور لمساعدة عائلاتهم التي تأثرت اقتصادياً في ظلّ تفشي فيروس كورونا وما فرضه من إجراءات وقائية كان من بينها الإغلاق العام، والذي استمرّ أشهراً عدة وإن لم تكن متواصلة. بعض هؤلاء لم يتوقع أن يطول أمد تفشي الفيروس، الأمر الذي أدى إلى خسارة كثيرين أعمالهم وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة في البلاد. وبعد مرور أكثر من عام على تسجيل البلاد أول إصابة بالفيروس، توقع عراقيون أن يتمكن العالم من السيطرة عليه على غرار فيروس إنفلونزا الطيور، إلّا أنّهم لم يصيبوا في توقعاتهم، الأمر الذي أجبرهم على البحث عن بدائل للعيش.
يعدّ سوق الغزل الواقع وسط العاصمة بغداد أحد أشهر الأسواق في البلاد. هو سوق تراثي شعبي يُعنى ببيع مختلف أنواع الحيوانات والطيور والأسماك. ويقول مرتادوه إنّه بات ملجأ للباحثين عن معلومات حول كيفية تربية الحيوانات وتحصيل مكسب مادي منها.
طيور جارحة وأخرى للزينة
يعمل عبد الجليل الفاضل في تجارة الطيور الجارحة منذ أكثر من عشرين عاماً. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ كثيرين يقصدونه اليوم للاستفادة من خبراته في صيد وتربية الطيور الجارحة، التي تباع أصناف منها بمبالغ مالية كبيرة قد تصل إلى أكثر من 100 ألف دولار. لكن، ليس سهلاً على المبتدئين صيد تلك الطيور، إذ يتطلب الأمر الخبرة والإلمام بأنواع الصقور وطبيعة عيشها والمناطق التي يمكن فيها صيدها، وقد يستغرق الأمر أياماً وشهوراً. ويضطر المحترفون أحياناً إلى التخييم في الصحاري وقتاً طويلاً لاصطيادها. لذلك، لا ينصح المبتدئين الباحثين عن مصدر رزق سريع يعوضون من خلاله الأضرار الاقتصادية التي لحقت بهم وبعائلاتهم من جراء تفشي كورونا، بهذا النوع من الصيد، لافتاً إلى أنّ هناك طريقاً أسهل للراغبين في العمل في سوق الطيور الجارحة، وهو العمل "سماسرة".
يضيف: "البحث عن الطيور الجارحة من خلال الهواة أو في الأسواق المتخصصة يعدّ سهلاً بالنسبة للمبتدئين الذين لا يملكون المال الكافي لبيع وشراء هذه الطيور. وحال معرفتهم بوجود طائر بالمواصفات المرغوبة، كلّ ما عليهم فعله هو الاتصال بتجار الطيور وإرسال كلّ المعلومات المتعلقة به عبر مقطع فيديو. وفي حال تمت الصفقة، يحصلون على عمولة".
ولا يجذب العمل في تجارة الطيور الجارحة سوى عدد قليل من الباحثين عن عمل مؤقت نتيجة التداعيات الاقتصادية الناتجة عن تفشي كورونا، خصوصاً أنّ العمل في مجال تربية وتجارة أنواع أخرى من الطيور هو أكثر سهولة، عدا عن كونه مربحاً أيضاً. هذا ما يقوله الطالب الجامعي، مخلد عامر، الذي عمد إلى مساعدة والده الذي تأثر عمله كثيراً خلال أزمة كورونا، حاله حال كثيرين. كان مخلد متفرغاً بشكل كامل للدراسة ويسعى إلى متابعة دراساته العليا خارج البلاد. يقول إنّ والده كان يوفر له كلّ مصاريفه الدراسية والشخصية، هو الذي يملك محلاً لبيع الهدايا. يضيف لـ "العربي الجديد": "لم تعد الهدايا ذات قيمة في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد. الهدف الأساسي اليوم هو الصحة والغذاء والسكن. حتّى التعليم لم يعد أولوية بالنسبة للبعض الذين تضررت أعمالهم بشكل كبير". بنى مخلد قفصاً خشبياً مساحته نحو عشرين متراً مربعاً فوق سطح منزله، وخصّصه لتربية طيور الزينة التي تتميّز بأصوات جميلة. يقول: "لم تكن لدي خبرة واسعة في تربية هذه الطيور، باستثناء أنني اقتنيت طيراً شبيهاً مذ كنت تلميذاً في المرحلة الثانوية، وقد أجدت الاهتمام به".
يتابع: "أملك حالياً أكثر من 200 طائر، وبتّ أكثر إلماماً في كيفية تربيتها والاعتناء بها. وأسعى إلى التعلّم باستمرار والاستفادة من الأشخاص الأكثر خبرة ومشاهدة مقاطع فيديو على يوتيوب، وقراءة ما يتوفر من معلومات حولها في الكتب أو عبر الإنترنت". يقول إنّ ربحه الشهري من جراء بيع هذه الطيور يصل إلى 600 ألف دينار (نحو 400 دولار أميركي)، قبل أن يختم: "أسعى إلى مضاعفة ربحي خلال الأشهر القليلة المقبلة".
كلاب على السطوح
كانت سطوح المنازل ملجأ لكثيرين لاستغلالها في إنشاء عمل. وعادة ما يفضل العراقيون السكن في دار مع حديقة وسطح مفتوح محاط بسياج، كانوا يستغلونه سابقاً للنوم في ليالي الصيف. اليوم، باتت هذه السطوح مكاناً مناسباً لتربية الحيوانات الأليفة، كما فعل منتظر علي السيد، الذي بدأ في تربية الكلاب. يقول لـ "العربي الجديد" إنه لم يعد يبيع الأنواع التي عمد إلى تربيتها وقد تكاثرت، بل صار يشتري بعضاً منها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والأسواق ليعيد بيعها.
كان السيد يعمل مرشداً في شركة سياحية، ويعيش مع والديه وثلاثة أشقاء في بيت مكون من ثماني غرف، الأمر الذي مكنه من استغلال سطح المنزل لبدء عمل اختاره لمساعدة أسرته بعدما فقد عمله إثر تداعيات انتشار فيروس كورونا. ويقول: "منزل عائلتي واسع ومساحة السطح العلوي 170 متراً مربعاً، صنعت فيه ثلاثة أكواخ لتربية الكلاب"، مشيراً إلى أنّه يحقق مكسباً جيداً من تجارته بالكلاب. يضيف أنّ ما يتقاضاه يكفيه لسدّ احتياجاته الشخصية ومساعدة والده في الإنفاق على الأسرة.
بدوره، يقول حسين الجيزاني وهو طبيب بيطري، لـ"العربي الجديد"، إنّ الإقبال على تربية الحيوانات، خصوصاً الأليفة منها، "يزداد باستمرار"، لافتاً إلى أنّ تداعيات فيروس كورونا "زادت من إقبال الناس على تربية هذه الحيوانات". يضيف: "يزورني كثيرون في عيادتي للاستفسار عن أمراض تعاني منها حيواناتهم. وما زلت أستقبل مربين جدداً للحيوانات الأليفة يقولون إنّهم لجأوا إلى تربية الحيوانات بعدما فقدوا وظائفهم أو تأثرت أعمالهم".
وفي وقت سابق، أعلن مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية محمد صالح أنّ نسبة الفقر في البلاد بلغت 30 في المائة من مجموع السكان، مشيراً إلى أنّ من بين أولئك الفقراء "مهجّرين قدماء وعاطلين عن العمل، بالإضافة إلى أكثر من مليوني عائلة أضيفت نتيجة تفشي جائحة كورونا التي اجتاحت العالم".