تراجع عمالة الأطفال في المغرب وسط مطالبات بإجراءات عاجلة لإنهائها

12 يونيو 2024
صبية مغاربة يعملون في أحد أسواق مراكش، في 18 نوفمبر 2003 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- خلال 2023، شهد المغرب انخفاضاً في عمالة الأطفال بنسبة 13.4%، مع تسجيل 110 آلاف طفل عامل، 69 ألف منهم في أعمال خطيرة، خاصةً في البناء والصناعة والخدمات، رغم الجهود المبذولة للحد من هذه الظاهرة.
- تركز عمالة الأطفال بالأساس في الريف بقطاع الفلاحة، وفي الحضر بالخدمات والصناعة، معظمهم ذكور بين 15 و17 سنة، مرتبطة بالفقر والتسرب من التعليم.
- تزايد الدعوات للحكومة المغربية والمجتمع المدني لتكثيف الجهود لإنهاء عمالة الأطفال، تشمل تعزيز الحماية الاجتماعية، تحسين الأجور، وضمان حقوق التربية والتكوين، مع تفعيل القوانين وتطوير مشاريع تنموية لدعم الأسر المعوزة.

تراجعت عمالة الأطفال في المغرب خلال عام 2023 بنسبة 13.4%، مقارنة بسنة 2022، إذ ناهز عددهم 110 آلاف، في حين يعمل 69 ألف طفل بنسبة 59.4% في أشغال خطيرة.

وقالت المندوبية السامية للتخطيط (هيئة حكومية تعنى بالتخطيط)، اليوم الأربعاء، إن من بين سبعة ملايين و775 ألف طفل تراوح أعمارهم ما بين (7 و17 سنة)، بلغ عدد الأطفال النشيطين المشتغلين بالمغرب 110 آلاف طفل. وبحسب مذكرة إخبارية صادرة عن المندوبية بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة تشغيل الأطفال الذي يوافق 12 يونيو/حزيران، فإن هذا الرقم يمثل 1.4% من مجموع الأطفال الذين ينتمون إلى هذه الفئة العمرية على صعيد المملكة.

انخفاض عمالة الأطفال في المغرب

وفي المجمل، تسجل المندوبية استمرار انخفاض عمالة الأطفال في المغرب، إذ مقارنة بسنة 2022 تراجع عدد الأطفال النشيطين المشتغلين بنسبة 13.4%، كما تقلص هذا العدد بأكثر من النصف (55.5%) مقارنة بسنة 2017.

وبينما تواصل ظاهرة تشغيل الأطفال تراجعها بالمغرب، كشفت المندوبية أن هناك 69 ألف طفل يقومون بأشغال خطيرة، وهو ما يمثل 63.3% من مجموع الأطفال المشتغلين بالمملكة. ويبقى الأطفال المشتغلون بقطاع البناء والأشغال العمومية الأكثر تعرضا للخطر بنسبة 80,8%، إذ تبلغ هذه النسبة 79.3% بقطاع الصناعة، و77.7% بقطاع الخدمات، و53% بقطاع الفلاحة والغابة والصيد، وفق معطيات المندوبية.

وتنتشر ظاهرة عمالة الأطفال في المغرب بين الذكور أكثر من الإناث، وغالبا ما ترتبط بالانقطاع عن الدراسة، إذ أوردت المندوبية أن 85.6% من الأطفال المشتغلين هم ذكور، و91.5% منهم أعمارهم ما بين 15 و17 سنة، ويعيش 79.9% منهم في المناطق القروية. ووفق أرقام المندوبية، فإن 8.6% من الأطفال يشتغلون بالموازاة مع تمدرسهم، و89.1% غادروا مقاعد الدراسة، بينما لم يسبق لـ2.3% منهم أن تمدرسوا.

من جهة أخرى، تبقى الظاهرة، وفق مذكرة المندوبية، متمركزة في قطاعات اقتصادية معينة مع اختلاف حسب وسط الإقامة. ففي الوسط القروي، يشتغل 74.1% من الأطفال بقطاع الفلاحة والغابة والصيد، بينما في الوسط الحضري، فإن قطاعي الخدمات (51%)، والصناعة (28.1%)، يعتبران القطاعين الرئيسيين لتشغيل الأطفال.

وتهم ظاهرة تشغيل الأطفال في المغرب 77 ألف أسرة، وهو ما يمثل ما يقارب 1% من مجموع الأسر المغربية، إذ تتمركز هذه الأسر أساسا بالوسط القروي (55 ألف أسرة مقابل 22 ألف أسرة بالمدن)، وحوالي 8.5% منها مسيرة من طرف نساء. كما أنها تهم بالخصوص الأسر الكبيرة الحجم، إذ تبلغ نسبة الأسر التي تضم على الأقل طفلاً مشتغلاً 0.4% بالنسبة للأسر المكونة من ثلاثة أفراد، وترتفع تدريجيا لتصل إلى 2.5% لدى الأسر المكونة من ستة أفراد أو أكثر.

وعزت المندوبية هذه الظاهرة إلى خصائص سوسيو-اقتصادية للأسر ولربّ الأسرة على وجه الخصوص، موضحة أن نسبة الأسر التي تضم على الأقل طفلا مشتغلا 1.2% بين الأسر المسيرة من طرف شخص بدون مستوى دراسي، في حين تبقى شبه منعدمة لدى الأسر المسيرة من طرف شخص له مستوى دراسي عال.

مطالبات بإنهاء عمالة الأطفال في المغرب

ويأتي ذلك، في وقت طالبت فيه "المنظمة الديمقراطية للشغل" (اتحاد عمالي)، الحكومة بالقيام بإجراءات عاجلة لإنهاء عمالة الأطفال في المغرب بما يتماشى والأهداف العالمية للتنمية المستدامة، خاصة محاربة الفقر والهشاشة والظلم الاجتماعي وتحسين الأجور، والشغل اللائق للعمال وتعميم الحماية الاجتماعية.

ودعت المنظمة في بيان لها، إلى احترام حقوق الطفل في التربية والتكوين، مشيرة إلى أن العالم يسير نحو إنهاء تشغيل الأطفال بحلول سنة 2025، وهو ما يفرض بذل جهود أكبر للتصدي للظاهرة. كما دعت المنظمة جمعيات المجتمع المدني إلى تكثيف الجهود، والنقابات إلى إدخال بند عمالة الأطفال في الحوار الاجتماعي والاتفاقيات الجماعية، ومراجعة القوانين المتقادمة لتسريع القضاء على عمالة الأطفال في المغرب.

كما شدّدت على ضرورة ضمان عدم استغلال الأطفال المهاجرين في أشغال خطيرة والاتجار بهم، والقضاء على جميع أشكال عمل الأطفال، وتفعيل الاتفاقية الدولية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن العمل وإنزال عقوبات زجرية بالمخالفين للقوانين. ونبهت المنظمة إلى أنه ورغم مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لمنظمة العمل الدولية رقم 182 بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال وأهداف التنمية المستدامة، ورغم أن المادة 143 من مدونة الشغل المغربية تنص على أنه لا يمكن تشغيل الأحداث ولا قبولهم في المقاولات أو لدى المشغلين قبل بلوغهم سن 15 كاملة، إلا أن الظاهرة مستمرة، رغم بعض التراجع الملحوظ.

وفي السياق، اعتبر رئيس "منتدى الطفولة" (غير حكومي)، عبد العالي الرامي، أن ظاهرة تشغيل الأطفال تشكل تهديدا حقيقيا للسلامة البدنية والنفسية للقاصرين الذين يتم استغلالهم من قبل مجموعة من الوحدات الإنتاجية المغربية سعيا منهما لتحقيق الربح بأقل كلفة، وأكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه على الجهات المسؤولة تكثيف الجهود وتوعية الأسر بخطورة ظاهرة عمالة الأطفال في المغرب، وتقديم الدعم اللازم لها، وإطلاق المزيد من المبادرات، داعيا إلى خلق مشاريع وتعاونيات في المناطق القروية المنسية لمساعدة الأسر المعوزة التي تختار إرسال أطفالها القاصرين إلى المدن بحثا عن عمل يعيلون به أنفسهم وأسرهم، وضرورة تضافر الجهود للحد من هذه الآفة.

من جهة أخرى، اعتبر الرامي أن العقوبات القانونية ضد مشغلي الأطفال "عقوبات مخففة جدا"، ممثلا لذلك بالمادة 143 من مدونة الشغل المغربية التي تنص على أن تشغيل حدث دون سن الخامسة عشرة ينتهي بالمشغل إلى دفع غرامة مالية، ويمكن أن تصير العقوبة سجنا نافذا من ثلاثة إلى ستة أشهر إذا تكرر الأمر، مع غرامة مضاعفة.

وبحسب المتحدث ذاته، فإن تلك العقوبات المخففة تتيح لمستغلي الأطفال الاستمرار في استغلالهم دون وجود حسيب أو رقيب، مؤكدا ضرورة تفعيل المزيد من القوانين الصارمة لضبط هذه الظاهرة والحد منها.

وكانت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عواطف حيار قد كشفت في مايو/ أيار الماضي، عن إعداد خطة عمل وطنية للقضاء على عمالة الأطفال في المغرب في أفق سنة 2030 بتنسيق مع وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات. كما لفتت حيار في ردّها على سؤال برلماني، إلى أنه تم وضع منظومة معلوماتية مندمجة لتتبع الطفل في مدار الحماية وتعميمها، مع تعميم إحداث مراكز المواكبة لحماية الطفولة ووحدات حماية الطفولة بالأقاليم، ثم تعميم إحداث وحدات الخدمات الاجتماعية المتنقلة، فضلا عن برامج تكوينية منظمة عن حماية الطفولة لفائدة العاملين الاجتماعيين مع فئة الأطفال وأعضاء اللجان الإقليمية لحماية الطفولة والجمعيات.

المساهمون