"لست أعلم كيف سيكون وضعنا الاجتماعي والاقتصادي في إيران في غضون العام المقبل. عندما أنام ليلاً وأستيقظ صباحاً لا أعلم ما الذي سيحدث. كلّ يوم ترتفع الأسعار، فيما تزداد إيجارات البيوت، بالإضافة إلى ألف مشكلة ومشكلة تدفعني إلى عدم التفكير في الحمل". هذا ما تعلنه المواطنة الإيرانية فرزانه، التي تزوجت قبل خمس سنوات ولم تنجب بعد بقرار منها ومن زوجها. وانطلاقاً من تجربتها الشخصية وملاحظة محيطها، لم تستغرب نبأ تراجع الخصوبة في بلادها إلى مستويات قياسية، بل تعلق: "هذا الوضع طبيعي، فمنذ سنوات لا يفكر كثير من الناس بالإنجاب، وإذا قرروا ذلك فإنّهم يكتفون بأقل عدد من الأطفال".
تشير البيانات الرسمية إلى تراجع الخصوبة من 6 أطفال قبل خمسة عقود لكلّ امرأة إلى نحو طفلين خلال العقدين الأخيرين، إذ إنّ إيران لم تستبدل سكانها منذ 15 عاماً. ومعدل الاستبدال أو الإحلال في الديموغرافيا، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمعدل الخصوبة الكلية، وفي حال ارتفاع الأخير يرتفع تلقائياً معدل الإحلال ويعوض عن الوفيات بسكان جدد. كذلك، ورد في البيانات الأخيرة للأمم المتحدة أنّ إيران فقدت خلال الأعوام الثلاثين الماضية أكثر من 70 في المائة من نسبة الخصوبة.
خلال السنوات الماضية، زادت وتيرة هبوط معدل الخصوبة الكلية في إيران ليتراجع من 2.07 طفلين لكلّ امرأة في سنّ الخصوبة، عام 2017، إلى 1.77 طفل عام 2019، بحسب بيانات مركز الإحصاء الإيراني. وبحسب دراسات سكانية حديثة، فإنّ المعدل أيضاً تراجع خلال عام 2020 إلى 1.7 طفل لكلّ امرأة.
الخطر الأكبر يكمن في أنّ تراجع معدل الخصوبة الكلية في إيران، لا يقتصر على فئة عمرية محددة، بل يشمل جميع الفئات العمرية النسائية، من 20 إلى 24 عاماً، و25 إلى 29 عاماً، و30 إلى 34 عاماً، بحسب بيانات مركز الإحصاء الإيراني.
وعند بحث أسباب تراجع الخصوبة في إيران، رصدت "العربي الجديد" صنفين بارزين من الأسباب، هما العوامل الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن دور مجموعة عوامل فيزيولوجية وصحية لدى كلّ من الرجال والنساء، وهي موجودة في أيّ مجتمع.
أبرز العوامل الاجتماعية، تغير النظرة الإيجابية تجاه الخصوبة، وتغير نمط الحياة، وارتفاع معدلات الطلاق، بالإضافة إلى متطلبات الحياة الحضرية في المدن، بما فيها مشاركة النساء في مختلف الشؤون ودخولهن مجالات العمل والتعليم في الدراسات الجامعية العليا. وتعدّ هذه العوامل من إفرازات التحولات الاجتماعية التي تشهدها إيران في العقود الأخيرة، والتي زادت وتيرتها خلال العقد الأخير، مدفوعة بالأزمات الاقتصادية المستمرة. وتأتي هذه التحولات بينما كان إنجاب عدد كبير من الأطفال، قبل أربعة عقود، أمراً مجتمعياً مستحسناً، تقدسه العائلات إلى حدّ كبير، فعندما كانت الزوجات يتأخرن في الإنجاب كانت تلاحقهن "شبهة" العقم، وكان ينظر إلى الرجل على أنّه "مقطوع النسل". لذلك، كان الإنجاب يشكل الأولوية للزوجين بعد تشكيل الأسرة، وهو ما تغير تماماً اليوم. ومن أهم هذه العوامل الاجتماعية أيضاً، ارتفاع سنّ الزواج، إذ تشير البيانات الإيرانية إلى أنّ هذا العامل يشكل 38 في المائة من أسباب تراجع الخصوبة، إذ كان معدل سن الزواج للفتيات في إيران عام 1963، 18 عاماً، بينما ارتفع إلى 23 عاماً في السنوات الأخيرة.
وتلعب الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها إيران منذ عقدين تقريباً، خصوصاً خلال السنوات الأربع الأخيرة، بسبب العقوبات الأميركية، دوراً كبيراً في تراجع الخصوبة، سواء لجهة تأثيرها في تراجع إقبال الشبان والشابات على الزواج، أو لجهة آثارها على زيادة حالات الطلاق ودفع الأسر إلى تأخير الإنجاب.
وعام 2020، أدى انتشار فيروس كورونا الجديد دوراً في انخفاض الخصوبة في إيران، التي تتصدر دول المنطقة في تفشي الفيروس والوفيات والإصابات، إذ بات كورونا يشكل أحد أهم عقبات الزواج في البلاد، كما يؤثر الفيروس في تأخير القرار بالإنجاب، إذ يحذر خبراء وعلماء نفس من أنّ استمرار الفيروس وتفشيه الواسع وسط عدم وجود أفق لنهايته، ستكون له تداعيات مجتمعية واقتصادية صعبة، يمكن أن تدفع الشباب إلى التخلي تماماً عن فكرة الحياة الزوجية.
زيادة معدل الشيخوخة
التهديد الأبرز لتراجع الخصوبة في إيران، هو نمو الشيخوخة، وما يترتب عليه من تحديات اجتماعية واقتصادية. تقول مستشارة وزير الصحة، شهلا خسروي، إنّ الشيخوخة تسلك مساراً متصاعداً في إيران أسرع من المعدل العالمي: "خلال الأعوام الستين الماضية، زاد معدل الشيخوخة عالمياً 5 سنوات، أما في إيران فزاد 10 سنوات".