تدمير خانيونس... الاحتلال يستكمل مخطط تهجير الغزيين

03 ديسمبر 2023
دمار هائل بمساكن مدينة حمد في خانيونس (أحمد زقوت/Getty)
+ الخط -

طالب الاحتلال الإسرائيلي سكان البلدات والقرى الواقعة في شرقي محافظة خانيونس بمغادرتها، عبر إلقاء طائراته آلاف المناشير على المنطقة التي بات يصنّفها باعتبارها "منطقة قتال خطيرة"، كما استخدم الاحتلال قنابل الفسفور المحرمة دولياً في قصفه لبلدة عبسان الكبيرة. 
ومنذ نهار السبت الماضي، بدأت حركة نزوح كبيرة لآلاف السكان من المناطق الغربية والشرقية لمدينة خانيونس، والذين قرر بعضهم البقاء فيها رغم التهديدات السابقة التي وصلت إليهم، ويتجه غالبية النازحين إلى وسط المدينة، أو إلى مخيم خانيونس، وهي المناطق التي تشهد اكتظاظاً كبيراً وتضم عشرات آلاف النازحين من مدينة غزة ومناطق شمالي القطاع.
وحسب تقسيم محافظات قطاع غزة الخمس، فإن محافظة خانيونس هي الأكبر من حيث المساحة، إذ تبلغ 108 كيلومترات مربعة، وتنقسم إلى عدد من البلديات، أكبرها مدينة خانيونس، والتي تضم منازل قديمة وأسواقا، ومخيم خانيونس.
وتضم المحافظة العديد من البلدات والقرى الزراعية التي يعيش فيها فلاحون يعملون بالزراعة في أراض ورثوها عن أجدادهم، وتضم المنطقة الشرقية بلدة القرارة، وبلدة بني سهيلا التي تفصل حدود المنطقة الغربية لخانيونس عن الشرقية، وبلدة عبسان الكبيرة، ثم عبسان الصغيرة بمحاذاة السلك الفاصل مع مناطق سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وبلدة خزاعة، وقرية الفخاري، وجميعها مناطق زراعية، وغالبيتها تعرضت لأضرار بالغة بسبب تعرّضها للقصف.
وتبلغ مساحة مخيم خانيونس نحو 1.27 كيلومتر مربع، ويقدّر أنه يضم حالياً مئات آلاف الغزيين، علماً أنه كان قبل بدء العدوان يستوعب أكثر من 88 ألف لاجئ من مناطق فلسطين التاريخية المختلفة المسجلين ضمن أرقام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
ونزحت أعداد كبيرة من الأشخاص إلى المخيم رغم عدم وجود أي مكان فارغ داخله، أو في أي من مدارس وكالة "أونروا" التي تقع في داخل المخيم، ويقبع كثيرون بالقرب من مجمع ناصر الطبي، والذي لجأ إليه الآلاف من المناطق التي تعرضت لقصف الاحتلال.

يعيش مئات آلاف النازحين ظروفاً إنسانية بائسة في مخيم خانيونس

من مخيم خانيونس، يقول عبد السلام عاشور (40 سنة): "يتواجد في منزلي نحو 70 فرداً، والمنزل مكون من شقة أرضية وشقة علوية. وتلقيت اتصالات عديدة من أقارب يطلبون مني الانتقال إلى منزلي، لكنني عاجز عن الموافقة، فالمنزل ممتلئ عن آخره، كما أن المخيم تحول منذ مساء الجمعة الماضي إلى ما يشبه ساحة الحشر، وكل الناس تبحث عن مكان للنزوح، في ظل العجز الكبير عن تأمين مكان للإيواء، ما اضطر البعض إلى النزوح إلى مدينة رفح، رغم أنها مكتظة هي الأخرى بآلاف من النازحين".
يضيف عاشور: "كل المتواجدين في مدينة خانيونس ومخيمها يعيشون ذات المخاوف، فالاحتلال أغار على مناطق كثيرة في المدينة، وقصف منازل في داخل المخيم، وأي قصف يقع في المخيم يقتل كثيرين، فالمنازل مكدسة، والشوارع ضيقة، والدفاع المدني يحاول جاهداً إنقاذ أرواح الناس من تحت أنقاض المنازل المدمرة، لكن الوضع كارثي. وإضافة إلى كوارث القصف، نعاني من الجوع والعطش، لكن الغالبية يرفضون مغادرة قطاع غزة، ولا أحد يريد الخضوع لمخطط التهجير الذي يحاول الاحتلال فرضه، والجميع ينتظرون توقّف الحرب".

الصورة
موجة نزوح كبيرة من مدينة خانيونس (محمود الهمص/فرانس برس)
موجة نزوح كبيرة من مدينة خانيونس (محمود الهمص/فرانس برس)

ونزح عدد من سكان منطقة "السطر الغربي"، مساء السبت، بعد أن تلقّوا تهديدات من جيش الاحتلال بالإخلاء الفوري، وهذه العائلات تملك منازل المنطقة التي كانت تؤوي آلاف النازحين. يقول أحمد الأغا (34 سنة) لـ"العربي الجديد": "كان القصف الإسرائيلي مكثفاً على منطقة السطر الغربي يوم السبت، وشهدنا ما يُعرف بالحزام الناري، فدمرت عددا من المباني في وقتٍ واحد. غالبية أفراد عائلتي نزحوا من المنطقة، وهناك منازل كان فيها نحو 100 نازح من مختلف أنحاء قطاع غزة، والناس أصبحت تخشى من إمكانية إجبارهم على مغادرة القطاع قسراً. نعيش حالة من الرعب، ولا نعرف إلى أين نذهب، وقد نزحنا إلى محيط مجمع ناصر الطبي، وأشقائي توزعوا للبحث عن مكان للنزوح".
يضيف الأغا: "في بداية العدوان، كانت الناس تبحث عن شقق، وأنا شخصياً ساعدت العديد من سكان مدينة غزة وشمالي القطاع على إيجاد شقق بالإيجار، ثم عجزت لاحقاً عن المساعدة لعدم توفر الأماكن. أنا حالياً أبحث عن أي مكان يؤوي أسرتي المكونة من 15 فرداً. وصباح الأحد، اتصلت بالعديد من الأشخاص أملاً في تأمين غرفة واحدة حتى، لكن جميع المدارس ممتلئة، ولا تستطيع استقبال أحد".

دمر القصف الكثير من منازل محافظة خانيونس وأراضيها الزراعية

من بلدة عبسان الكبيرة، يقول المزارع محمود قديح (50 سنة)، إنه خسر أرضه الزراعية ومنزله، ويوضح لـ"العربي الجديد": "تضم محافظة خانيونس أجود الأراضي الزراعية في القطاع، وهي تمد جميع مناطق قطاع غزة بالخضروات والفواكه الموسمية، ما يعني أن الحرب عليها تُحدث خسائر لجميع سكان القطاع. عائلاتنا تمتهن زراعة الأرض التي ورثناها عن أجدادنا، وهي مصدر رزقنا الوحيد، ولن نغيره، لكن كثيرا من أراضي خانيونس الزراعية دمرت، وحوّلها قصف الاحتلال إلى خراب، وكثيرون فقدوا منازلهم، ويبيتون في الشوارع القريبة من مجمع ناصر الطبي أو على بوابات المدارس".

الصورة
عشرات الشهداء يومياً في خانيونس (أحمد حسب الله/Getty)
عشرات الشهداء يومياً في خانيونس (أحمد حسب الله/Getty)

ويشير قديح إلى أن "بعض النازحين عادوا إلى مناطقهم خلال فترة الهدنة، فوجدوا منازلهم مدمرة، والغالبية تضرروا مثلي في عدوان عام 2014 وفي عدوان 2021، كما أصبت أثناء المشاركة في مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة عام 2018. جميع مزارعي شرقي خانيونس تعرّضوا لأضرار من العدوان الإسرائيلي المتكرر، والانتهاكات مستمرة منذ سنوات بحقنا، لكن العدوان الحالي غير مسبوق، لقد قتلوا البشر والشجر. إنهم يحاولون تدمير كل شيء، وقد قضيت ليلتين في الشارع مع عائلتي قبل أن نجد مخزناً نبيت فيه صباح الأحد، وكانت الرائحة فيه كريهة، إذ كان يتم تخزين الوقود فيه".
وتضم مدينة خانيونس عشرات من مشروعات الإسكان التي جرى إنشاؤها عبر المنح الدولية لإغاثة سكان قطاع غزة المتضررين من تدمير منازلهم على أيدي الاحتلال الإسرائيلي منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، لكن تلك المساكن كانت أهدافاً للقصف، رغم أن بعضها تم بناؤه بأموال منح دولية.
ويوم السبت، دمر قصف الاحتلال العديد من أبراج مدينة حمد في غربي مدينة خانيونس، وهي المدينة التي تم إنشاؤها من خلال دعم الحكومة القطرية للأسر التي تضررت منازلها بسبب العدوان الإسرائيلي عام 2012. وتم افتتاح المدينة وتسليم الشقق في عام 2016.
وبعد القصف، نزح جميع سكان مدينة حمد إلى مناطق وسط مدينة خانيونس، ونزح بعضهم إلى مدينة رفح. يقول أحمد محسن (28 سنة)، إنه كان يقيم في أحد أبراج مدينة حمد رفقة أشقائه ووالدته، لكن القصف دمر الشقة التي كان فيها نحو 35 فرداً من عائلته وأقاربه، فقرروا النزوح إلى رفح رغم الاكتظاظ الكبير فيها، وحالياً تعيش والدته المريضة بالسكري والضغط مع شقيقاته في غرفة بإحدى مدارس المدينة التي تحولت إلى مركز إيواء، بينما يبقى مع شقيقه في خيمة بساحة المدرسة.

يضيف محسن لـ"العربي الجديد": "قبل نزوحنا من مدينة حمد، كنا في معظم الأوقات لا نستطيع النوم بسبب أصوات قصف البوارج الحربية الإسرائيلية، خصوصاً على المناطق الغربية المحاذية لشاطئ البحر. تستقبل مدينة حمد النازحين منذ بداية العدوان، حتى أصبحوا يملأون المدينة، والبعض كانوا ينامون على الدرج، أو خارج بوابات المباني، لكن جميعنا اليوم نازحون".
ويتابع محسن: "استشهد والدي في قصف إسرائيلي خلال العدوان على قطاع غزة عام 2008، فأصبحنا أيتاماً، وكنا نعيش ظروفاً صعبة، ونعتمد على المساعدات، إذ كان والدي المسؤول عن تأمين احتياجاتنا، وهذه الشقة منحت لنا لأننا من المتضررين، ومنذ عشنا فيها أصبحت مصدر الأمان، وكنا نعيش في سلام، ويعلم الاحتلال أن سكان مدينة حمد مسالمون، وغالبيتهم من الفقراء والأيتام وأسر الشهداء".

المساهمون