أرست الأزمة الاقتصادية الحادّة التي يواجهها لبنان منذ نهاية 2019 ظاهرة تخزين مواطنيه مواد غذائية وسلعاً استهلاكية خضعت لدعم (في مرحلة ما)، تحسباً لرفع هذا الدعم، وتخوفاً من انقطاعها في السوق المحلي أو "اختفائها" ورفع أسعارها، وكذلك لتجنب سلبيات عمليات الربح غير الشرعية التي ينفذها تجار ومحتكرون ومهرّبون يجنون ثروات طائلة، بينما يئنّ الشعب من الجوع والفقر والإذلال والمرض.
أخطر هذه الظواهر تخزين البنزين في المنازل والسيارات التي زادت أخيراً بسبب أزمة المحروقات، حيث يدفع النقص الحاد في المادة والتحذيرات المستمرة من نفاد المخزون والمسار التصاعدي للأسعار المواطنين إلى التهافت للحصول عليها عبر الوقوف ساعات في طوابير أمام محطات تقنن التعبئة، في حين يستخدم البعض غالونات لتعبئة البنزين والاحتفاظ به.
كذلك زادت ظاهرة تخزين الوقود لمواجهة تقنين الكهرباء، وتوقف بعض أصحاب المولدات الخاصة عن إعطاء الكهرباء عدة ساعات يومياً، ما دفع مواطنين إلى شراء مولدات منزلية تعمل على المحروقات، في ظل استمرار الأزمة وغياب المعالجات والحلول والرقابة الجدّية من المسؤولين.
يحذر مدير العمليات في الدفاع المدني جورج بو موسى، في حديث لـ"العربي الجديد"، من أخطار تخزين المحروقات عموماً والبنزين خصوصاً في المنازل أو السيارات، "فهذا الأمر يشكل قنبلة موقوتة".
واندلع أكثر من حريق بسبب تخزين الوقود في مبانٍ سكنية وحتى سيارات خاصة في بيروت، ما دفع الحكومة السابقة إلى إصدار تعاميم طالبت كل الوزارات والإدارات الرسمية والمؤسسات العامة المعنية "بمكافحة الظاهرة، واتخاذ أقصى التدابير والإجراءات التي تمنع انتشارها لتجنب تداعياتها الخطرة على السلامة العامة وحياة المواطنين وأمنهم". كما منعت أصحاب محطات الوقود من تعبئة مادة البنزين للزبائن بغالونات. لكن كل هذه الإجراءات لم تترجم ميدانياً في الشكل المطلوب.
يقول عضو نقابة أصحاب المحطات جورج براكس، لـ"العربي الجديد": "أكثرية المحطات ملتزمة بقرار وزارة الداخلية ومديرية النفط منع تعبئة البنزين بغالونات، لكن مخالفات تحصل، ونحن نعمل على تتبعها مع الأجهزة المعنية". وينبّه براكس إلى "خطورة تخزين البنزين، خاصة في فصل الصيف الحار، ما يفاقم خطر اشتعاله في أي لحظة في منازل وسيارات وكراجات وحتى بعض المستودعات غير المجهزة بوسائل التخزين وتنفيس البخار والتمديدات المناسبة". ويقول: "إذا كان العشب اليابس والأحراج والمساحات الخضراء الشاسعة لا تحتمل حرارة الشمس والدرجات العالية فكيف حال البنزين المخّزن في المنازل؟".
من جهته، يوضح مصدر مسؤول في فوج إطفاء بيروت، لـ"العربي الجديد"، أن "المحافظة نبّهت دائماً إلى أخطار التخزين، خاصة في الطوابق السفلية والمستودعات، وأصدرت تعميماً يُلزم أصحاب محطات الوقود بمنع تعبئة البنزين بغالونات. لكن الخروقات ما زالت موجودة، ونحن نتابع الموضوع مع أجهزة الأمن لمحاسبة المخالفين".
ويلفت المصدر إلى أن فوج الإطفاء يتحرك لإخماد أي حريق لدى اندلاعه، أما كشفه عن الأسباب فيحصل بناءً على تكليف من النيابة العامة. لكن حوادث عدة حصلت أخيراً مرتبطة بتخزين البنزين من قبل المواطنين. ففي إبريل/ نيسان الماضي اندلع حريق في منطقة الطريق الجديدة في بيروت. وأظهر التحقيق أن صاحب المنزل كان يخزّن البنزين على الشرفة، وحين أشعل الفحم تصاعد البخار والغازات من الغالونات، فحصل اشتعال سريع ثم حريق". وقبل فترة، احترقت سيارة كانت مركونة في أحد مواقف مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت فسارعت سيارات الدفاع المدني وفوج إطفاء المطار إلى التدخل، ثم سرت شائعات تفيد بأن السيارة احتوت غالونات من البنزين.
ويحذر المصدر من خطورة التخزين في منازل صغيرة، "لأن الغالونات تكون قرب المطبخ حيث يوجد الفرن ويحصل الطبخ بحرارة عالية، أما الشرفات فمعرّضة للشمس دائماً".
ويشير المصدر إلى أن "دوريات أمنية تدقق في محتويات المستودعات، لتأكيد التزامها بالمواصفات العلمية، ومصادرة أي مواد خطرة، واتخاذ إجراءات في حق المخالفين. لكن الصعوبة تتمثل في معرفة ما إذا كان الناس يخزّنون البنزين في المنازل والسيارات، باعتبار أنه لا يمكن دهم مسكن أو بيت. من هنا نعوّل على وعي المواطنين للحفاظ على سلامتهم أولاً، وتجنب تعريض حياة جيرانهم لخطر ولأضرار مادية تنتج عن الحريق".
من جهته، يحذر محافظ مدينة بعلبك – الهرمل بشير خضر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، من أخطار تخزين البنزين في المنازل والسيارات، علماً أنه أصدر تعميماً إلى البلديات واتحاد البلديات في نطاق المحافظة لمنع محطات الوقود من تعبئة مادة البنزين للزبائن بالغالونات. ويؤكد خضر أن قرار المنع هدفه سلامة المواطنين، وعدم تعريضهم لخطر، ومحاولة الحدّ من عمليات التهريب وبيع البنزين في السوق السوداء. ونفى تسجيل أي حادث حريق مرتبط بتخزين البنزين في المنطقة، علماً أن المنطقة تختلف عن بيروت على صعيد عدم وجود أماكن سكنية مكتظة، "ما يقلل أضرار الحادث في حال حصوله".
وحذرت المديرية العامة للنفط، في بيان سابق، المواطنين والمؤسسات من انتشار ظاهرة تخزين المحروقات لا سيما البنزين. وأكدت أن هذه الممارسات "تمسّ بأمن المواطنين وممتلكاتهم وجنى عمرهم، وتعرّض السلامة العامة للخطر، علماً أن عمليات التخزين المركزية تخضع لشروط علمية وفنية وبيئية تحت الأرض، وضمن محطات المحروقات فقط".
ودعت المديرية إلى عدم المجازفة بأرواح الناس في مقابل ربح مالي مباشر، وحذرت من تعرض المسبّبين لملاحقات قانونية من الأجهزة الأمنية المختصة.