لا يزال قرابة 85 ألف طالب وطالبة في الجامعة اللبنانية يتخبّطون بمصيرٍ مجهولٍ وعامٍ دراسيّ ضبابيّ، مع استمرار الإضرابات المتكرّرة وتعثّر إتمام العام الجامعي، وحرمان طلاب السنة الأخيرة من التخرّج والمتفوّقين من السفر، بالإضافة إلى صعوباتٍ وعوائق جمّة تحيط انطلاقة العام الجديد، ما يعكس جوّاً من اليأس والتخبّط والضياع وسط صفوف الطلاب المهدّدين بمستقبلهم الجامعي وبحرمانهم من حقّهم في التعليم.
وتحت وسم "أنقذوا ميزانيّة الجامعة اللبنانية"، و"دَفّعوا أصحاب المصارف"، يلتقي طلاب الجامعة اللبنانية وأساتذتها، غداً السبت، أمام مجمّع الحدث الجامعي (جنوب شرقيّ بيروت)، في تحرّكٍ نقابيّ دعا إليه النادي العلماني بالتعاون مع أحزابٍ ومجموعاتٍ سياسيّة تغييريّة، لوقف انهيار الجامعة اللبنانية.
التحرّك الذي يعدّ خطوةً نحو مواجهةٍ مفتوحة ضدّ محاولات تدمير الجامعة الوطنية وتحويل العِلم إلى ترفٍ يأتي تمهيداً لتحرّكات نقابيّة أخرى تسعى إلى إنقاذ الجامعة الرسمية الوحيدة، وكذلك صون حقوق الأساتذة والطلاب على حدّ سواء، وذلك من خلال المطالبة بموازنة سنوية لا تقلّ عن 30 مليون دولار أميركي، لا سيّما أنّ موازنة الجامعة، التي كانت تُقدّر سنويّاً بـ 265 مليون دولار، لم تتجاوز العام الماضي الـ13 مليون دولار.
إنقاذ الجامعة من انهيارٍ شاملٍ
وأوضح منسّق لجنة الاستقطاب في شبكة "مدى" (تضمّ الأندية العلمانية في لبنان) كريم صفي الدين، في اتصالٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجوهر الأساسي للتحرّك يقوم على إنقاذ الجامعة اللبنانية من انهيارٍ كبيرٍ، إذ إنّها ليست مسألة قطاعية أو فئوية، ولا ترتبط فقط بالطلاب أو الأساتذة، إنّما بحلّ جذري على مستوى البلد ككلّ، لا سيّما وسط الانهيار الشامل الذي نشهده. فالتعليم خدمة أساسيّة من المفترض أن تُقدّم للمواطنين كافّة، وتحديداً أولئك العاجزين عن التعلّم في الجامعات الخاصّة".
وإذ رأى أنّ "التضخّم الذي تسبّب به النظام القائم من خلال السياسات الاقتصادية، انعكس بدوره على الجامعة اللبنانية"، دعا إلى "حماية الجامعة وموازنتها، حيث إنّه من غير الممكن تسديد مواردها من دون حلّ للأزمة الاقتصادية يعتمد الحد الأدنى من إعادة توزيع الخسائر، وتحميل أصحاب المصارف مسؤوليّة الدفع، من خلال إعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفي، لكي نتمكّن من مصادرة بعض السيولة والأموال والموارد، واستثمارها في ميزانيّة الجامعة، وإلا الانهيار الكامل لهيكليّتها وقدرتها الاستيعابيّة".
يتلاعبون بمستقبلنا
من جهته، عبّر شربل سميا، طالب اختصاص الهندسة المعماريّة في سنته الثالثة، عن قلقه ممّا آلت إليه أوضاع الجامعة اللبنانية، قائلاً: "سنوات دراستنا مهدّدة بشكلٍ دائمٍ، لأسبابٍ سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة. كما أنّها مرتبطة بشكلٍ كبيرٍ بوضع البلد وتقلّباته، واليوم أصبحنا على المحك". وأضاف: "مطالبنا تختزلها عبارة "أنقذوا وحرّروا الجامعة اللبنانيّة"، سواء من خلال إنصافها بموازنة كافية أو منح الأساتذة حقوقهم المشروعة وتكريس المطالب المحقّة والملحّة التي يتمّ رفعها منذ سنوات، أو لناحية ضمان الحقوق التعليميّة البنيويّة، وتأسيس نظامٍ جامعيّ مستقّل، له قراره الحرّ، ويعمل لصالح الطلاب، فقط لا غير".
وتابع سميا في حديثه لـ"العربي الجديد": "تحرّكنا يجمع بين الأساتذة والطلّاب، فأولويّتنا ألّا يدفع الطلاب والأساتذة ثمن الألاعيب السياسيّة والمشاكل الاقتصاديّة الراهنة، بل على المصارف وكلّ مَن ساهم في تدمير هيكلة الجامعة ماليّاً أن يدفعوا هذا الثمن. ومن هذا المنطلق، ننبّه إلى أنّ إضراب الأساتذة "المحقّ"، يشكّل في الوقت ذاته، خطراً ومأزقاً قد يؤدّي إلى توقّف التعليم، ويضعنا ضمن دائرة عمياء، في حين أنّ السياسيّين يواصلون الاستهزاء والتلاعب بمستقبلنا".
رفض حصر التعليم بالمقتدرين
أمّا سلطان الحسيني، طالب سنة أولى في اختصاص العلوم السياسيّة، وعضو النادي العلماني في الجامعة اللبنانية، فأشار إلى أنّ "النادي العلماني الذي خاض معارك انتخابيّة ضمن الجامعات الخاصّة وحقّق انتصاراتٍ عديدة ضدّ أحزاب السلطة وكسر احتكارها يؤكّد اليوم بتحرّكه الشامل أنّ معركة الجامعة اللبنانية أساس في كلّ هذه المعارك. لذلك، نطالب بموازنة عادلة للجامعة، بإعادة تكريس أهميّة انتخاب المجالس الطالبية وإحياء دورها، لا سيّما أنّ الجامعة اللبنانية محرومة من هذه المجالس منذ أكثر من 10 سنوات تحت حججٍ واهية".
وقال لـ"العربي الجديد": "لا نريد الاستنسابية، بل التعاطي بشكلٍ جدّي مع ملف الجامعة بأكمله وتصويب النقاش ووقف الجدل القائم بين الطلاب والأساتذة. فأزمة الجامعة متصلة بأزمة البلاد بشكلٍ كامل. والطلاب لا ذنب لهم، خصوصاً أنّهم يرون مستقبلهم يضمحلّ أمامهم في ظلّ استمرار الإضراب، وكذلك الأساتذة لهم الحقّ بالحصول على مستحقّاتهم لإعالة عائلاتهم وتسديد ديونهم، غير أنّ أحزاب السلطة تسيطر على قرارات العديدين منهم، حتّى تلك التي تعنيهم على الصعيد الشخصي"، معتبراً أنّ "التخبّط بين الطلاب والأساتذة ليس سوى محاولة متعمّدة لتحويل النقاش إلى مسارٍ آخر، في حين أنّ الدولة ما زالت تتخلّف عن إيفاء الجامعة اللبنانيّة مستحقّاتها، ومن ضمنها عائدات فحوص كوفيد- 19(PCR) ".
وشدّد الحسيني على رفضهم "حصر التعليم بالمقتدرين فقط، وهذا ما تطمح إليه أحزاب السلطة، ما يساهم في تعويمها وإعاة إنتاج ذاتها. الأمر الذي يؤدّي إلى تدهور المستوى الثقافي والمعرفي في المجتمع وإلى تكريس الزبائنية، لا سيّما بعد أن أُفرغت النقابات من محتواها ودورها"، لافتاً إلى أنّ "الطلاب كانوا دائماً في مقدّمة التحرّكات والثورات الواعية".
أصحاب المصارف معنيّون بدفع الثمن
وفي السياق، حمّل الطالب جمال عبد الناصر الرمح أصحاب المصارف "مسؤوليّة دفع أموال الجامعة، خصوصاً أنّهم طيلة سنواتٍ أسّسوا "كارتلات"، ومن المنطق أن تُفرض الضرائب عليهم وليس على الطالب"، مبدياً استياءه من "احتمال التوجّه نحو رفع أقساط الجامعة أو فرض أيّ رسوم إضافيّة، فالجامعة اللبنانيّة جامعتنا الوطنيّة الوحيدة".
ونبّه إلى أنّ "التحرّك يوم السبت يمهّد لسلسلة تحرّكاتٍ تصعيديّة، ستكون بشكلٍ مفاجئ أو أسبوعيّ، وقد تصل إلى تحركاتٍ يوميّة مفتوحة من أجل إنقاذ العام الجامعي وصون مصلحة الطلاب، وحقوق الأساتذة".
بدورها، رأت ماريان، طالبة الماجستير في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال، أنّ "سياسة تدمير التعليم العام ممنهجة وهي ليست وليدة اليوم، بحيث تخضع الجامعة اللبنانية لمحسوبياتٍ وتجاذباتٍ سياسيّةٍ وسط محاولات لإسكاتنا والتهجّم علينا، أضف إلى مراوغة السلطة.. غير أنّ الأهم في تحرّكنا المقبل هو تشبيكنا مع الأساتذة وتوحيد النضال بعد التشرذم الذي كان قائماً. فالمعاناة يقاسيها الجميع من أساتذة وموظّفين وطلاب"، مشيرةً إلى أنّ "الطلاب بمعظمهم لا يملكون حتّى بدل النقل للوصول إلى التحرّك والمطالبة بحقّهم. كما أنّ عدداً من أساتذة الجامعة هاجروا، وعدداً من الطلاب تركوا الجامعة. لقد أفرغوا الجامعة الوطنية التي خرّجت الآلاف".