عادت عضو المجلس التأسيسي والإداري لحزب "الجيد" المعارض، إيلاي أكسوي، إلى بث مشاعر الحقد والكراهية، على حدّ قول مواطنين أتراك، بعد وصفها السوريين في تركيا بـ "الأميّين" وتحميلهم مسؤولية تدنّي مستوى التعليم في تركيا. المعارِضة التركية المعروفة بعدائها للوجود السوري في بلادها، نشرت تغريدة على "تويتر"، قالت فيها إن نحو 70 في المائة من السوريين أميون، وغير ملمين بأصول تعلم القراءة والكتابة، معتبرة أن ارتفاع معدل الأمية لدى اللاجئين السوريين أثر بشكل سلبي على مستوى التعليم في تركيا.
وأشارت أكسوي إلى استحالة اندماج السوريين في المجتمع التركي بسبب "أميتهم"، وقد عززت موقفها هذا من خلال الحديث عن المعلمة التركية ميسكورة يلماز، التي شاطرتها الرأي نفسه، معتبرة أن سبب تراجع مستوى التعليم في تركيا يعود إلى قدوم سوريين ذوي مستوى تعليمي منخفض إلى بلادها.
في المقابل، دافعت وسائل إعلامية تركية عن الوجود السوري في البلاد، واعتبرت ما قالته أكسوي نشراً للكراهية وينضوي على التعميم. فأكسوي التي اعترضت على تعيين الطالبة السورية المتفوقة آية فور تخرجها من كلية الطب في جامعة "تراقيا"، في مستشفى باشاك شهير المتطور، تصف السوريين بالأميين وتتجاهل تفوقهم وتعترض على منحهم حقهم بفرص عمل.
وأفادت مصادر تركية لـ "العربي الجديد" بأن عدداً من المحامين الأتراك تقدموا بشكوى إلى المدعي العام في إسطنبول ضد المعارضة أكسوي، متهمينها بنشر الحقد والكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديداً ضد السوريين.
من جهته، يقول صاحب سلسلة مطاعم سورية في حي الفاتح في إسطنبول، نزار البيطار، إن "هذه المعارضة بالذات تعتمد على ورقة السوريين لتحقيق أحلام حزبها السياسية"، مذكراً أن "أكسوي نفسها كانت قد جالت في حي الفاتح عام 2019 بصحبة مصور، متهمة السوريين بأنهم احتلوا المنطقة وسدوا منافذ الرزق أمام الأتراك".
يضيف البيطار أنّ شعار أكسوي حينذاك كان: "لن أسلم فاتح للسوريين"، في ظل كثرة محال السوريين في "نزلة الأمنيات" بحي الفاتح، متجاهلة أن المحال تشغّل سوريين وأتراكاً، وأن عائداتها تصرف في تركيا، وأنّ السوريين يدرون المال وليسوا سبباً للبطالة كما ادعت. كذلك يذكر أن حملتها المصورة التحريضية وقتذاك لاقت استهجاناً شبه عام في الأوساط التركية. حتى إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في تجمع انتخابي إنّ ما قالته أكسوي يعبر عن "قلة أخلاق وتربية".
ويتساءل البيطار المقيم تركيا منذ عام 2011 عن سبب تجاهل المعارضة التركية عموماً وأكسوي أعداد التلاميذ والطلاب السوريين في المدارس والجامعات التركية، بل وضمن الهيئات التعليمية في الجامعات. ويقول إنّ معظم أساتذة جامعة "ماردين" سوريون وقد حصلوا على الجنسية التركية. وبسبب وجودهم، ونظراً لكثرة الطلاب السوريين والعرب، توسعت الجامعة وأدخلت تخصصات جديدة، بما فيها الدراسات العليا. يضاف إلى ما سبق تفوق طلاب سوريين في الجامعات، وحصول البعض على المركز الأول وعلى مدى خمس سنوات. ويختم حديثه قائلاً: "الجميل بالشعب التركي أن معظمه يعرف أهداف أحزاب المعارضة من التحريض على السوريّين، بدليل أنهم يدافعون عنّا ويرفعون دعاوى نشر الكراهية بحق مطلقي تلك الشعارات العنصرية".
وتتوسّع حملات التحريض ضد وجود السوريين لتأخذ أشكالاً مختلفة. وعرض مواطن تركي من ولاية مرعش جنوب البلاد بيع إحدى كليتيه لسداد ديونه "من أجل حياة إنسانية كريمة"، متذرعاً بأن اللاجئين السوريين هم من دفعوه إلى ذلك بعد تسببهم بتدهور أوضاع الأتراك المعيشية في الولاية. وقال خلال إعلان لصقه على باب أحد محال الولاية: "كم هو موجع ألا تحظى بحريّة كالتي يتمتع بها خمسة ملايين لاجئ سوري في وطني"، ما أدى إلى ردود أفعال متباينة من الأتراك. فالبعض أيّد الشاب وتعاطف معه معتبراً أن السوريين تسببوا بتراجع مستوى معيشة الأتراك، وأن السوريين تركوا القتال ببلدهم وباعوها للأطراف المتنازعة، في حين جاءت تعليقات الأكثرية بأنه ليس للسوريين أي دخل بتراجع دخل الأتراك ووضع الشاب هو كما وضع التجار بالولاية بسبب آثار إغلاقات وباء كورونا.
من جهته، يستغرب أستاذ علم الاجتماع في جامعة ابن خلدون في إسطنبول، رجب شان تورك، طرح الشاب وعرضه كليته للبيع وتحميل الوجود السوري الوزر، موضحاً أن ما تنشره بعض الأحزاب المعارضة، عن أن السوريين يأخذون رواتب من الحكومة التركية هو عار عن الصحة، لأن المساعدات التي يحصل عليها السوريون تأتي من أوروبا، بل على العكس، إذ جلب السوريون أعمالاً واستثمارات شغلت سوريين وأتراكاً وحركت الاقتصاد التركي. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن الافتراءات على السوريين تتصاعد قبل كل حملة انتخابية أو ضائقة تقع فيها المعارضة، للضغط على الحكومة التركية وتشويه الواقع الاجتماعي ونشر الكراهية بين بعض الولايات.
ويقول: "العام الماضي ونتيجة التحريض، عمد شباب أتراك إلى تكسير محال يملكها سوريون في منطقة الفاتح، بعد التحريض وهاشتاغ اطردوا_السوريين، ليتضح لاحقاً أن سبب التحريض كاذب وهو أن شاباً سورياً تحرّش بفتاة تركية. لكن استمرار التحريض يخلق عداء بين الشعبين الشقيقين، وهو ما يجب التصدي له على صعد مختلفة، منها القضاء".
ويتحدث شان تورك عن جامعته "ابن خلدون"، لافتاً إلى تميز السوريين على عكس ما أشاعت المعارضة أكسوي. كما أن جامعات عدة، من قبيل غازي عنتاب وماردين، افتتحت أقساماً عربية بسبب كثرة الطلاب السوريين، معتبراً أن السمة العامة للسوريين بتركيا هي أنهم "شعب نشط ساعٍ إلى التعليم والتعلم كما أنه سريع الاندماج". ويشير إلى اهتمام السوريين بتعليم أولادهم اللغة التركية على اعتبار أن الاندماج واللغة هما مفتاح الحياة الجديدة.
ويُطالب كتاب ومثقفون أتراك بضرورة تصدي الحكومة التركية لحملات الكراهية والتحريض، ويطالب ناشطون سوريون الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والهيئات السياسية والمدنية السورية التابعة للمعارضة بضرورة التحرك والتنسيق مع الحكومة التركية على كافة المستويات، والعمل على توجيه اللاجئين للحد من التصرفات والأخطاء الفردية التي تؤدي إلى افتعال المشاكل وإثارة غضب الأتراك بشكل أكبر ضد اللاجئين، خصوصاً بعدما وصلت حملات التحريض إلى حد القتل.
وقضى السوري أيمن حمامي (16 عاماً)، وهو من أهالي حلب في 13 سبتمبر/ أيلول عام 2020، متأثراً بإصابته بثلاث طعنات في القلب في منطقة وزير كوبري في ولاية سامسون شمال تركيا، بعد مشاجرةٍ مع مجموعة شباب أتراك. وقبل ذلك بأيام، وتحديداً في السادس من سبتمبر/ أيلول 2020، اعترض مواطنون أتراك الشاب محمد أسعد قاسم في منطقة السلطان غازي بمدينة إسطنبول، بعدما رفض إعطاءهم السجائر، ليطلقوا عليه الرصاص ويصاب قاسم بساقه. وقبل أسابيع، قُتل السوري صلاح الدين الجنيد (27 عاماً) برصاصة بندقية على يد مجهول في ولاية أضنة. وتبقى جريمة قتل السورية أماني رحمون وطفلها، بعد اغتصابها عام 2017، من أبشع الجرائم التي حركت الرأي العام التركي ولاقت تعاطفاً من المسؤولين والشعب. وشهدت ولايات قونية وأضنة وكلس مشاكل كثيرة بين سوريين وأتراك، علماً أن التحريض يعد سبباً أساسياً.
ونتيجة تصاعد حملات التحريض على السوريين أخيراً، وبهدف السعي إلى حل القضايا العالقة بشأن السوريين، دعت مديرية الأمنيات التركية بولاية مرسين ممثلين عن السوريين، للوقوف على الأسباب والبحث عن حلول.
إلى ذلك، يقول رئيس تجمع المحامين السوريين في تركيا، غزوان قرنفل: "ناقشنا خلال اجتماعنا التمهيدي مع مدير الأمنيات قضية التحريض والكراهية. ولأن هذا الموضوع مهم وعواقبه المجتمعية خطيرة، سيكون أحد أبرز المواضيع التي ستتم مناقشتها خلال ورشة عمل مع منظمات حقوقية تركية تبدأ في 14 من الشهر الجاري وتستمر حتى 18 منه، وسيكون هناك توصيات تتوج بالمشاركة في اليوم العالمي للاجئين في 20 من الشهر الجاري".
وحول أسباب تصاعد حملات التحريض بحق السوريين هذه الفترة، يوضح قرنفل لـ "العربي الجديد": "يبدو أن حملات التحريض ضد اللاجئين السوريين من قبل بعض الشخصيات والمؤسسات السياسية المعارضة جاءت هذه المرة أبكر مما اعتدنا عليه لجهة ترافقها مع حملات أو عمليات انتخابية، إذ يفصلنا عن الانتخابات المقبلة نحو سنتين، لكن أعتقد أنها صارت جزءاً من التقاليد السياسية للمعارضة التي تريد شحن المجتمع ضد سلطته فتستخدم السوريين وقوداً لهذه العملية".
لكن هل يتحمل اللاجئون السوريون ولو جزءاً من المسؤولية، من جراء عدم معرفتهم بتقاليد وعادت الأتراك؟ يجيب قرنفل أن "المجتمع التركي ليس من المريخ، وليست عاداته وتقاليده بغريبة أو بعيدة عن عادات السوريين وتقاليدهم. والمسألة لم تعد كما كانت في السنوات السابقة مرتبطة بسلوك سوري مختلف، وهو ما أكده مدير أمنيات مرسين في لقائنا معه، إذ قال إن حجم الهوة والخلافات بين السوريين والأتراك يكاد يكون معدوماً في الولاية. لذلك، أعتقد أن الأمر صار مرتبطاً، لكثرة الشحن والتحريض، بفكرة تم العمل على ترسيخها في قطاع من المجتمع، تشير إلى أن السوريين صنف ثانٍ من البشر، وأنهم سبب مشاكلنا، وهذا غير صحيح بطبيعة الحال".
وعن مسؤولية تجمع المحامين والمؤسسات السورية في تركيا في حماية السوريين ووقف التحريض بحقهم، يقول قرنفل إن مسؤوليتهم كجمعية حقوقية هي تعزيز التواصل مع مؤسسات حقوقية تركية لمواجهة خطاب الكراهية عبر تنظيم حملات مناهضة لهذا الخطاب من جهة، وإقامة دعاوى قضائية بحق المحرضين من جهة أخرى.