يكثر الحديث عن تغير المناخ في العالم، ولم تعد المخاطر التي يواجهها الإنسان تقتصر على مخاطر التلوث أو التصحر أو الاستثمار المفرط أو تدهور الموائل وتعرية التربة، إذ أصبح هناك هاجس مؤلم لم يتقبله عقل البشر في البداية، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه.
الهاجس هو تغير المناخ بكل ما في الكلمة من معنى. هذا التغير لم يتقبله بعض العلميين عندما رفضوا نشر مقالتي قبل عشرين سنة حول تأثير تغير المناخ على الطيور، وطلبوا تغيير العنوان من تغير المناخ إلى تقلبات المناخ، لأنهم يعتبرون أنّ المناخ يتقلب طبيعياً منذ آلاف السنين، وأنه ليس صحيحاً أنّ المناخ يتغير بفعل الإنسان. كانت النتيجة أنني غيرت العنوان، ونشرت المقال الذي فتح عيون باحثين على مآس كثيرة سيغمرنا بها تغير المناخ.
اليوم، أصبح الجميع تقريباً على يقين من حصول تغير في المناخ، وأن هذا التغير هو الخطر الأكبر الذي قد يقضي مستقبلاً على البشرية، أو على مصدر حياتها من حيوانات ونباتات ومياه وهواء. أخيراً أيقنوا فداحة الوضع، وإلى أين نحن سائرون، فقد تبين أن مستويات سطح البحر ارتفعت بنحو 20 سنتيمتراً خلال المائة عام الماضية، وفقاً لوكالة ناسا.
قد لا يبدو هذا المعدل كبيراً، لكن معدل ارتفاع مستوى سطح البحر خلال العقدين الماضيين قارب ضعف معدل القرن السابق بأكمله. هذا الارتفاع ليس سببه فقط ذوبان جبال وصفائح الجليد في القطبين، بل أيضاً زيادة حجم المياه بفعل الحرارة التي ارتفعت 1.5 درجة مئوية خلال الأربعين سنة الماضية، ما جعل السنوات 2016 و2020 و2022 هي الأكثر سخونة في تاريخ تسجيل الحرارة على سطح الأرض.
وتتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن يصل ارتفاع الحرارة إلى ما بين 2 و5 درجات مئوية خلال المائة عام القادمة، فبين عامي 1900 و1980، تم تسجيل رقم قياسي جديد لدرجات الحرارة كل 13.5 سنة، ومنذ عام 1981، تم تسجيل رقم قياسي جديد كل ثلاث سنوات، وتصدرت السنوات السبع الأخيرة معدلات الأكثر حرارة، وشهد 2022 ظواهر طقس متطرفة، بما في ذلك حرائق غابات وأعاصير وموجات حر حطمت كل الأرقام القياسية.
ويقول الخبراء إن هذا الطقس ليس حالة شاذة، فقد أصبحت أحداث الطقس المتطرفة أكثر تواتراً، ومن المحتمل أن نشهد سنوات أكثر حرارة من عامي 2020 و2022.
وتتمثل إحدى نتائج الاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة سطح البحر في تغيير أنماط هطول الأمطار والعواصف. لذا فإن عدداً كبيراً من البلدان أصبح يعاني من جفاف شديد يزداد بسبب تغير أنماط الطقس التي تساعد أيضاً على إشعال حرائق الغابات، بينما الماء الدافئ هو عنصر رئيسي للأعاصير، وقد ربطت الأبحاث الحديثة بينه وبين تغير المناخ والعواصف الأكثر شدة.
والرطوبة فهي آخذة بالارتفاع نتيجة زيادة بخار الماء في الهواء، كما أن الثلج على الجبال آخذ بالانحسار منذ خمسة عقود كما توضح الأقمار الصناعية، ويتوقع بحلول عام 2100، أن ينخفض الغطاء الثلجي في نصف الكرة الشمالي بنحو 15 في المائة، الأمر الذي ينتج عنه مواسم ثلجية أقصر، وتقلص الجليد في العديد من المناطق.
وفي خطوط العرض الشمالية، بخاصة في مناطق التندرا، من المتوقع أن تستمر التربة دائمة الصقيع في الذوبان، ووفقاً للأبحاث، فقد زادت حموضة مياه المحيط السطحية بنحو 30 في المائة منذ بداية الثورة الصناعية، وحيث إن التحمض يحدث عندما تمتص المحيطات ثاني أكسيد الكربون المنتج من قبل الإنسان، فإن العلماء يتوقعون زيادة الحموضة إلى 150 في المائة بنهاية هذا القرن.
يبقى أن نقول إنّ تحمض المحيطات يهدد الحياة البحرية، ما يؤثر على السلسلة الغذائية البحرية بأكملها، وبالتالي على البشر، ولا سيما في المناطق التي تعتمد على استهلاك الأسماك كجزء هام من التنوع البيولوجي.
(اختصاصي في علم الطيور البرية)