تحديات واستراتيجيات لدمج مرضى التوحد في سوق العمل.. تعرف عليها

03 ابريل 2023
مرضى التوحد لا يجدون فرصاً متكافئة مع باقي أفراد المجتمع (Getty)
+ الخط -

تثير فكرة استبعاد الأشخاص المصابين بالتوحد عن مراكز العمل مشاكل عديدة في المملكة المتحدة، خاصة أن القوانين المرعية في هذا الصدد تلفت إلى أهمية دمج هذه الفئات في مراكز العمل. للغاية هذه، بدأت الحكومة مراجعة جديدة تهدف إلى تعزيز فرص العمل للأشخاص المصابين بالتوحد.

يهدف إطلاق المراجعة الجديدة، بحسب بيان للحكومة نشر على موقعها الإلكتروني، إلى تعزيز فرص العمل للأشخاص المصابين بالتوحد من قبل الحكومة لنشر الفرص وسد فجوة التوظيف وتنمية الاقتصاد.

وعين وزير الدولة للعمل والمعاشات، ميل سترايد، النائب السير روبرت بوكلاند كاي سي، لقيادة المراجعة، التي ستنظر في كيفية عمل الحكومة مع أصحاب العمل لمساعدة المزيد من المصابين بالتوحد على إدراك إمكاناتهم والبدء في العمل.

يعرف الأشخاص المصابون بالتوحد بأن لديهم معدلات توظيف منخفضة بشكل خاص - مع أقل من ثلاثة من كل 10 في العمل - لكن المراجعة الحديثة للتوظيف للتوحد، التي تقوم بها الحكومة بدعم من جمعية Autistica الخيرية ووزارة العمل والمعاشات التقاعدية (DWP)، تهدف إلى تغيير ذلك.

ستطلب المراجعة من الشركات ومنظمات التوظيف ومجموعات الدعم المتخصصة والأشخاص المصابين بالتوحد المساعدة في تحديد العوائق التي تحول دون تأمين العمل والاحتفاظ به والتقدم في حياتهم المهنية.

الصورة
ذوي الاحتياجات الخاصة (Getty)
ذوي الاحتياجات الخاصة يحتاجون دوما اهتماما خاصا (Getty)

وعلق وزير المعاقين والصحة والعمل، النائب توم بيرسجلوف، على هذه المراجعة بالقول: "إن الأشخاص المصابين بالتوحد يمكن أن يواجهوا عوائق في الانتقال إلى العمل والبقاء هناك، وغالباً ما يرجع ذلك إلى عدم امتلاك أرباب العمل أنفسهم الأدوات اللازمة لدعم المصابين بالتوحد، أو فهم قيمة القوى العاملة المتنوعة عصبيًا حقاً".

ولذا، وبحسب بيرسجلوف، ستساعد هذه المراجعة في تزويد أرباب العمل بمعلومات حيوية لإزالة هذه الحواجز ومساعدة المزيد من المصابين بالتوحد على بدء العمل والبقاء فيه والنجاح فيه، من خلال ضمان توفير المزيد من أصحاب العمل أماكن عمل شاملة.

تشير دراسات عديدة، نشرت في مؤسسات وشركات التأمين العالمية، إلى أن مرضى التوحد لا يجدون فرصاً متكافئة مع باقي أفراد المجتمع. بحسب دراسة صارة عن مؤسسة Zurich السويسرية، فإن 1 من كل 5 فقط من المصابين بالتوحد يعملون، فيما تشير دراسة أخرى إلى أن 1 في المائة من سكان العالم يعانون من اضطراب طيف التوحد، ولكن ما يقرب من 80 في المائة منهم عاطلون عن العمل. يقوم البعض الآخر بوظائف وضيعة أقل بكثير من مستوى مهاراتهم واختبارهم.

قلة فرص العمل

يعرف الأخصائي في الأمراض النفسية والتربوية الدكتور أحمد عيوني التوحد أو اضطراب طيف التوحد (ASD) بأنه نوع من الأمراض التي تصيب الجهاز العصبي، ويقول لـ"العربي الجديد" إنه في مجتمعات عديدة، ومنها المجتمع اللبناني، لا يجرى الاهتمام بما يعانيه هؤلاء الأشخاص من اضطرابات تؤثر عليهم بالدرجة الأولى من جهة، والصعوبات التي يواجهونها للحصول على وظائف من جهة ثانية، خاصة إن كان المصابون بالاضطراب لا يعانون من اضطراب خطير، وبالعموم بحسب العويني، فإن مجتمعات عديدة لا تعطي أصلاً اهتماماً لأصحاب الأمراض أو الاضطرابات للانخراط في سوق العمل، وهي مشكلة أساسية لا بد من الوقوف عندها.

يشير عويني إلى أن مرضى اضطراب التوحد نوعان، الأول النوع الخفيف، وهو قادر على القيام بالوظائف المطلوبة منه، على عكس الذين يعانون من اضطراب شديد، إذ إن الفئة الثانية غير قادرة على التكيف مع ما يجري حولها، وبالتالي لا يمكنها إنجاز المهام المطلوبة منها.

أما بالنسبة إلى طبيعة العمل الذي يمكن لمرضى التوحد القيام به، فهي أولاً تتطلب البحث في المهارات التي يمتلكها المريض، فإن كان المريض لديه مهارات عالية، مثل الرسم والنحت، فيمكن أن يساعد في المؤسسات الهندسية والفنية، في حين البعض قد يمتلك موهبة في الزراعة، وهو ما قد يساعد في إدارة المزارع الكبرى، وبالتالي نوعية العمل تتطلب البحث عن المهارات التي يملكها مريض التوحد، حتى يتمكن من إنجاز المطلوب منه.

تحديدات عديدة وغياب للتشريعات

لا ينفي العويني وجود العديد من التحديات التي تواجه هذه الفئة، بالإضافة إلى غياب التشريعات التي تلزم المؤسسات باحترام حقوق المعوقين، هناك أيضاً تحديدات لوجستية، سواء في وسائل الانتقال إلى مكان العمل أو الإجازات المرضية وغيرها، أضف إلى ذلك، هناك تحديدات في سوق العمل نفسه، منها طول ساعات العمل والإرهاق والضغط النفسي، تؤثر على مرضى التوحد بشكل كبير.

يسرد موقع Spectrum of Hope، المتخصص بشؤون مرضى التوحد في الولايات المتحدة الأميركية، عدة تحديات تواجه مرضى التوحد للاندماج في سوق العمل، ومن ضمنها:

  • ضعف القدرة على إدارة الوقت: يربط العديد من الأشخاص بين العمل والتوتر، والتوقعات حول الإنتاجية، والمواقف الاجتماعية التي قد تكون محبطة. بالنسبة للأفراد المصابين باضطراب طيف التوحد، غالباً ما يجرى تضخيم هذه الصعوبات.
  • يمكن أن تكون إدارة الوقت والمهارات التنظيمية بعيدة المنال للأفراد الذين يعانون من مشاكل في الوظيفة التنفيذية، وهي شائعة لدى المصابين باضطراب طيف التوحد. قد يكون من الصعب على البالغين المصابين بالتوحد التخطيط للمهام مسبقًا، أو اتباع تعليمات غير واضحة أو واسعة النطاق من دون تفاصيل.
  • يمكن أن يكون التحفيز الحسي في موقع العمل على شكل رنين الهاتف والمحادثات بين زملاء العمل والمشتتات الأخرى أمراً مربكاً.
  •  تعد التنشئة الاجتماعية والتواصل مع زملاء العمل من المجالات الأخرى التي يمكن أن تكون صعبة بشكل خاص لمرضى اضطراب طيف التوحد. إذ تختلف التجارب الاجتماعية للأشخاص المصابين بالتوحد بشكل كبير. فقد لا يواجه شخص ما صعوبات خارجية في التواصل الاجتماعي، ولكن قد تكون لديه حاجة جادة للتراجع واستعادة طاقته بعد محادثة. قد يجد شخص آخر صعوبة في التعرف على نغمات الصوت أو تعابير الوجه، أو في فهم المزاح الودود أو النكات أو السخرية.

استراتيجيات للاندماج في سوق العمل

ووفق الموقع، يمكن اتباع بعض الاستراتيجيات لمساندة هذه الفئة على الانخراط في سوق العمل، من ضمنها التوسع في استخدام التكنولوجيا المساعدة، مثل الوسائل المرئية أو الإلكترونية، لتتبع التفاصيل وتقسيم المهام الكبيرة إلى خطوات أصغر، بالإضافة إلى توعية أصحاب العمل باحتياجات الموظفين في هذه المجالات.

كثير من المصابين بالتوحد قادرون على التفوق في وظائفهم بالأدوات والتعليمات المناسبة. إذ وجدت إحدى الدراسات التي أجريت على الأشخاص المصابين بالتوحد أن تحديد نطاق العمل وثباته كانا من العوامل الأساسية للنجاح، بمعنى آخر، بمجرد أن يجد الموظفون المصابون بالتوحد نمطاً ثابتاً في العمل، فمن المرجح أن ينجحوا.

ويتفق العويني مع جميع هذه الاستراتيجيات أعلاه، ويضيف إليها أيضاً أهمية توعية المجتمع بالأمراض التي يعاني منها مرضى التوحد أو المعوقين بشكل عام، وخاصة المعوقين ذهنياً، إذ إن المعرفة الاجتماعية تساعد حقيقة في مساندتهم في سوق العمل، وفي الحياة الاجتماعية.

المساهمون