يقول الشاب السوري محمد إبراهيم المتحدّر من شرقي إدلب (شمال سورية) والمقيم حالياً في تركيا، إن الأخيرة باتت تضيّق على السوريين بعدما كانت قد رحبت بهم من دون أية شروط. ويرى أن السوريين تحولوا إلى "ورقة سياسية" تستغلها الأحزاب التركية بعد موجات التحريض والكراهية التي وصلت إلى حد القتل على اعتبار "أن وجودنا خطر، أو أننا تسببنا في ارتفاع نسبة البطالة والغلاء والفقر في البلاد وغير ذلك". اليوم، جُمّدت بطاقة الحماية المؤقتة "كيملك" التي كان يتمتع بها عشرات الآلاف من السوريين، ما يعني الترحيل في حال مصادفة دورية تركية نتيجة عدم تحديث عنوان السكن ومعلومات بطاقة الحماية.
ويتحدث إبراهيم عن صعوبة الحصول على موعد لتحديث العناوين ومعلومات البطاقة المؤقتة "لأن الحجز الإلكتروني يستغرق 40 يوماً ويكون معطلاً أحياناً". ويسأل عن أسباب "تعديل الكيملك ثلاث مرات خلال وجوده بتركيا من الأبيض إلى الأصفر الكبير ثم الأصفر المختوم"، مضيفاً: "لماذا لا تصدر تركيا بطاقات إلكترونية للسوريين ليكون التحديث تلقائياً وأكثر سهولة؟".
ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن بعض الولايات لا تقبل نقل قيود السوريين، كأنقرة وإسطنبول وإزمير، علماً أن بعض السوريين يقيمون في تلك الولايات نظراً لتوفر فرص عمل. ويقول: "هم مخالفون وفق القانون فكيف يحدثون بياناتهم؟ والأهم أن بعض الأحياء في إسطنبول ترفض تأجير السوريين بقرار رسمي من الوالي. فكيف يحدّث السوريون في تلك الأحياء بياناتهم؟".
ولا يُنكر ارتكاب بعض السوريين مخالفات، لافتاً إلى أنه من حق تركيا أمنياً واجتماعياً واقتصادياً معرفة من يقيم على أراضيها وعناوين اللاجئين. إلا أن هذا لا يبرر، على حد قوله، بعث رسالة لجميع السوريين على الأراضي التركية، المخالفين منهم والنظاميين، بالإضافة إلى الحاصلين على إقامة سياحية والجنسية التركية، على اعتبار أن العواقب "مخيفة وتذكر السوريين بمخاطر لجوئهم". يضيف: "يمكن لتركيا، إن كان الهدف إعلام السوريين المخالفين، إيجاد وسيلة أخرى غير تعميم رسائل تجميد الكيملك الذي وصفه بالكارثة".
وسادت أجواء من القلق بين السوريين في تركيا، بعد تلقي معظمهم، بمن فيهم حملة الإقامة السياحية وحتى الجنسية التركية، رسائل نصية من إدارة الهجرة جاء فيها أنه "تم تجميد قيود بطاقة الحماية المؤقتة التي يحملونها بسبب عدم تحديث بياناتهم المتعلقة بأماكن السكن التي يقيمون فيها".
في هذا السياق، يقول الناشط طه غازي، المهتم بشؤون اللاجئين في تركيا، إنه لا يمكن النظر للرسائل على أنها وصلت إلى السوريين بشكل خاطئ كما بررت إدارة الهجرة، إذ يرى أن الأمر مرتبط بما سبقه من تضييق بهدف العودة الطوعية إلى شمال غرب سورية. يضيف أن تركيا لم تخف الأمر بدليل تصريح رئيس إدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية صواش أونلو أن بلاده أمنت البيئة المناسبة لعودة السوريين. ويسأل: "لماذا لا يصوّبون خطأ هم سببه ويلزمون سوريين بمراجعة إدارة الهجرة أو شعبة الأجانب رغم صعوبة الحجز وإتاوات السماسرة؟".
ويقول غازي لـ "العربي الجديد" إن السوريين في تركيا يعيشون عدم استقرار نفسي ومجتمعي، مشيراً إلى أن الهدف هو تكريس العودة الطوعية للسوريين، مستشهداً ببعض الأمثلة، منها تجميد بطاقات 16 طالباً في جامعة غازي عنتاب علماً أن امتحاناتهم بعد أيام. ويكشف أن الكثير من المرضى اتصلوا به وقد اشتكوا بسبب توقف علاجهم في المستشفيات بعد تجميد بطاقة الحماية المؤقتة. يضيف أن أحد الشبان حاول إحراق نفسه، "إلا أننا منعناه ودخلنا إلى إدارة الهجرة لنفاجأ بأن أوراق الشاب نظامية والخطأ من الموظف".
ويستغرب غازي وصول الرسائل إلى جميع السوريين، وبعضهم من حملة الجنسية التركية. ويسأل: "كيف تم خلط ملفات الحاصلين على الجنسية مع غير الحاصلين عليها؟ نريد إجابة واضحة من إدارة الهجرة".
ووصلت رسائل على أجهزة الهواتف المحمولة لمعظم السوريين في تركيا، تفيد بتجميد وإلغاء بطاقة الحماية المؤقتة بسبب عدم تحديث بيانات المسكن، وأن موظفي الهجرة أو الشرطة زاروا العناوين المذكورة وتم التأكد من عدم سكن المسجلين فيها. أمر استفز سوريين قالوا إنه "ربما تمت زيارة بعض المنازل المخالفة، لكن هذا ليس ذنب البقية. أعمالنا وحياتنا مرتبطة بالكيملك".
كارثة
من جهته، يقول رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار في تركيا غزوان قرنفل لـ "العربي الجديد": "أحمل الجنسية التركية منذ ثلاث سنوات، مع ذلك وصلتني الرسالة. كيف يمكن تبرير ذلك؟". وفي وقت لا ينكر قرنفل حق تركيا بمعرفة من على أراضيها وإحصاء توزّع السوريين، إلا أن ذلك لا يبرر إيقاف الكيملك وتجميد الرقم الوطني عليه لأن ذلك سيسبب كوارث لكثيرين". يضيف أن "تجميد الرقم الوطني يعني توقف المدارس والطبابة والسفر ومعونة الاتحاد الأوروبي (الهلال الأحمر)، كما يكون الشخص عرضة للترحيل".
وتقول مصادر في إدارة الهجرة لـ "العربي الجديد" إن "الرسائل التي وصلت إلى سوريين والمتعلقة بإيقاف بطاقة الحماية المؤقتة تعدّ إجراء للتأكيد على ضرورة تحديث البيانات وتثبيت عناوين السكن. وليس هناك أي داع للقلق، إذ لن يتم إبطال الكيملك لأي شخص يقوم بتحديث بياناته وتثبيت عنوان سكنه. وبالنسبة للأشخاص الذين جمدت بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بهم، سيتم تفعيلها بعد تحديث البيانات مباشرة". وتوضح أن ما حصل ليس "توقيف قيد بل تجميد"، قائلة إن خطوتها تأتي "لتفادي مشاكل كثيرة قد يواجهها الأجانب المقيمون على أراضينا في المستقبل".
دعوات لإيقاف الإجراء
في المقابل، يعرب "تجمع المحامين السوريين" في تركيا في بيان عن رفضه مسألة إبطال الكيملك، مطالباً وزارة الداخلية التركية بإيقاف الإجراء ومعالجة أمور هؤلاء الناس وقوننة وضعهم مجدداً، مع إمكانية فرض غرامات مالية على المخالفين بدلاً من ترحيلهم، لأن ذلك يخالف القوانين الوطنية والدولية". ويرى البيان أن إلغاء بطاقات من لم يحدثوا بياناتهم ومطابقة عناوينهم يعد "إجراء تعسفياً وكارثياً"، لأن الإبطال يشكل بالمعنى القانوني إلغاء كاملاً للحماية الممنوحة للأشخاص الذين توقفت بطاقات الحماية الخاصة بهم. كما يفقدهم لمركزهم القانوني الذي يمنحهم حق الوجود على الأراضي التركية، ما يعني ترحيلهم قسراً إلى البلد الذي فروا منه للحصول على ملاذ آمن، من دون أن يصبح بلدهم آمناً لعودتهم بعد.
ويرجّح سوريون أن تجميد الكيملك يأتي في سياق الإجراءات التركية "للتضييق" بهدف العودة إلى شمال غرب سورية، رغم عدم الأمان هناك.
ويزيد من قناعة هؤلاء التصريحات الرسمية التركية التي كان آخرها حديث رئيس إدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية صواش أونلو، في جلسة جاءت بعنوان "دور المجتمع الدولي في إدارة تدفقات اللاجئين: سورية وما بعدها" ضمن فعاليات منتدى الدوحة 2022، حين أكد أن بلاده أعدت بيئة مناسبة وآمنة في شمال سورية بجهودها الخاصة ليتمكن السوريون من العودة إلى ديارهم بشكل طوعي". أضاف: "بفضل ذلك، تمكن 500 ألف سوري من العودة طوعاً إلى بلادهم. نوفر أجواء مناسبة في سورية ونضمن عودة اللاجئين إلى ديارهم"، مشيراً إلى أن بلاده تستضيف 3.7 ملايين لاجئ سوري بالإضافة إلى 300 ألف لاجئ من مختلف دول العالم.
وبالتوازي، بحث رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية سالم المسلط، خلال اجتماع مع أكاديميين وصحافيين من تركيا، "العمل على تأمين العودة الطوعية للسوريين وتخفيف العبء عن تركيا" من خلال تمكين الحكومة المؤقتة وكل مؤسساتها التنفيذية في إدارة المناطق المحررة وحماية السكان من الهجمات الإرهابية، وهو ما يضمن العودة الآمنة والطوعية للاجئين.
إلى ذلك، تؤكد دراسة أصدرها مركز أبحاث اللجوء والهجرة في أنقرة أن السوريين "سعداء ولا يريدون العودة إلى ديارهم، ولا يشعرون بالإقصاء أو التمييز". ويقول مدير المركز مراد أردوغان، إن "السوريين عموماً راضون عن حياتهم في تركيا"، مضيفاً أن الدراسات السابقة كانت تقول إن الذين لا يريدون العودة إلى سورية على أي حال نسبتهم 16 في المائة، ثم ارتفعت هذه النسبة إلى 34 في المائة عام 2019 ولاحقاً إلى 58 في المائة.
ويشير أردوغان إلى وجود قضيتين تشغلان حيزاً كبيراً من اهتمامات السوريين: الأولى هي وضعهم المؤقت لأنه يمثل عقبة كبيرة أمامهم للتفكير في المستقبل، والثانية هي ظروف العمل. ويرى أنه على الرغم من محاولة السوريين إقامة علاقات أوثق مع المجتمع التركي، إلا أن المجتمع ما زال بعيداً.
من جهته، يرى مدير مكتب رابطة المحامين السوريين في ولاية هاتاي عمار عز الدين أن "توضيحات إدارة الهجرة غير كافية إن لم تتبع بخطوات عملية، مثل التعميم على جميع جهات الضابطة العدلية أي الشرطة والجهات الأمنية الأخرى، لمنع توقيف أي لاجئ سوري في حال كان قيد بطاقته ملغى".