تبطين الترع... ما وراء قطع الأشجار في مصر

23 فبراير 2021
هل يفيدهم المشروع الجديد؟ (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

 

يُعَدّ تبطين الترع في مصر مشروعاً قومياً من شأنه أن يمنع هدر المياه ويعزّز الري الزراعي. وبالنسبة إلى القائمين عليه، فإنّه يهدف إلى خدمة الفلاحين المصريين. لكنّ ثمّة أصواتاً تندد بعمليات القطع الجائر للأشجار في هذا السياق.

انتقد مزارعون وناشطون في مجال حماية البيئة مشروع تبطين الترع المصرية الذي أدّى إلى قطع آلاف الأشجار على حواف الترع في محافظات مصرية عدّة. ويقول نقيب الفلاحين في محافظة البحيرة شمالي البلاد، بهاء العطار، إنّه "على الرغم من مميّزات مشروع تبطين الترع، فإنّ ثمّة عيوباً أبرزها قطع الأشجار الموجودة على حوافها، خصوصاً أنّ ثمّة أشجاراً يزيد عمرها عن 50 عاماً وأخرى نمت قبل أن نولد. وتلك الأشجار هي بمثابة حائط صدّ للسيارات على الطرقات حتى لا تسقط فى الترع عند وقوع حوادث، بالإضافة إلى أنّها تضفي منظراً جمالياً للترع. وهذا القطع الجائر يؤدّي إلى انحسار المساحات الخضراء". يضيف العطار أنّه "لمّا سألنا مديرية الري في المحافظة عن ذلك أجابوا أنّها تعليمات وزارة الموارد المائية والري... فلتشتكوا". وتابع أنّ "كراكات (آليات) وزارة الري قطعت أكثر من 300 شجرة من الأشجار المثمرة والجمّيز والفاكس وغيرها، على امتداد طرفَي ترعة النخلة، موضحاً أنّ الوزارة علّلت ذلك بأنّ الأشجار تعيق عملية التطهير وتؤدّي إلى ضيق المجرى الخاص".

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد كلّف الحكومة بضرورة الانتهاء من مشروع تبطين الترع والمصارف في خلال عامَين. وفي السياق، يقول المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية والري، المهندس محمد السباعي، إنّ المشروع يأتي في إطار خطة الوزارة الاستراتيجية 2037، لافتاً إلى أنّ الخطة تمتدّ على 20 عاماً. يضيف أنّ المشروع يستهدف الترع المتعبة ذات القطاعات الصغيرة التي يأتي عرضها ثلاثة أمتار أو أربعة، لافتاً إلى تبطين ما يقرب من 20 ألف كيلومتر في أقرب وقت ممكن. وأوضح أنّ الدولة المصرية تعمل على المحاور كافة، لترشيد عملية استهلاك المياه، ومن شأن ذلك أن يعود بشكل إيجابي على الاقتصاد المصري.

بيئة
التحديثات الحية

من جهته، يقول وكيل وزارة الري بمحافظة البحيرة، المهندس عامر شكري، إنّه ينفّذ توجهات الدولة بالتعاون مع كل الأجهزة المعنية لترشيد استهلاك المياه، مؤكداً أنّ تبطين الترع يجري من خلال صبّ ألواح إسمنتية على جدران الترع والقاع، بدلاً من الطمي الموجود حالياً، لأنّه يمتلئ بالثقوب التي تتسرّب من خلالها المياه. يضيف شكري أنّهم وفي أثناء تنفيذ عمليات التبطين تلك، يعمدون إلى إزالة الأشجار التي تعرقل التطهير وتستهلك المياه، مشيراً إلى أنّهم اتمّوا حتى الآن أعمال تطوير وتبطين ترعة النخلة وترعة الإشرافية، بدءاً من قرية التوسيلي وانتهاءً بقرية عبد الله شعبان، بطول 2750 متراً وبتكلفة إجمالية بلغت 10 ملايين جنيه مصري (نحو 640 ألف دولار أميركي). والهدف من ذلك تيسير وصول المياه لري الأراضي الزراعية في المنطقة.

وفي محافظة قنا، جنوبي مصر، يشكو نقيب الفلاحين مدني الزغبي من عمليات إزالة الأشجار التي وصفها بالجائرة في حقّ آلاف تنمو على حواف الترع. ويقول إنّ النقابة تلقّت شكاوى كثيرة من فلاحين حول تضرّرهم من عمليات قطع الأشجار التي تنفّذها وزارة الموارد المائية والري، كاشفاً أنّ الأمر لا يشمل فقط أشجار الفلاحين إنّما كذلك أخرى زرعتها بعض الوحدات المحلية. يضيف أنّ عمليات قطع الأشجار طاولت 796 ترعة وهي الترع التي يشملها مشروع التبطين.

الصورة
قناة مياه ري في مصر (Getty)

في الإطار نفسه، يقول وكيل وزارة الري في محافظة قنا، صبري مختار، إنّ مديرية الري تنفّذ توجيهات الوزارة والقانون بإزالة أيّ أشجار تعرقل عمليات تطهير المصارف إذ من شأنها إعاقة جريان مياه الري نحو الأراضي الزراعي حتى نهاية أيّ ترعة ومصرف. يضيف مختار أنّ حملة إزالة الأشجار جاءت بعد كثرة شكاوى المزارعين من عدم وصول مياه الري إليهم عبر المصارف والترع، بالتالي كان علينا التحرك في كل مرّة لا تؤدّي عمليات التطهير دورها لنحلّ المشكلة. ويتابع أنّ ترعاً كثيرة تتفرّع منها المصارف وصلتها المياه بكل طاقتها بعد قطع الأشجار وتطهيرها، فتمكّن المزارعون من الري. ويشير مختار إلى أنّ المواطنين المعترضين على قرارات الإزالة وآليات التطهير سوف يتعرّضون إلى المساءلة القانونية والغرامات المالية، موضحاً أنّ المديرية تمكّنت من تطهير عشرات الترع والمصارف منها ترعة الغلاسي التي تروي 26 ألف فدان بطول يقارب 34 كيلومتراً، كذلك جابت عشرات المصارف والترع في مراكز المحافظة. وشدّد على أنّ المديرية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أيّ تعدٍ على المصارف والترع.

أمّا رئيس لجنة الزراعة والري والأمن الغذائي في مجلس النواب، هشام الحصري، فيؤكد أنّ ملف إدارة المياه من أهمّ الملفات حالياً فى ظل التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد في ما يتعلق بنقص المياه، خصوصاً قضية السدّ الإثيوبي، بالإضافة إلى قضايا تهمّ المواطنين بشأن الترع الموجودة في داخل الكتل السكنية. ويشدّد على أهمية تطوير منظومة الري وإحلال وتأهيل محطات الصرف والري، وكذلك توعية المواطنين للحفاظ على المياه، لافتاً إلى أنّ المشروع القومى لتبطين الترع هو من المشروعات التي سيكون لها دورها في تطوير منظومة الري وتقليل استهلاك المياه. وعن القطع الجائر للأشجار في أثناء تنفيذ مشروع تبطين الترع، يقول الحصري إنّ هذه الأشجار تستهلك مياهاً كثيرة وتعرقل وصول تلك المياه إلى نهايات الترع.

وفي سياق متصل، يقول أحمد منتصر، ناشط في مجال حماية البيئة، إنّ قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 والمعدّل بالقانون رقم 9 لسنة 2009، ينصّ على معاقبة كل من يتعدّى على الأشجار بالقطع، بالحبس والغرامة بمبلغ لا يقلّ عن 5000 جنيه مصري (نحو 320 دولاراً أميركياً) ولا يزيد عن 50 ألف جنيه (نحو 3200 دولار)، مع مصادرة الأدوات والمعدات المستخدمة في ارتكاب المخالفة. كذلك تنصّ المادة 367 من قانون العقوبات على المعاقبة بالحبس مع الشغل لكل من قطع أو أتلف زرعاً غير محصود أو شجراً نابتاً خلقه أو مغروساً أو غير ذلك من النبات، وكل من أتلف غيطاً مبذوراً أو بثّ في غيط حشيشاً أو نباتاً مضراً، وكل من اقتلع شجرة أو أكثر أو أيّ نبات آخر أو قطع منها أو قشرها ليميتها، وكل من أتلف طعمة في شجر. ويؤكد بالتالي أنّه لا بدّ من محاكمة من يقدم على عملية قطع هذه الأشجار بحجة تبطين الترع وتطهيرها، وفقاً لقانون البيئة وقانون العقوبات المصري.

المساهمون