بين الأنقاض... غزيون يتعايشون مع الدمار في بيوتهم

08 اغسطس 2024
نشرت الملابس خارج منزلها (محمد الحجار)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **العودة إلى المنازل المدمرة:** تفضل عائلات غزة العودة إلى منازلها المدمرة بدلاً من البقاء في المخيمات، حيث يرون أن البقاء في منازلهم أكثر أماناً من التجمعات التي تتعرض للمجازر الإسرائيلية.

- **التحديات في إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار:** يتطلب إزالة 40 مليون طن من الأنقاض في غزة أسطولًا يضم أكثر من 100 شاحنة و15 عاماً، بتكلفة تصل إلى 600 مليون دولار، بينما قد تستغرق إعادة الإعمار حتى عام 2040 بتكلفة 40 مليار دولار.

- **المخاطر والصعوبات اليومية:** يعاني السكان من نقص في الطعام والشراب، ويواجهون مخاطر القنابل غير المنفجرة، ويحاولون إصلاح منازلهم بمواد بسيطة، مع شعور بالرضا لكونهم في منازلهم رغم الدمار.

اختارت عائلات كثيرة العودة إلى منازلها المدمرة في قطاع غزة والعيش بين الدمار والركام، مع إزالة ما استطاعوا منه، بدلاً من البقاء في مناطق المخيمات. فعلى الأقل، هم في منازلهم.

أدى العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على قطاع غزة، إلى تراكم أكثر من 40 مليون طن من الأنقاض في مختلف مناطق وأحياء القطاع، بحسب منظمات دولية وبيئية فلسطينية. وتوصّل تقييم للأمم المتحدة إلى أن أسطولًا يضم أكثر من 100 شاحنة سيستغرق 15 عاماً لتطهير غزة من حوالي 40 مليون طن من الركام والأنقاض في عملية تتراوح كلفتها ما بين 500 و600 مليون دولار. ووفقاً للتقييم الذي نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة في يونيو/ حزيران الماضي، فقد تضرر 137،297 مبنى في غزة، أي أكثر من نصف العدد الإجمالي للمباني، وقد تم تدمير ما يزيد قليلاً على ربعها، وحوالي عُشرها تعرض لأضرار جسيمة والثلث تعرض لأضرار متوسطة.
وفي شهر مايو/أيار الماضي، قال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن إعادة بناء المنازل في غزة التي دمرت خلال الحرب قد تستغرق حتى عام 2040 في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، حيث تبلغ كلفة إعادة الإعمار الإجمالية في جميع أنحاء القطاع ما يصل إلى 40 مليار دولار.
ويحاول بعض أهالي القطاع التخلص من الأنقاض بما هو متاح داخل منازلهم التي عادوا للعيش فيها رغماً عن الدمار والخراب. فيما قرر آخرون من الذين عادوا بدورهم إلى منازلهم، العيش بين الركام بسبب ضيق أو غياب المساحات التي لا يزال يدعي الاحتلال أنها آمنة. ويرى البعض أن التواجد بين الأنقاض والبقاء في المنطقة أكثر أمناً من التوجه إلى تجمعات المهجرين في ظل المجازر الإسرائيلية الأخيرة التي لاحقت المهجرين في مناطق الخيام والمدارس.  
وفي مناطق عديدة، دمر الاحتلال الإسرائيلي أحياء كاملة، وخصوصاً في مدينة خانيونس ودير البلح ومناطق وسط القطاع، والتي لا تزال الأكثر اكتظاظاً لناحية أعداد المهجرين. ويلاحظ انتشار للملابس والأقمشة الكبيرة التي تغطي المنازل بدلا عن الجدران المدمرة.

‏وعاد كثيرون إلى خانيونس بعد انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية، ليجدوا منازلهم مدمرة، لكن البقاء فيها على هذا الحال أفضل لهم من النوم في العراء والبحث المتواصل عن خيام. حاولوا إصلاح أجزاء بسيطة منها بجهد شخصي ومن دون أية آليات، باستثناء بعض العربات الصغيرة التي استعانوا فيها لإزالة أنقاض من المنازل كحال محمد الأغا الذي يقيم في منطقة السطر الغربي، والذي وجد عدداً من جدران منزله مدمرة، بالإضافة إلى جميع النوافذ والأبواب. كما دمّر الطابق العلوي من منزله وتضرر الثاني، وتعرض الطابق الأول لدمار جزئي.
يرى الأغا أن التوجه بشكل جماعي إلى المدارس أو الخيام يعني أنهم أصبحوا أهدافاً للاحتلال، الذي سيجد حجة أو سبباً لقتلهم، منها أنهم مطلوبون سياسيون مع نشر صور مزيفة لهم وسط صمت المجتمع الدولي على تلك الجرائم. ويقول لـ "العربي الجديد": "أصبحنا نعيش وسط الأنقاض، ونزيل ما استطعنا منها. لكن لا يمكن إزالة الكثير لغياب الإمكانات. نختار الغرفة الأفضل والتي يمكن إزالة الركام منها، ونبحث عن فرش وأغطية من تحت الركام، فذلك أفضل لنا من الذهاب إلى مناطق الخيام حيث عرفنا الذل والنوم في العراء من دون أية مساعدة". يضيف الأغا: "في بعض الأيام كنا نرفع الركام بأيدينا، وأصبحنا كمن يمارس رياضة القفز معظم الوقت تفادياً للإصابة بجروح، في ظل الضعف المبرر لعمل البلديات في المنطقة إذ تصعب إزالة الركام. نعيش في منطقة جميع السكان فيها تشجعوا للعودة إليها، إذ إن مناطق الخيام كارثية والأمراض التي تنتشر فيها كثيرة نتيجة الازدحام". 

يبني جداراً للمنزل (محمد الحجار)
يبني جداراً للمنزل (محمد الحجار)

و‏يتخوف سكان غزة من أن يحل عليهم فصل الشتاء وهم يعيشون في منازلهم المدمرة وبين الأنقاض. ويشيرون إلى أن روائح البارود تملأ كل مكان في قطاع غزة، وخصوصاً مع تبدل تيارات الهواء مساءً. كما يشمونها ليلاً بين الأنقاض، ما يصيبهم بالدوار أحياناً كما يقول علي أبو سارة. كان الأخير قد واجه صعوبات كبيرة حين اختار العيش بين الأنقاض، وأصيب ثلاث مرات أثناء محاولات حمل الركام إلى منطقة مجاورة لمنزله، في ظل عدم توفر الأدوات على الإطلاق. لكنه يدرك أنه سيعيش ظروفاً أكثر مأساوية إذا ما توجه إلى مناطق النزوح، حتى أنه لن يجد القطن أو أي شيء لتضميد جروحه. 
أبو سارة، حاله حال كثيرين، يجمع ما استطاع من الركام ويضعه خارج منزله. يأمل أن ينتهي العدوان وتأتي جرافات كبيرة لإزالته، وسط إصرار منه وكثيرين على عدم الخروج من المنطقة في حال عدم الحصول على كرافانات يعيشون فيها على مقربة من منازلهم المدمرة.

غرفة المعيشة التي استطاع ترتيبها (محمد الحجار)
غرفة المعيشة التي استطاع ترتيبها (محمد الحجار)

جمع أبو سارة بعض الحجارة التي هدمت في منزله لإنشاء حائط وإقامة غرفة كبيرة للنساء في الطابق الذي أعادوا ترميمه للبقاء فيه. خطوة اتبعها الكثير من سكان غزة لدى العودة إلى منازلهم، إذ حاولوا إصلاح ما يمكن إصلاحه، حتى لو غرفة صغيرة، بالاعتماد على جمع الحجارة وتأمين الإسمنت، وإن بصعوبة، وخلطه بالرمال والحجارة. يقول لـ"العربي الجديد": "قبل غالبيتنا بالأمر الواقع. كنا نعيش في منطقة ما بين مدينة خانيونس ودير البلح، ودمر منزلنا المكون من أربعة طوابق، وكان يعيش فيه أكثر من 25 فرداً باتوا اليوم بين الأنقاض. يضيف: "نصعد فوق الركام حتى نصل إلى المنزل. أما الأطفال، فيلعبون فوق الركام رغم المخاطر والتحذيرات". يضيف: "عشت مهجرا في أماكن عدة. بقيت شهرين في مدينة رفح، حيث عرفت الذل، ولا يوجد أصعب من الذل للحصول على المساعدات. وفي الوقت الحالي، وعلى الرغم من أننا بين الأنقاض وندرك خطورة الأمر، لكن هناك شعور بالرضا كوننا في منزلنا. والبقاء بالقرب من المنزل أفضل من قصور لا نملكها".

لا خيار بالنسبة للبعض سوء السكن في البيوت المدمرة (محمد الحجار)
لا خيار بالنسبة للبعض سوء السكن في البيوت المدمرة (محمد الحجار)

يعيش معظم السكان في مخيم جباليا، من الذين رفضوا التهجير بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية خلال الشهرين الأخيرين في منطقة غرب غزة، داخل منازلهم المدمرة وبين الركام وسط ظروف إنسانية صعبة، ولا يستطيعون توفير الطعام أو  الشراب كونهم يعيشون أزمات متلاحقة وسط تقلص وصول المساعدات. 
‏وحذرت بلديات غزة، وخصوصاً في المنطقة الشمالية التي تعرضت لنسبة كبيرة من التدمير، من تعامل المواطنين مع الركام في ظل وجود قنابل غير منفجرة. لكن العائلات الغزية حرصت على ذلك من خلال تفقد كل مبنى، لضمان عدم وجود متفجرات فيه. كما أنهم مضطرون لإزالة بعض الركام كما فعلت عائلة حمدان في مخيم جباليا. ‏كانت سمر حمدان (42 عاماً) إحدى اللواتي تضرر منزلها بشكل بالغ، ووجدت أن إحدى الغرف فيه تصلح للعيش رغم صعوبة إزالة الركام، وتدمير أسرّة النوم. عمد زوجها إلى إصلاح بعض الأسرّة من خلال تأمين مطرقة ومسامير، وجدها بين أنقاض أحد المنازل المدمرة، بالإضافة إلى أدوات أخرى استخرجها من بين الركام، وأزال القليل منه حتى يقيم هو وأبناؤه الخمسة.

تدرك حماد أن المنزل متضرر وبعض جدرانه آيلة للسقوط. لكنّها فكرت وعائلتها مراراً في أن النزوح إلى المنطقة الغربية لمدينة غزة قد يجعل الإسرائيليين يظنون بوجود أهداف بين المدنيين، وخصوصاً بعد المجازر الأخيرة في عدد من المدارس في مدينة غزة. كما أن المنطقة التي كانوا قد نزحوا إليها غرب غزة شهدت قصف ثلاث مدارس مؤخراً. وتقول لـ "العربي الجديد": "توجه زوجي بداية إلى المنزل وشهد الكثير من الركام، وقد دمرت جدران عدة. حاولنا الابتعاد عنها، وأزلنا الحطام والزجاج والغبار والأبواب، وغطينا باب المنزل بقطعة قماش حتى نمنع وصول الكلاب ليلاً. نحن الآن في قلب الدمار لكن نعيش حالة انتظار انتهاء العدوان".
وتشير إلى أنهم ‏عندما يهمون بالخروج، يصعدون فوق الركام، ويتنافسون بين بعضهم البعض على السرعة. تضيف: "أنظر إلى أبنائي، الذين يبلغ أكبرهم 17 عاماً من العمر وأصغرهم خمسة أعوام، وهم يناقشون أموراً لا تشبه أعمارهم. كانوا يخططون لإعادة ترميم المنزل. وعلى الرغم عن صعوبة الحال، فقد منحوني أملاً بإعادة الإعمار والبناء".

المساهمون