وصلت إلى لبنان الغواصة التي ستعمل على سحب ما بات يُعرف بـ"مركب الموت" وانتشال جثث الضحايا، وكان مركب يحمل أكثر من 80 شخصاً قد غرق قبالة شواطئ طرابلس، شمال البلاد، في 23 إبريل/نيسان الماضي حيث بقي ما يزيد عن 30 شخصاً من ركابه في عداد المفقودين، وذلك بمواكبة الجيش اللبناني وقواته البحرية.
وأعلن الجيش اللبناني، أمس الخميس، أن الغواصة وصلت إلى مرفأ طرابلس بعدما تولّى عناصره نقلها من مرفأ بيروت مع التجهيزات الخاصة بها، في حين أكدت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد"، أن الغواصة تضمّ فريقاً فنياً أجنبياً سيعمل إلى جانب ضباط لبنانيين وعسكريين على إتمام العملية والحرص على إنهائها بنجاح.
وأشارت المصادر إلى أن "العملية تتطلّب وقتاً وتحتاج إلى أيام لإتمام المهمة، بدءاً بتجميع قطع الغواصة وتوجهها إلى مكان غرق المركب، ومن ثم تصوير المكان لتحديد البقعة الموجود فيها، ومن المتوقع أن تبدأ عملية انتشال الزورق الغارق على عمق يتجاوز 470 متراً مطلع الأسبوع المقبل".
وتبرّع بتكاليف الغواصة مغتربون لبنانيون في أستراليا بمواكبة من جمال ريفي، شقيق النائب الشمالي أشرف ريفي، في ظل عدم امتلاك السلطات اللبنانية وأجهزتها القدرات اللازمة على انتشال المركب، ما دفعها إلى طلب المساعدة من جهات دولية للمساعدة على تعويمه بيد أن المبادرات الفردية كانت أسرع.
وغرق المركب أثناء عملية هجرة غير شرعية بينما كان يضمّ ما يزيد عن ثمانين شخصاً من اللبنانيين وجنسيات أخرى، خصوصاً سورية وفلسطينية، وقد نجا منهم 48 شخصاً، علماً أن لا عدد نهائياً محدّداً للركاب الذين كانوا على متنه، بينما يقدَّر عدد المفقودين، ومعظمهم من النساء والأطفال، بأكثر من 30 شخصاً.
ويتهم بعض أقارب الضحايا والناجين ضباطاً وعناصر في الجيش اللبناني بإغراق المركب عمداً، مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن حادثة يضعونها في خانة الجريمة، وتقدّمت مجموعة من المحامين في وقتٍ سابق بشكوى قضائية ضد 13 عنصراً في الجيش اللبناني من الذين كانوا على متن الطرادين اللذين طاردا المركب.
ويقول النائب أشرف ريفي لـ"العربي الجديد"، إن الغواصة، التي وصلت الخميس إلى مرفأ طرابلس، تعمل على عمق 2500 متر، وتملك تقنيات عالية جداً للعمل على انتشال المركب، وبدأت عمليات تجميع قطع الغواصة وتركيبها بمؤازرة وتعاون الجيش اللبناني التي يقدر أنها تحتاج إلى يومين، على أن تبدأ مهامها يوم الاثنين المقبل.
وتأخر وصول الغواصة، التي كلف استقدامها حوالي 250 ألف دولار، أكثر من شهرٍ بعدما كان الموعد مقرراً في السادس من يوليو/تموز الماضي، وذلك لأسباب مادية وأمنية ولوجستية، وفق تعبير النائب ريفي، الذي يشير إلى أن الوضع المأساوي في لبنان أثّر كثيراً خصوصاً امنياً، إذ إن شركات التأمين تحتاج إلى ضمانات لسلامة طاقم الغواصة وعدم تعرّضه مثلاً للخطف أو حصول أي حدث أمني، فكان تعهد قيادة الجيش بمواكبة العملية كلها وضمان سلامة الفريق كله والغواصة ومن ثم تأمين خروجها بعد إتمام مهامها.
ويضيف "كما تأخر الحصول على تصريح خاص من الجهات المعنية الأوروبية الدولية لدخولها لبنان، وهي تحتاج إلى إذن خاص باعتبار أنها تحمل معدات عسكرية وشبه عسكرية متطورة، ما استدعى تدخل الصليب الأحمر الذي بعث رسالة إلى المعنيين بأنه منظمة إنسانية والمهمة إنسانية لا عسكرية، كما أن هناك معاملات إدارية أنجزناها تطلبت مزيداً من الوقت، وكان من المفترض أن تنطلق الغواصة من جزر الكناري الإسبانية لكنها انطلقت من برشلونة".
ويشير ريفي إلى أن التحقيقات في قضية غرق الزورق باتت شبه كاملة بعد أخذ جميع الإفادات، بانتظار الكشف على الزورق الذي من شأنه أن يحدّد المسؤوليات، ويظهر ما حصل، وقد أعطِيَت تعليمات صارمة وواضحة من قائد الجيش جوزاف عون بأنّ أوّل مهمّة ستكون تصوير الزورق من كل جوانبه لمتابعة التحقيق. وكان مجلس الوزراء قد كلّف قيادة الجيش بإجراء تحقيق شفاف حول ظروف وملابسات حادثة غرق مركب المهاجرين وذلك تحت إشراف القضاء المختص.
وقالت المحامية ديالا شحادة، الموكلة عن 4 ناجين، لـ"العربي الجديد": "نحن لم نتبلغ بعد عن أي تطور بشأن التحقيقات، وسنتقدم بدورنا بطلب استفسار لدى المحكمة العسكرية من أجل معرفة مصير التحقيقات التي هي بعهدة مخابرات الجيش".
وأشارت شحادة إلى أنها غير متفائلة "بتوصل التحقيقات إلى نتائج ومحاسبة المسؤولين عمّا حصل، وذلك بناءً على كيفية التعاطي مع القضية منذ البداية، إذ سارع قائد القوات البحرية إلى نفي المسؤولية فيما تقتضي الأصول التريث أقله لبدء التحقيقات".
وأضافت "كما تم تسريب فيديو يظهر بوضوح إعطاء أمر بضرب المركب ولم يؤخذ بهذا التفصيل، كما لم نرَ أي محاسبة أو إجراء أو تدبير اتخذ بحق أي ضابط أو عنصر عسكري ولا حتى توقيف احتياطي، وغيرها من الأمور التي لا تبعث على التفاؤل، ولكن مع ذلك نحن نتمسك بحكم القانون ونطالب بالعدالة، ونأمل بأن يفي قائد الجيش بوعده لأهالي الضحايا الذين التقاهم بمحاسبة المسؤولين من ضباط وعسكريين في حال ثبت ارتكابهم أخطاء".
ويؤكد مصدر في مخابرات الجيش لـ"العربي الجديد"، أن التحقيقات مستمرة، وأن التحقيق التقني سيحصل عند انتشال المركب، وحالياً لا موقوفين في القضية لا مدنيين ولا عسكريين.
وقال أحد أبناء عوائل الضحايا من عشيرة دندشي، لـ"العربي الجديد"، إنهم يتابعون القضية وسيشرفون على أعمال الغواصة، ويتابعون مع المعنيين كافة التفاصيل، وهم ينتظرون إتمام المهمة وتعويم المركب لكشف ملابسات ما حصل تلك الليلة وتحديد المسؤوليات، وسيبنون موقفهم ربطاً بالنتائج، مضيفاً "نحن نسلم أمرنا إلى الله، فالدولة كانت غائبة تماماً عن القضية، وتأخرت كثيراً، ولم تحرك ساكناً، ونأمل بأن يتم العثور على جثث الضحايا بعد مضي نحو أربعة أشهر على غرق المركب".