تحيي العاصمة الشمالية لروسيا سانت بطرسبورغ، اليوم الخميس، عبر مجموعة من النشاطات والمهرجانات، ذكرى مرور 350 عاماً على ميلاد مؤسسها بطرس الأول الملقب بـ"الأكبر"، والذي أسس الإمبراطورية الروسية، وفتح نافذة لبلاده نحو أوروبا.
وانطلاقاً من دوره الإصلاحي في تاريخ روسيا، تحوّل اسم بطرس الأكبر إلى رمز للإصلاح والتنمية في العالم. ولقّب مؤرخون الوالي العثماني على مصر في القرن التاسع عشر محمد علي باشا باسم "بطرس الأول المصري" بعدما جمع بين القسوة في القضاء على خصومه، وتنفيذه إصلاحات اقتصادية وسياسية وعسكرية وتنويرية مهدت لتأسيس مصر الحديثة.
ولد الأمير بطرس في موسكو في 30 مايو/ أيار أو 9 يونيو/ حزيران (وفق التقويم الغريغوري المعتمد حالياً في روسيا) من عام 1672، وهو نجل القيصر الروسي أليكسي رومانوف، الذي رحل عن الدنيا عندما كان بطرس في الرابعة من العمر فقط.
في عام 1682، تولى بطرس العرش مع شقيقه إيفان الخامس تحت وصاية شقيقتهما الكبيرة صوفيا حتى بلغا سن الرشد. وبعد وفاة إيفان، تولى بطرس العرش منفرداً عام 1696. وهو أدرك سريعاً أن روسيا لن تحقق خططها السياسية الخارجية والتنمية الداخلية إلا بالوصول إلى البحر الأسود غير المتجمد، فانتزع مدينة آزوف من الأتراك قبل أن تخسرها روسيا ثم تستردها مرة أخرى بعد وفاته.
في عامي 1697 و1698، نفذ بطرس الأكبر متنكراً جولة في أوروبا، كي يحصل على معرفة واسعة في مجالات الملاحة والمدفعية وبناء السفن، والتي مهدت لاتخاذه قرار نقل مركز الثقل السياسي الخارجي من الجنوب إلى الشمال، وانتزاع سواحل بحر البلطيق من السويد التي كانت تعد أقوى دولة في المنطقة حينها.
عرف كحاكم إصلاحي أنشأ مجلس الشيوخ والهيئات الرقابية، وأخضع الكنيسة للدولة وأسس العاصمة الجديدة سانت بطرسبورغ عام 1703، والتي تلقب اليوم بالعاصمة الشمالية، وتعد ثاني أكبر وأهم مدينة في روسيا بعد العاصمة موسكو.
وبعدما أدرك تأخر روسيا في التنمية مقارنة بباقي الدول الأوروبية، استثمر بطرس الأكبر خبرات هذه الدول في الصناعة والتجارة والثقافة خلال سنوات حكمه حتى وفاته بالتهاب رئوي أصيب به بعدما تدخل بنفسه لإنقاذ صيادين في 8 فبراير/ شباط 1725.
يصف خبراء كثيرون بطرس الأكبر بأنه "أشهر شخصية تاريخية روسية في العالم أجرت إصلاحات جذرية في كافة مجالات الحياة". ويعلّق مدير مكتب "راديوس" السياحي أنطون لاتينين على أهم التغييرات التي طرأت على روسيا في عهد بطرس الأكبر بالقول: "ألغى بطرس الأكبر كل الاحتفالات الدينية، وبدأ في تنظيم كرنفالات، وألزم النبلاء بحلق الذقون، وقضى على الجيش السابق من الرماة والذين أعدم عدداً كبيراً منهم بالساحة الحمراء في موسكو، وقطع عدة رؤوس بنفسه فدخل التاريخ كشخصية مثيرة للجدل بسبب قسوته من جهة، ومن جهة أخرى بسبب تأسيسه الجيش والأسطول الروسيين".
وخاض بطرس الأكبر حرباً طويلة جداً ضد السويد امتدت من عام 1700 إلى عام 1721 للسيطرة على ساحل البلطيق. وأسفرت هذه الحرب عن توقيع اتفاق سلام في مدينة نيستاد الفنلندية نص على تنازل السويد عن منطقة البلطيق وجنوب غرب كاريليا لصالح روسيا مقابل حفاظ السويد على فنلندا. وسمح ذلك بإنجاز روسيا إحدى أهم مهماتها التاريخية الخاصة بالوصول إلى بحر البلطيق، فيما فقدت السويد وضع دولة عظمى إثر خسارتها مناطق الساحل الشرقي للبلطيق، وغالبية مناطق سيطرتها في ألمانيا.
واللافت أن هذه الحرب الطويلة لم تمنع أيضاً تأسيس بطرس الأكبر الدراسات العسكرية والطب التي مهدت لتدشين مستشفيات.
ويعد مرور أكثر من ثلاثة قرون على وفاة بطرس الأكبر، كشف استطلاع للرأي أجري أخيراً أن سانت بطرسبورغ لا تزال ترتبط في أذهان 7 في المائة من الأشخاص الذين استطلعت آراؤهم باسم بطرس الأول، متفوقا حتى على ظاهرة الليالي البيضاء ونهر نيفا (3 في المائة لكل منهما).
وتعد سانت بطرسبورغ إحدى الوجهات المفضلة للسياح الروس والأجانب، وتعرف بمجموعة من المعالم ذات شهرة عالمية، إذ تحتضن أكبر متحف للفنون في روسيا بقصر "إرميتاج" وقلعة بيتروبافلوفسك والمقر الإمبراطوري السابق "بيتيرغوف" وكاتدرائية إسحاق. كما تستضيف المدينة المنتدى الاقتصادي الدولي الذي يقام سنوياً، ويعد ملتقى اقتصادياً وسياسياً عالمياً مهماً.