بريطانيا: عنصرية في القطاع الصحي

01 سبتمبر 2022
خلال علاج أحد مرضى كوفيد-19 في مستشفى ببريطانيا (ستيف بارسونس/ Getty)
+ الخط -

بدت نتائج خلاصة بحث مشترك أعدّته صحيفة "ذا غارديان" البريطانية مع جامعة "إكستر" (تقع في مدينة إكستر بمقاطعة ديفون بإنكلترا، وتعتبر من أفضل الجامعات البريطانية)، حول العنصرية التي تشهدها هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) في البلاد، صادمة، وإن لم تكن جديدة في بلد ما زالت رواسب العنصرية والفوقية والتمييز العرقي سائدة لدى الكثير من شرائح المجتمع وأصحاب البشرة البيضاء. وشمل البحث بيانات 126 ألف مريض بالسرطان خلال عقد من الزمن بين عامي 2006 و2016. 
وأظهر البحث الأخير أنّ الفترة الزمنية التي يتعيّن على السود والآسيويين انتظارها إلى حين تشخيص إصابتهم بأكثر أنواع أمراض السرطان انتشاراً في المملكة المتحدة، تصل إلى ستة أسابيع إضافية مقارنة بأصحاب البشرة البيضاء، ما يعني خيارات علاجية أقل وفرص نجاة أضعف مقارنة بحالات التشخيص المبكّرة التي ازدادت حملات التوعية بشأنها خلال العقود الأخيرة بهدف مضاعفة فرص الشفاء. 
وحول أسباب هذه الظاهرة التي وصفتها الدراسة بالخطيرة، تقول الرئيسة التنفيذية لمركز أبحاث السرطان في المملكة المتحدة ميشيل ميتشل لـ "العربي الجديد": "هناك حاجة ماسة لبذل مزيد من الجهود لفهم ومعالجة دوافع عدم المساواة في جميع أنحاء البلاد. كما دعت رئيس الحكومة المقبل لاتخاذ إجراءات جدية، وجعل مرض السرطان أولوية ليكون التشخيص المبكّر متاحاً للجميع وليس لفئة دون الأخرى". 
وسبق للحكومة البريطانية وهيئة الخدمات الصحية الوطنية أن وعدتا أكثر من مرة بمعالجة عدم المساواة العرقية، لا سيما بعد نشر الكثير من التقارير البحثية التي تدين بشكل مباشر التعاطي الحكومي مع هذا الأمر. وأشار العديد من الأبحاث سابقاً، إلى تعرّض السود مثلاً لخطر مضاعفات كوفيدـ19 والموت بعد الإصابة به أكثر بكثير من البيض. 
وتقول طبيبة الصحة العامة يولا هولدرنس لـ "العربي الجديد"، إن أعداد وفيات كوفيد-19 من السود والأقليات العرقية الأخرى لم تأت متناسبة مع البيض. كما انتقدت الاستسهال في تحليل بعض الكوادر الطبية هذه الظاهرة والاكتفاء بالترويج لتفسيرات وراثية أو عرقية كالقول إن فيتامين دال عنصر مهم في توخّي الإصابة والوقاية من المضاعفات والموت، وإن أصحاب البشرة السوداء لا يمتصّون أشعة الشمس بما فيه الكفاية. تضيف أن العوامل الوراثية نادراً ما تكون عاملاً أساسياً في ارتفاع نسبة الإصابة بأية أمراض أو مضاعفات والموت. 
وتساهم هذه التفسيرات التي لا تخلو من الاستسهال على حد تعبير هولدرنس في تعزيز عدم المساواة وتجاهل البحث العميق في أسباب هذه الظاهرة، لإيجاد حلول لها وتضييق الفجوة بين البيض والأقليات العرقية في الحصول على الرعاية الصحية. وتلفت دراسة أخرى نشرت قبل سنوات إلى أن النساء السوداوات في المملكة المتحدة أكثر عرضة للوفاة أثناء الحمل والإنجاب بأربع مرات مقارنة بالنساء البيضاوات. كما أن معدّل الانتظار في تشخيص سرطان الثدي بالنسبة للنساء البيضاوات هو 41 يوماً مقارنة بمدة انتظار تصل إلى 73 يوماً بالنسبة للنساء السوداوات، الأمر الذي يجعلهن أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي المتقدّم وبالتالي فرص نجاة أقل.

يشار إلى أن هذه الأرقام والبيانات والمعطيات تثير قلقاً مضاعفاً، إذ يعيش القطاع الصحي أزمة غير مسبوقة ونقصاً هائلاً في المعدّات الطبية وعدد الموظّفين والإداريين والمتخصصين، ما يعني المزيد من عدم المساواة بحق شرائح مجتمعية كثيرة. وأزمة القطاع الصحي تشكّل اليوم جزءاً أساسياً من العنصرية. فوباء كورونا على سبيل المثال شلّ القدرة الاستيعابية للمستشفيات والمستوصفات وأدّى إلى تقصير كبير في سرعة تشخيص الأمراض وتزويد مرضى السرطان تحديداً بالجرعات الكيميائية والأدوية المخصّصة لهم، الأمر الذي يجعل الأقليات التي لم تُشخّص أمراضها مبكّراً لأسباب عنصرية عرضة لتأخير إضافي أسبابه هذه المرة تتعلق بعجز كبير في القطاع الصحي تتساوى المعاناة منه لدى جميع الفئات والشرائح. 

أصحاب البشرة البيضاء لا يواجهون أي تمييز (إيان فورسيث/ Getty)
أصحاب البشرة البيضاء لا يعانون من التمييز (إيان فورسيث/ Getty)

كما أن القطاع الصحي ليس بمنأى عن أزمة الغلاء المعيشي التي تشهدها بريطانيا ويعاني منها الملايين حالياً. وأخيراً، وجّه العديد من الأطباء نداء استغاثة للحكومة خوفاً من عجز إضافي قد تتسبّب به فواتير الطاقة هذا الشتاء، والمقرّر أن يبلغ ارتفاعها نسبة  80 في المائة. ويتوقع أن يزيد كل من عناصر البرد والجوع والقلق والأوبئة من أعباء المستشفيات خلال الأشهر المقبلة، ومن المرجّح أن تدفع ثمنها الشرائح الأضعف. 

Everyone counts (الجميع مهم)، هو شعار تذكر به هيئة الخدمات الصحية الوطنية باستمرار، وتتعهّد بضمان توزيع الخدمات الصحية بشكل عادل على الجميع من دون أي تمييز وبقدر متساو من الأهمية والاحترام. لكن يشير الواقع إلى أن الأفعال لا تعكس بالضرورة تلك الشعارات، وخصوصاً أن بعض الخبراء يرى في مشكلة العنصرية والسياسات غير المتساوية أزمة عامة تتجاوز القطاع الصحي وتمتدّ إلى الشرطة ونظام العدالة الجنائية. 

كما أن القوانين التي تصدرها وزارة الداخلية مثلاً بهدف تعزيز الأمن ومكافحة العنف، يستغلّها الكثير من عناصر الشرطة لممارسة سلطتهم على الشرائح الأضعف. وتشير كل تلك الإحصائيات إلى أن مجتمع السود يتعرّض للابتزاز والمضايقات والتنمّر أثناء العمليات الأمنية أكثر بكثير من مجتمع البيض. 
كما خلص تقرير نشره مرصد "العرق والصحة" إلى أن الأقليات في المملكة المتحدة تتأخر عموماً في طلب المساعدة الطبية أو أنها تتجنّبها نهائياً تحسّباً لتكرار تجربتها مع العنصرية التي اختبرتها سابقاً من قبل المتخصّصين في القطاع الصحي. ويبقى أن القطاع الصحي تحوّل خلال تفشي جائحة كورونا الجديد إلى الخطوط الدفاعية الأمامية وقدّم العاملون فيه تضحيات كبيرة، وما زال البريطانيون يشعرون بالامتنان حيالها، الأمر الذي يعيق المطالب الرامية إلى إصلاح هذا القطاع، وقد بات التعاطف معه وطنياً وقومياً وربما غير مشروط.