بريطانيا: الإستراتيجية القومية للغذاء تتجاهل الفقراء والمناخ

15 يونيو 2022
يعاني كثيرون في بريطانيا من زيادة في الوزن (مات كاردي/ Getty)
+ الخط -

قبل عامين، وعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالعمل على الحدّ من السمنة في البلاد. إلا أنّ الإستراتيجية القومية للغذاء التي أصدرها في 12 يونيو/ حزيران واجهت انتقادات عديدة. واعتبر هنري ديمبلبي الذي يرأس مجموعة من المسؤولين والمتخصصين الغذائيين أوكلت إليهم الحكومة مهمة مراجعة النظام الغذائي البريطاني، أن ما طُرح ليس إستراتيجية، كونها لا تتضمن أسبابا واضحة للمشاكل التي نواجهها في الوقت الحالي وما يجب القيام به، محذراً من أنها قد تعني أن المزيد من الأطفال سيعانون من الجوع
وعلى الرغم من تحذيرات ديمبلبي من العواقب الصحية الوخيمة للسمنة في بريطانيا، إذ يعاني 64 في المائة من البالغين و40 في المائة من الأطفال من زيادة في الوزن أو السمنة، وارتباط الوزن الزائد ارتباطاً وثيقاً بالفقر، تجاهلت الإستراتيجية العديد من توصياته، بما في ذلك الإجراءات الحكومية بشأن السمنة وضريبة الملح والسكر. 
بدورها، أصرت وزير الدولة للزراعة والثروة السمكية فيكتوريا برنتيس على أن مثل هذه الضريبة ستكون "أداة غير حاسمة" لمعالجة مشكلة معقدة. وقال النقاد إنّ إستراتيجية جونسون الغذائية الجديدة لبريطانيا لا تحتوي فعلياً على أي تدابير جديدة لمعالجة الكلفة الباهظة للغذاء أو جوع الأطفال أو السمنة أو حالة الطوارئ المناخية.
في المقابل، دافع جونسون عن إستراتيجية الغذاء الجديدة للحكومة، ونفى فشل المقترحات في معالجة السمنة خلال زيارته مزرعة في كورنوال (مقاطعة في أقصى جنوب المملكة المتحدة) في 13 الشهر الجاري. وقال إن أفضل طريقة لفقدان الوزن هي تناول كميات أقل من الطعام. وفي ما يتعلق بضريبة السكر والملح، أوضح أنّ ما لا نريد فعله الآن هو البدء في فرض ضرائب جديدة على الناس، ما سيزيد من ارتفاع كلفة الطعام. وكما أوردت صحف بريطانية، كان يجب أن تستجيب الإستراتيجية بشكل رئيسي لتوصيات ديمبلبي، الذي كتب تقريرين بتكليف من الحكومة حول السمنة والبيئة.
ومن أبرز اقتراحات ديمبلبي، توسيع نطاق الوجبات المدرسية المجانية لتشمل ما يصل إلى 1.5 مليون طفل إضافي في بريطانيا، وزيادة المعايير البيئية والرفاهية في الزراعة، وخفض استهلاك اللحوم والألبان بنسبة 30 في المائة. 

في المقابل، أكد وزير البيئة جورج يوستيس أن الوزراء لا يريدون أن يقلّل الناس من استهلاك هذه المنتجات. وقال لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" إنه يمكن استخدام التقنيات لتقليل انبعاثات غاز الميثان من الإنتاج الحيواني. ويأتي تجاهل الحكومة للوجبات المدرسية المجانية في وقت تظهر أرقام حديثة صادرة عن الحكومة أن عدد الأطفال الذين يحتاجون للحصول على وجبات مجانية في المدارس ارتفع إلى 1.9 مليون. ومنذ يناير/ كانون الثاني عام 2022، كان 1.9 مليون تلميذ في حاجة للحصول على وجبات مدرسية مجانية، ما يشكل 22.5 في المائة من عدد التلاميذ في البلاد. وتشير الأرقام إلى أن هذه زيادة تقدّر بنحو 160 ألف تلميذ منذ يناير/ كانون الثاني 2021.
مع ذلك، اقتصرت الوثيقة المكونة من 27 صفحة على تقديم بعض التوصيات، وتجاهلت معالجة مساهمة أسعار الغذاء في أزمة الكلفة المعيشية أو معالجة الدعوات لاستهلاك كميات أقل من اللحوم والألبان. وبدلاً من ذلك، شملت السياسات المحددة القليلة التي اختارتها الحكومة زيادة في إنتاج الطماطم المحلي والمزيد من الاستزراع السمكي، وهو أمر مثير للجدل بيئياً، بالإضافة إلى تسهيل بيع واستخدام لحم الغزال البري. 

سمنة (مات كاردي/ Getty)
لا يتناولان غذاء صحياً (مات كاردي/ Getty)

أضاف ديمبلبي، بحسب صحيفة "الغارديان": "قالوا إننا نحتاج إلى بروتينات بديلة، من دون أن يذكروا الحقيقة التي لا مفر منها، وهي أن استهلاك اللحوم في هذا البلد لا يتوافق مع نظام الزراعة الذي يحمي الزراعة ويحتجز الكربون. فالإستراتيجية تتجاهل أي طموح لتقليل استهلاك اللحوم"، مشيراً إلى أن "85 في المائة من أراضي المملكة المتحدة المزروعة تُستخدم إما لزراعة غذاء للماشية أو لتربية اللحوم".
من جهتها، أعربت أحزاب المعارضة عن قلقها. وقال وزير النقل في حكومة الظل في حزب العمال جيم مكماهون إن الحكومة "ليس لديها أي طموح على الإطلاق لمعالجة الأزمات المتعلقة بأسعار الغذاء". وتعليقاً على الإستراتيجية القومية للغذاء، قالت رئيسة قسم الغذاء والغابات في منظمة السلام الأخضر لويزا كاسون إن الحكومة تجاهلت علماء المناخ والخبراء لصالح جماعات الضغط في الصناعة، ما سيؤدي إلى إدامة نظام غذائي معطل لنرى كوكبنا "يطهو نفسه". أضافت: "في حال الاستمرار على هذا النحو، نتجه نحو مستويات كارثية من الاحترار لكوكبنا". 

إلى ذلك، نجحت الإستراتيجية في وضع خطط لإنشاء هيئة مهنية جديدة لقطاع الزراعة والصناعة بهدف تعزيز التدريبات وتزويد الشركات بالمهارات اللازمة للعمل بشكل مستدام ومربح. وقال جونسون إن هدفه دعم المزارعين في البلاد بالإضافة إلى القطاع الزراعي، وينبغي استغلال الفرصة الآن لتناول المزيد من المنتجات المحلية وتحسين الأمن الغذائي. كما أشار إلى أزمة الغذاء العالمية الناتجة من نقص الحبوب هي نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، مشيراً إلى أن الإستراتيجية تهدف إلى تحقيق "المزيد من الأمن والاستقرار في إمداداتنا". وقال الوزراء إن "الخطة ستساعد في تعزيز مرونة سلاسل التوريد في البلاد وزيادة الإنتاج المحلي. لذلك، سنزرع ونأكل المزيد من طعامنا".
في نهاية المطاف، يبدو جلياً أن الحكومة اختارت تجاهل الدليل الواضح على وجود أعداد كبيرة من الأطفال الذين هم في حاجة حقيقية إلى وجبة مدرسية مجانية. وأظهر تقرير جديد نشره فريق عمل فقر الأطفال (CPAG) أن طفلاً واحداً من بين كل ثلاثة أطفال في عمر الدراسة في بريطانيا يعيش في فقر، ولا يحصل على وجبات المدرسة المجانية نحو 800 ألف طالب.  

المساهمون