بحيرة ساوة... "نهاية شيء جميل" في العراق

05 مايو 2022
هذا كلّ ما تبقّى من البحيرة (أسعد نيازي/ فرانس برس)
+ الخط -

"ماتت" بحيرة ساوة في العراق. لم تعد تحتوي قطرة ماء واحدة بعد آلاف السنوات من وجودها. وذكّر ناشطون بيئيون بتحذيرات سابقة أطلقوها للجهات الحكومية التي لم تتحرك.

شهد العراق خلال الأيام الأخيرة زوال معلم جيولوجي وبيئي بارز في طبيعته تمثل في جفاف بحيرة ساوة الواقعة بجنوب البلاد التي تتمتع بمواصفات فريدة على صعيد التكوين الفيزيائي تجعلها ذات شهرة عالمية باعتبارها تمزج بين عوامل طبيعية وأخرى مفتعلة. وأثار ذلك استياءً واسعاً لدى العراقيين، ولا سيما سكان محافظة المثنى الجنوبية التي تحتضن البحيرة، وتعتبر من أهم رموزها الجغرافية والتاريخية. من جهته، "نعى" الرئيس العراقي برهم صالح البحيرة، وكتب على "تويتر" إنه "تذكير قاسٍ بخطورة التغييرات المناخية التي تشكل خطراً وجودياً لمستقبل العراق والمنطقة والعالم".

ويرى ناشطون بيئيون أن زوال البحيرة التي يبلغ عمرها آلاف السنين، "يشير إلى مخاطر الجفاف الكبيرة التي تحدق ببحيرات أخرى بسبب الإهمال". ويقول أحدهم ويدعى هيثم الصبيحاوي لـ"العربي الجديد": "نفذت سابقاً مع مجموعة من الناشطين ومحبي البيئة والتخييم جولات لاستكشاف الطبيعة شملت أيضاً بحيرة ساوة التي حذرنا منذ سنوات من مخاطر انتهاء وجودها بعدما بدأت مساحتها تتقلص في شكل كبير حتى في فصل الشتاء وليس فقط فصل الصيف الذي كان يشهد تناقصاً في مياهها، لكن الجهات الحكومية التي خاطبناها قالت إنها تتابع حالة البحيرة، وتنفذ محاولات لمنع جفافها. لكن يبدو أن جهودها فشلت".

الصورة
منشأة فندقية مهجورة في موقع بحيرة ساوة (أسعد نيازي/ فرانس برس)
منشأة فندقية مهجورة في موقع بحيرة ساوة (أسعد نيازي/ فرانس برس)

وبلغ طول بحيرة ساوة 4.47 كيلومترات وعرضها 1.77 كيلومتر، ومستوى المياه فيها بين متر واحد وأربعة أمتار. ويقول الخبير البيئي رياض العاني لـ"العربي الجديد": "يمكن القول أن بحيرة ساوة ماتت، لكن هذا الموت قد يكون مؤقتاً أيضاً في حال نجحت الجهات الرسمية المسؤولة في إنعاشها". يضيف: "على الرغم من تصريح مسؤولين وتحدث وسائل الإعلام عن جفاف البحيرة بالكامل، يمكن الحفاظ على وجودها ولو بنصف أو حتى ربع حجمها الطبيعي إذا اتخذت الجهات المسؤولة التدابير اللازمة".

ويتحدث العاني عن سببين لجفاف البحيرة، أولهما طبيعي يرتبط بما يعانيه العالم من ارتفاع في درجات الحرارة، وما يعانيه العراق من انخفاض كبير في معدلات سقوط الأمطار، وحدوث تحركات في طبقات الأرض الزلزالية. أما العامل الثاني فبشري يتعلق بانخفاض مياه نهر الفرات الذي يغذي البحيرة نتيجة تقليل تركيا التي ينبع نهر الفرات منها حصة المياه، ما حرم بحيرة ساوة من المياه، وكذلك مئات آلاف من الحقول والمزارع، علماً أن الجهات الحكومية لم تتخذ أي إجراء لمنع الفلاحين وأصحاب المصانع المحيطة بالبحيرة من الاعتماد على المياه الجوفية ما أثر على روافد بحيرة ساوة أيضاً". من هنا يرى العاني أن "عودة الحياة إلى البحيرة يتطلب العمل في شكل حثيث لتطهير محيطها من الآبار، وتنفيذ إجراءات   ديبلوماسية لحث تركيا على زيادة نسبة المياه في نهري دجلة والفرات، علماً أننا سنشهد موت بحيرات أخرى إذا استمرت هذه الحال".

الصورة
جفاف كامل في موقع بحيرة ساوة  (أسعد نيازي/ فرانس برس)
جفاف كامل في موقع بحيرة ساوة (أسعد نيازي/ فرانس برس)

وتعتبر بحيرة ساوة من البحيرات الفريدة في العالم نتيجة ارتفاع نسبة الملوحة فيها بنسبة أكبر مرة ونصف المرة من تلك في مياه الخليج العربي، ويختلف فيها لون الماء بين الأخضر الداكن (قرب الضفاف) والأزرق في العمق، ما يجعلها تتميز بمواصفات جذابة. ويعتبر سكان محافظة المثنى البحيرة ملاذاً مهماً للتنزه وقضاء وقت بالاستجمام، كما اعتاد مواطنون من محافظات أخرى وأجانب على قصد هذا المعلم. 

يقول حسين عبد الرسول الذي يملك محلاً لبيع الفاكهة على الطريق المؤدية الى البحيرة، لـ"العربي الجديد": "كان يمكن أن تجلب بحيرة ساوة فوائد اقتصادية مهمة لمحافظة المثنى عبر إنشاء قرية سياحية في محيطها يجذب السياح، وتوفر فرص عمل لعدد كبير من شباب المحافظة". ويؤكد أن وجود البحيرة رفع مداخيله المادية قبل سنوات، وهذه كانت حال جميع بائعي المواد الغذائية والأطعمة والفواكه على الطريق المؤدية إليها، باعتبار أن الناس أقبلوا على شراء البضائع في طريق ذهابهم إلى البحيرة. وأعتقد بأنه لو أولت الجهات المختصة الأهمية اللازمة للبحيرة لما جفّت وتحولت إلى مقصد سياحي وطني كبير، ومصدر رزق لأبناء المحافظة".

بحيرة ساوة

وما يميّز بحيرة ساوة قدرتها على تكوين جدران مالحة تحيط بكل جهاتها، وتشكل حاجزاً للحفاظ على المياه يخلق أيضاً أشكالاً تجذب الانتباه من ترسبات الأملاح التي تشبه المنحوتات الفنية. وتعتبر الفنانة التشكيلية رزان شاكر هذه الميزات مكاناً جذاباً لمحبي الطبيعة وتكويناتها والفنانين التشكيليين وهواة التصوير الضوئي، وتكشف لـ"العربي الجديد" أنها وثقّت مع عدد من زملائها الرسامين مظاهر طبيعية للبحيرة في رسومات عدة. وتقول: "لا يمكن تصديق ما حصل. أمر عجيب أن يضحي المسؤولون في بلدنا بمثل هذه الأعجوبة البيئية، وهذا أمر خطير يجري في بلدنا. هناك لا مبالاة تفوق الوصف تتسبب في كوارث تقضي على رموزنا البيئية الجميلة. يتعرض نهرا دجلة والفرات العظيمان لنقص كبير في المياه. البحيرات تجف شيئاً فشيئاً، والتصحّر يأكل البلاد. كل شيء جميل ينتهي لذا سيطلق فنانون وعشاق البيئة وناشطون حملة واسعة لإظهار مخاطر الجفاف والتصحّر التي يواجهها العراق، وقد نصنع ضغطاً محلياً أو حتى دولياً".

المساهمون