استمع إلى الملخص
- **تحديات يومية وصراع من أجل البقاء**: يواجه المهجرون صعوبات يومية في تأمين مأوى آمن، مما اضطر بعضهم للانتقال إلى مناطق خطرة، بينما يعاني آخرون من تدمير خيامهم ومشاريعهم الصغيرة.
- **استغلال التجار ونداءات الاستغاثة**: ارتفعت أسعار الخيام والشوادر، مما زاد من معاناة المهجرين الذين يطالبون بتدخل الجهات الدولية لتوفير مراكز إيواء جديدة وحلول دائمة.
ربما اعتقد المهجَّرون على بحر غزة أنهم قد ينعمون باستقرار لأيام أطول، إلا أن المنخفض الجوي وارتفاع أمواج البحر تسببا في دخول المياه إلى خيامهم، وسط انعدام الخيارات.
انقلبَ البحرُ على المهجرين، واقتحمت مياهه خيامهم. هم الذين لجأوا إلى شاطئ بحر محافظتي خانيونس ودير البلح جنوبي قطاع غزة ووسطه، في ظلّ عدم القدرة على التوجه إلى منطقة المواصي التي تشهد ازدحاماً كبيراً في أعداد المهجرين. وزاد البحر من معاناة المهجرين في القطاع، مع حلول فصل الخريف وارتفاع أمواج البحر.
على مدار الأيام الماضية، ارتفع منسوب مياه البحر في ظل منخفض جوي تأثر به القطاع. ويُحاول المهجرون حماية خيامهم من خلال إنشاء سواتر رملية، لكنها عجزت عن التصدي للأمواج ومنعها من دخول الخيام، الأمر الذي يهدد حياة المهجرين. كذلك، أمطرت السماء وسط ظروف صعبة، إذ لم يتهيأ المهجرون لمواجهة الشتاء بخيامهم التي مزقت حرارة الصيف أقمشتها وشوادرها.
بعد عودته من عمله في ساعة متأخرة من مساء الاثنين الماضي لتوفير قوت أطفاله، وجد المهجر أبو حسن إعلاو نفسه أمام عمل جديد بعدما غمرت مياه البحر خيمته، وعجز عن النوم. لم يجد إعلاو الذي ينتظره عمل صبيحة اليوم التالي، مكاناً للنوم في خيمته المبللة في تلك الليلة. حمل أداة حفر يدوية، وبدأ بإنشاء ساتر رملي من جديد استغرق منه أكثر من ساعة عمل، بعدما حطمت أمواج البحر السواتر التي صنعها أولاده بمساعدة جيرانهم في أثناء غيابه في العمل.
بصوت ضعيف وملامح منهكة، يقول إعلاو لـ "العربي الجديد": "ننتظر قدوم الليل حتى نرتاح وننام، لكن الأمواج وصلت إلى خيامنا، والأولاد لا يستطيعون النوم. السواتر الترابية لا تحلّ المشكلة". وها هو يضطر إلى مواجهة البحر في ظل صعوبة انتقاله إلى مكان إيواء جديد في منطقة المواصي المتكدسة بالمهجرين.
ولحسن حظ إعلاو، كما يشير، أنه تسلّم خيمة قبل نحو أسبوعين بعدما أمضى أشهراً عدة في أخرى ممزقة، وإلا كان حاله أصعب مما هو عليه في الوقت الحالي. ما يتخوّف منه إعلاو، اختبره جاره أبو محمد غزال، الذي يعيش بمفرده في خيمة صغيرة لا تزيد مساحتها على مترين مربعين. كان نائماً حين باغته غمر المياه ضمن خيمته. عايش غزال أوضاع المهجرين الصعبة على شاطئ البحر يوماً كاملاً. يقول: "منذ ثلاثة أيام لا نستطيع النوم. أعيش بمفردي هنا، فيما زوجتي وأولادي في منطقة أخرى. لا أستطيع إحضارهم إلى هنا لعدم وجود أماكن". ويسأل: "كيف سيكون الحال في أثناء المنخفضات الجوية؟". ما يخشاه غزال ينسحب على آلاف المهجرين الذين تنتشر خيامهم على طول شاطئ بحر محافظتي خانيونس ودير البلح. وعمد بعضهم إلى فكّ خيامه والتوجه إلى مناطق خطرة تُعَدّ مناطق تماس مع جيش الاحتلال.
لم يتحمل حسني عاشور البقاء في وضع يهدد أطفاله بسبب ارتفاع منسوب أمواج البحر. فكّ خيمته وتوجه إلى نقطة قريبة من أماكن وجود جيش الاحتلال بين محافظتي رفح وخانيونس. واضطر العديد من المهجرين إلى اتخاذ القرار نفسه هرباً من أمواج البحر.
قبل تحرك سيارة نقل أحضرها لحمل أغراضه بعد فكّ خيمته، ألقى عاشور نظرة وداع أخيرة على مكان آواه أربعة أشهر خلال فصل الصيف. كانت أمواج البحر هادئة وبعيدة عن خيمته أكثر من أربعين متراً، وهي "مسافة آمنة" خلال تلك الفترة شجعته على البقاء على الشاطئ، لينقلب المشهد وتصبح المسافة صفراً بين مياه البحر وخيمته خلال الأيام الماضية، ما ينذر بفصل شتاء مأساوي إن قرر البقاء.
بملامح حزينة بعد موجة تهجير جديدة، يقول لـ "العربي الجديد": "أغادر اليوم إلى منطقة حدودية. نعلم أن الوضع سيكون خطيراً، لكننا أجبرنا على مغادرة الشاطئ لنعيش معاناة مستمرة وتهجيراً متكرراً هنا وهناك، إلى أن يأتي الفرج وتتوقف هذه الحرب المدمرة".
وتضاعفت أسعار الخيام والشوادر والنايلون مع إقبال الناس على شرائها استعداداً لفصل الشتاء، ومواجهة المنخفض الجوي الذي يتأثر به قطاع غزة، ما أدى إلى استياء المهجرين من استغلال التجار معاناتهم. ويقول بسام البطنيجي لـ "العربي الجديد": "ليس لدى الناس أموال ليشتروا الطعام، فكيف سيشترون شادراً لسقف يبلغ سعره 200 دولار؟". يضيف: "الناس هنا سيموتون من البرد لأنه لا يوجد لديهم ملابس. كذلك، قماش خيامهم تمزق ولن يتمكنوا من تحمل المعاناة التي يحملها فصل الشتاء"، مشدداً على ضرورة تدخل الجهات الدولية لوضع حل للمهجرين على الشاطئ ونقلهم إلى مراكز إيواء جديدة.
من جهة أخرى، ورغم أن بهاء النمس وضع لوح زينكو جداراً لخيمته في الجهة المواجهة للبحر، إلا أن ذلك لم يمنع أمواج البحر من دخول خيمته وغمرها، فانهار اللوح جراء قوة المياه. كان يحاول إعادة تركيبه في مكانه مرة أخرى بمساعدة بعض الأقارب والجيران. يقول: "نتمنى أن يصل صوتنا إلى العالم ليعرف كم نحن مظلومون. يجب إيقاف الحرب التي اعتقدنا أنها لن تطول. يبدو أنها لن تنتهي إلا بعد سنوات".
وبسبب تقدم الأمواج، تلاشت المسافة الفاصلة بين خيمة الخمسيني حسني خضير وأمواج البحر التي غمرت خيمته رغم السواتر التي أنشأها. يمسك أداة حفر يدوية وملابسه مبللة، ويحاول إعادة رمال الساتر بعد كل موجة، ويشاركه أبناؤه في العمل الذي لا يتوقف على مدار اليوم.
يفضل خضير انتظار أحوال الطقس قبل التفكير في المغادرة، على أمل أن يعثر على مكان جيد بدلاً من المغادرة العشوائية، إذ قد يجد نفسه في الشارع أو في مناطق بعيدة". خيمة خضير أقرب الخيام إلى مياه الشاطئ نظراً إلى تهجيره المتأخر قادماً من محافظة رفح في مايو/ أيار الماضي، ما جعل خيمته أشبه بجزيرة عائمة. يقول: "الاحتلال والبحر علينا. لنا الله. منذ عدة أيام ونحن نعمل باستمرار".
رغم بعد خيمة نمر بصل عن مياه البحر، إلا أنه يتخوف من المطر الذي سيغرق خيمته التي تآكل قماشها، ولا يستطيع الرجل شراء شادر لسقفها وحمايتها من المطر. وأثر تساقط الأمطار الأخير الذي شهده القطاع في خيمته، ليعيش كغيره من المهجرين في وضع مأساوي، سواء من البحر أو المطر.
وبصل من الذين يعتمدون على ما تقدمه التكايا الخيرية من طعام. يومياً، تذهب زوجته إلى التكية لتحضر الطعام للعائلة المكونة من سبعة أفراد، إضافة إلى أمه، ويواجهون صعوبة في توفير المياه للاستخدام المنزلي ويعتمدون على شاحنات المياه الإغاثية.
ولا تقتصر خسائر المهجرين على تبلل الخيام وإغراقها، بل أدت إلى تدمير مشاريع أنشأها المهجرون على طول الشاطئ كالبسطات الصغيرة أو الأفران الطينية. أقل من نصف ساعة بدلت حال الفلسطيني أبو أحمد، الذي كان يعد الخبز في فرنه. خرج من خيمته مذعوراً بعدما قضت موجات البحر على ساتر ترابي كبير استغرق أسبوعاً في بنائه، ليكتشف أن فرنه لم يعد موجوداً. يتحسر على واقعه في الوقت الذي تعاطف معه الجيران داعين له بالصبر لضياع مصدر رزقه الوحيد.
على مقربة من المكان، تحولت جلسة الشاب عمار السكسك مع عائلته في ساعات المساء إلى مأساة، عندما غمرت مياه البحر ساتراً ترابياً أمضى يوماً في إنشائه، معتقداً أنه سيبقي الأمواج بعيدة، إلا أن ذلك لم يحصل. أكثر من ذلك، تبلل هاتفه المحمول في وقت يعاني القطاع شحاً في الهواتف، وهي وسيلة أساسية ليتواصل الناس معاً بين محافظات شمال وجنوب القطاع أو مع العالم الخارجي.