ثلاث سنواتٍ من العمل التطوّعي اختبرت خلالها بتول الأحمر أكثر من مهمّة إنسانية وعايشت أقسى اللحظات وأشدّها إيلاماً، لا سيما انفجار مرفأ بيروت.
اختارت الشابة اللبنانية بتول الأحمر (23 عاماً) أن تلتحق بصفوف الدفاع المدني منذ عام 2018، إسوة بغيرها من الشابات، لتثبت معهن أنّ المرأة قادرة على التميّز والريادة في شتّى القطاعات والمجالات، كما تخطّي أصعب المهام والأحداث. بتول، المتطوّعة في المركز الإقليمي للدفاع المدني - برج البراجنة (الضاحية الجنوبية لبيروت)، تقول لـ"العربي الجديد": "لعلّ أصعب المهام، كانت يوم انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب 2020. كنت يومها في مركز برج البراجنة، فسارعنا بالاتجاه إلى المرفأ، للمشاركة في عمليات الإنقاذ وإسعاف الجرحى ونقلهم إلى المستشفيات. كان المشهد مروّعاً ومبكياً، فكيفما نظرنا رأينا أشلاء الضحايا والدمار الهائل، ولم نسمع سوى صراخ الأهالي والأقارب والأحباء ينتظرون خبراً عن حياة أحبابهم. كانت مهمّة أليمة لن تفارق ذاكرتي".
وإذ تسرد ما حمله الانفجار من معاناةٍ ومأساةٍ على مستوى الشعب اللبناني ككلّ، تضيف: "تولّينا كذلك مهام الإطفاء وإزالة الركام على مدى يومين متتاليين من دون أن نعرف طعم النوم حينها، وكنّا بالتوازي نواصل عمليات البحث عن الضحايا وإنقاذ وإسعاف المصابين في المباني السكنية والشوارع والمستشفيات والشركات والمحال التجارية الواقعة ضمن نطاق المناطق المحيطة بالانفجار. وقد استمرّت مهامنا ساعات طويلة".
سبق للأحمر المشاركة في إطفاء حرائق لبنان التي التهمت مساحاتٍ واسعة من الأراضي والأحراج والمناطق السكنية، قبل اندلاع انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 (حركة شعبية مطلبية). تصف مشهد تلك الحرائق بـ"المؤلم والفظيع، لكنّني لم أستسلم للمصاعب تماماً كما لم يستسلم زملائي، فقد وضعنا كلّ هواجسنا جانباً، وتحدّينا النيران، وحاولنا إطفاء أكبر قدر ممكن من المساحات، على الرغم من الصعوبات التي واجهتنا، إذ كنّا لا نلبث أن نطفئ جهة حتّى تتسبّب الرياح باشتعال النيران في جهةٍ أخرى. وكذلك كانت الحال في الحرائق التي نشبت بعد انفجار المرفأ بفترةٍ وجيزة". ولا تنسى الأحمر تداعيات جائحة كورونا "وما فرضته علينا من إجراءاتٍ وقائية شديدة، لكنّنا تعلّمنا معها كيف نذلّل الصعاب، وأثبتنا حرص المرأة على التوعية والالتزام، بما يضمن حياةً صحية آمنة لها، ولعائلتها وأفراد مجتمعها".
بتول، التي يعمل والدها أيضاً ضمن فرق الدفاع المدني، تلفت إلى "إيمانه العميق بقدرات المرأة ومناصرته لحقوقها" وتشير إلى أنّها تأثّرت به كثيراً، فقد كان الداعم الأساسي لها ولشقيقتيها اللتين تطوّعتا لفترةٍ معها "وهكذا، كنتُ وما زلت من المؤمنين بأهميّة العمل الإنساني، والمندفعين نحو الصفوف الأمامية في مواجهة الكوارث والحوادث والتفاني في سبيل إنقاذ الأرواح، بغضّ النظر عن المخاطر التي قد تعتري مهامنا".
أمّا شقيقها الوحيد، المتطوّع في إحدى الجمعيات الكشفية، ضمن قسم الإسعاف، فينتظر بدوره أن يبلغ الثامنة عشرة، كي ينضمّ إلى الدفاع المدني. تعلق الأحمر: "يتابع أخي عملي وعمل والدي ويحاول دائماً الاكتساب من خبرتنا لناحية إنجاز كلّ مهمة، خصوصاً أنّني خضعتُ لدوراتٍ عدة في الإنقاذ والإسعاف، وقريباً سأخضع لدورة إطفاء".
كانت الأحمر قد تخصّصت في مجال تزيين وتنسيق الأعراس، من دون أن يسمح لها الوضع الاقتصادي والظروف الصحية بمزاولة هذه المهنة. كذلك، اضطرّت للتوقّف عن العمل في أحد المحال التجارية، بسبب الإقفال العام. وهي إذ تطمح إلى التخصّص كذلك في برمجة الكمبيوتر، تؤكّد أنّها ستواصل مسارها في العمل الإنساني "فالمرأة متساوية بقدراتها مع الرجل، وحتّى أقوى منه" مناشدةً المرأة اللبنانية أن "تتحدّى المصاعب من دون خوفٍ أو خشية، وأن تواصل النضال للحصول على حقوقها كاملةً، وعلى رأسها وقف العنف ضد النساء".
تضيف الأحمر: "أشعر بالقوة والكرامة والفخر كلّما أرتدي زي الدفاع المدني، وفي حين أصادف مَن يسألني بتعجّب: بنت وبالدفاع المدني، ألا تخافين؟! تطالعني أسئلة من نوعٍ آخر: أين تطوّعتِ وكيف يمكننا الالتحاق بالدفاع المدني؟ هكذا، أشعر كأنّي أحفّز الشابات والنساء على الانخراط بميدان العمل الإنساني". وتختم متوجهة إلى النساء: "لا تخفْنَ، ولتكُنْ قلوبكنّ قويّة، فنجاحنا مرتبطٌ بما نتحلّى به من جرأةٍ وعزيمةٍ وإرادةٍ".
والجدير ذكره، أنّ الدفاع المدني اللبناني الذي يعاني منذ سنوات من نقصٍ في التجهيزات والمعدّات والموظّفين، بُحّ صوت متطوّعيه وهم يطالبون بإنصافهم وتثبيتهم في الوظيفة، وهم المتطوّعون الذين حملوا ثقل ما عصف بلبنان من أحداثٍ مفجعة كلّ مرة.