باكستان: شابات يهربن للزواج خلافاً للأعراف

18 يونيو 2022
الباكستانيات ممنوعات من إبداء رأيهنّ لاختيار شركاء حياتهنّ (محمد سميح أوغورلو/ الأناضول)
+ الخط -

 

أكثر فأكثر، راحت باكستانيات شابات يعمدنَ إلى ترك منازل ذويهنّ ليتزوّجنَ بالشبّان الذين اختارتهم قلوبهنّ، بعيداً عن ضغوط المجتمع والأعراف والتقاليد التي تسيطر على مجتمعاتهمّ باختلافها.

في الآونة الأخيرة، تُسجَّل ظاهرة اجتماعية جديدة في باكستان مع هروب شابات من منازلهنّ وعقد زيجاتهنّ في المحاكم، من خارج الأعراف السائدة ومن دون علم ذويهنّ، وهو ما يتسبّب في مشكلات اجتماعية كثيرة، بالإضافة إلى جدال يُثار في المجتمع كما في وسائل الإعلام. وثمّة من يرى أنّ لوسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً وبارزاً في تفشّي هذه الظاهرة، إذ في إمكان الشابة الباكستانية أن تبحث عن شريك حياتها من خلال هذه الوسائل، في حين يجد آخرون أنّ الأعراف والعادات السائدة في البلاد تجبر الشابات على الهروب، ووسائل التواصل الحديثة ما هي إلا واسطة لخروجهنّ على الأعراف وإعراضهنّ عن تقبّل ما يراه الآباء مناسباً.

والمجتمع الباكستاني هو مجتمع محافظ ولا يمكن للشابة أن تبدي رأيها بسهولة لاختيار شريك حياتها (في بعض المناطق مثل شمال غربي البلاد)، وقد بدأت ظاهرة هروب الباكستانيات الشابات من المنازل تتفشّى شيئاً فشيئاً، وسط اهتمام وسائل الإعلام التي راحت تطرح القضية لعلّها تحظى باهتمام من أجل إيجاد حلول مناسبة وجذب أنظار أصحاب القرار في البلاد. لكنّ تناول القضية في الوقت نفسه يروّج أكثر للظاهرة، بحسب بعض الآراء.

وفي خلال فترة قصيرة أخيراً، سُجّلت ثلاث عمليات هروب شابات من منازلهنّ في مدينة كراتشي الجنوبية وهي مركز إقليم السند (مجتمع متعدّد الأطياف وخليط ما بين قبائل السند والبلوش والمهاجرين من الهند والبشتون)، ليظهرنَ في وقت لاحق مع أزواجهنّ وفي يد كلّ واحدة منهنّ عقد نكاح من محكمة، وذلك من دون الحصول على رضى الأبوَين كما يُفترَض أو حتى إخبارهما بهوية الشريك.

والباكستانيات الثلاث هنّ دعاء زهرا ونمره كاظمي ودينار التي لم يُذكر اسم شهرتها. وقد ذاعت قصّة دعاء زهرا وقصّة نمره كاظمي. لم يطل الجدال حول قصة الأخيرة التي أعلنت أنّها تزوجت في مدينة تونسه شاباً يدعى محمد نجيب، في حين كانت أسرتها تبحث عنها وقد ظنّت أنّها اختُطفت من قبل عصابة للحصول على فدية، وهو أمر يحدث في بعض الأحيان. لكنّ الوضع كان مختلفاً، فسجّل الأبوان دعوى في المحكمة ضدّ الشاب الذي تزوجته ابنتهما، غير أنّ القضاء بتّ في حقّ الشابة والشاب في الزواج بعدما أثبتت الفحوصات الطبية أنّها بالغة ولها بالتالي الحقّ في اختيار شريك حياتها وفق القانون الباكستاني.

المرأة
التحديثات الحية

أمّا قضية دعاء زهرا فقد طالت في المحاكم. وفي السابع من يونيو/ حزيران الجاري، رفضت محكمة السند (جنوب شرق) دعوى والدَيها بأنّ زوجها محمد ظهير اختطفها، وذلك بعدما أعلنت الشابة أمام المحكمة في الخامس من يونيو أنّها تزوّجت ظهير برضاها وأنّها تبلغ من العمر 18 عاماً. يُذكر أنّ والدها، ويدعى مهدي علي، كان يدّعي أنّ ابنته تبلغ من العمر 14 عاماً فقط، لذا أمرت المحكمة بإجراء فحص طبي لها لإثبات سنّها. وفي السابع من الشهر نفسه، عندما قدّمت السلطات نتائج الفحص الطبي، تبيّن أنّ سنّها تتراوح ما بين 16 و17 عاماً، ووفق التقرير الطبي فهي أقرب إلى 17 عاماً. من هنا، أمرت المحكمة بإخراج قضية الاختطاف التي سجّلها الوالد في كراتشي.

تجدر الإشارة إلى أنّ القضية تعود إلى إلى 16 إبريل/ نيسان الماضي، عندما خرجت دعاء من المنزل وظنت الأسرة أنّها اختُطفت من أجل المال. وبعد مدّة من البحث، كشفت شرطة مدينة لاهور (شرق) أنّها تزوجت قبل أن تبثّ مع زوجها تسجيلاً مصوّراً قالا فيه إنّهما فعلا ذلك بملء إرادتهما. لكنّ الشرطة اعتقلتهما في الخامس من يونيو في مدينة بهاولنكر في إقليم البنجاب (شرق)، ونُقلا إلى مدينة كراتشي للمثول أمام المحكمة. وهناك خُتمت القضية وطُلب من الأمن الباكستاني توفير الحماية اللازمة لهما.

الصورة
باكستانيات على دراجة نارية (عارف علي/ فرانس برس)
(عارف علي/ فرانس برس)

وعن الوضع القانوني في هذا السياق، يقول المحامي والخبير القانوني محمد عبد الله خان لـ"العربي الجديد" إنّ "القانون الباكستاني ينصّ على أنّه في إمكان الفتاة متى بلغت 16 عاماً والفتى 18 عاماً أن يتزوّجا من دون إرادة أسريتهما. بالتالي فإنّ هذه القضية منتهية، إذ أثبتت الفحوصات الطبية أنّ دعاء زهرا تخطّت السنّ المحدّدة، بالتالي يمكنها أن تتزوج بإرادتها. وهكذا، لا مشكلة قانونياً، إنّما يبقى الجانب الاجتماعي الخاص بتفشّي الظاهرة وتبعاتها وآثارها السيئة؛ هي تشجّع عدداً كبيراً من الفتيات والفتيان على القيام بالأمر نفسه".

ويرى عبد الله خان أنّ "الأعراف والتقاليد السائدة وتعامل الآباء والأسر مع الشابات والشبان تؤثّر كثيراً على تفشّي الظاهرة. فدعاء زهرا أوضحت أنّ والدها كان يريد تزويجها برجل كبير في السنّ وهو شخص لم تكن ترغب فيه، وبالتالي ذهبت مع الشاب الذي تحبّه، وهو الأمر الذي رفضه والدها أمام المحكمة وفي حديثه إلى وسائل الإعلام".

المرأة
التحديثات الحية

وما يقوله الخبير القانوني تثبته أحداث كثيرة منع فيها الآباء بناتهم من اختيار شريك الحياة. وفي بعض الأحيان، أقدم آباء على قتل بناتهم في بعض المناطق. على سبيل المثال، في 16 مايو/ أيار الماضي، أقدم رجل في مدينة كراتشي على قتل ابنته وجرح الشاب الذي كانت تعتزم زواجه رغم إرادة والدها. وبحسب بيان للشرطة، فإنّ الشابة التي تدعى آمنة كانت ترغب في زواج شاب يدعى محمد عمير، لكنّ والدها لم يكن راضياً عن ذلك، بالتالي أطلق عليها النار فقتلها، قبل أن يتوجّه إلى منزل عمير ويقوم بالأمر نفسه. لكنّ الشاب نجا من الموت، إنّما مع إصابة.

وكان أعضاء في البرلمان المحلي بإقليم السند قد تقدّموا بطلب في شهر مايو الماضي طالبوا فيه بمعاقبة الآباء وملاحقتهم قانونياً في حال أرادوا تأجيل زواج بناتهم بذريعة أو بأخرى، بعد بلوغهنّ 18 عاماً. لكنّ القرار لم يُعرَض للتصويت وما زال مؤجلاً حتى الآن، الأمر الذي يشير إلى أنّ الآباء وأصحاب القرار في الأسر لهم الدور الكبير في إبطاء الزيجات والتسبّب في ظواهر مماثلة.

المساهمون