يسعى الفلسطيني علي الغفري، بمُساعدة عدد من الباحثين والمؤرخين الفلسطينيين، إلى ربط أنساب العائلات الفلسطينية بجذورها التاريخية، تأكيداً لأصالة وجودهم في فلسطين وأحقيتهم في أرضهم التي تعود إلى أكثر من ستة قرون.
وأصدرت اللجنة، التي تضمّ عددا من النسّابين والمؤرخين الفلسطينيين، كتاب "العائلات الغزّية في سجلات النفوس العثمانية" كنشاط يتم تنفيذه للمرة الأولى منذ الحكم العثماني لفلسطين، ويهدف التأكيد على أصول العائلات الفلسطينية.
مُبادرة ربط العائلات الفلسطينية بجذورها، رسّخت النسيج الاجتماعي بين العائلات، بالتعرف على الجد الأكبر وزيادة الروابط الاجتماعية
وبدأت فكرة نسب العائلات الفلسطينية إلى أصولها من خلال توجه اللجنة لتنفيذ كتاب عن عائلة الغفري، إذ تم الوصول أثناء عملية البحث إلى الأرشيف العثماني، الغني بالمعلومات الخاصة بكل عائلات قطاع غزة، وجرى تجميع المعلومات وإتاحتها للعائلات الفلسطينية للتعرف على أصولها التاريخية.
وعن تلك الرحلة، يوضح الشيخ علي الغفري، مسؤول الدعوة في قطاع غزة ورئيس لجنة تأليف موسوعة "العائلات الغزية في سجلات النفوس العثمانية"، أنه بعد الحصول على السجلات الخاصة بعائلته من سجلات النفوس العثمانية، أصبح هناك توجه أوسع للحصول على المعلومات المتعلقة بعائلات حي الدرج والتفاح، ومن ثم المعلومات المتعلقة بباقي محافظات قطاع غزة الخمس.
وتُشارك في العمل على جمع المعلومات الخاصة بالعائلات والأسر الفلسطينية لجنة خاصة، تضم تخصصات التحقيق، والتدقيق، والترجمة من التركية إلى العربية، والتصميم، لتقديم تلك المعلومات بشكل لائق، وذلك بهدف تعريف العائلات التي كانت تسكن في غزة بأجدادهم، حتى الجد السادس أو ما يزيد، بما في ذلك أحياء "الدرج" و"التفاح" و"الزيتون" و"التركمان" و"إجديدة"، في الحقبة بين عامي 1903م حتى 1915م، علاوة على معرفة النسب بين العائلات، ومعرفة فروع العائلات المُتشعبة، والتي ترجع بالأصل لعائلة واحدة.
وتضمّ الموسوعة التي قامت اللجنة بجمعها أسماء أشخاص ترجع لعام 1830م، وفق الغفري، الذي يوضح أنه كان يسكن غزة قرابة 1417 عائلة، تضُم قرابة أربعة آلاف أسرة، وتضم نحو 31 ألف نسمة، كانوا يملكون غزة كمدينة، ويتبعها نحو 15 قرية، من بينها رفح وخان يونس ودير البلح، حيث كانت فلسطين في ذلك الحين تتكون من ستة ألوية، من بينها لواء القدس، ونابلس، ورام الله، ويافا، وأريحا وقطاع غزة، الذي كان يضم قضاء مدينة غزة والقرى التي حولها.
وكان عدد ملفات السجلات العثمانية الخاصة بقطاع غزة كلواء نحو 42 سجلا، أما في ما يخص قضاء غزة في السجلات العثمانية فكان 27 سجلا، فيما كانت غزة مشمولة في 16 سجلا، مفقودة منها ثلاثة سجلات خاصة بمنطقة "إجديدة"، وقد تم التواصل مع هيئة التراث في مدينة أبو ديس في الضفة الغربية للحصول على أصول العائلات فيها، ومن ثم إخراج المعلومات الخاصة بتلك المنطقة من سجلات الوفاة والولادة والطلاق، وتم إحصاء نحو 165 عائلة.
وتستقي اللجنة معلوماتها، وفق تعبير الغفري، من السجلات العثمانية، التي تشمل سجلات تعداد النفوس، والزواج، والطلاق، وتبديل المكان، والوفاة، والعسكر، والضريبة، وتجديد المعلومات، فيما تم التأسيس لنحو 1115 عائلة فلسطينية من غزة من أصل 1417، ولا زال العمل جاريا لإتمام أصول العائلات.
وتتكون اللجنة المختصة بجمع المعلومات الخاصة بالعائلات الفلسطينية من ثمانية أفراد، من بينهم مشرفون وباحثون لإمداد اللجنة بالسجلات العثمانية وكيفية الحصول عليها، ومن ثم ترجمة تلك السجلات إلى العربية، ومراجعتها وتدقيقها وتصميمها وإصدارها في موسوعة متكاملة اشتملت على تسعة مجلدات، منها كتاب للمقدمة، وثمانية كتب تخص أحياء غزة، إلى جانب ملحق عاشر، عبارة عن فهرس للعائلات.
ويوضح المختار الفلسطيني بدر صبرة، نائب رئيس رابطة عائلات الدرج والتفاح، أن الرابطة قامت برفد وإيصال مجلدات الموسوعة إلى العائلات، للتعريف بأنسابهم وأصولهم، وقد تزينت بها مجالسهم ودواوينهم.
ويبين صبرة لـ"العربي الجديد" أن مُبادرة ربط العائلات الفلسطينية بجذورها رسّخت النسيج الاجتماعي بين العائلات بالتعرف على الجد الأكبر، وزيادة الروابط الاجتماعية بالتعرف على الأنساب والأصهار، علاوة على تقوية جذور العائلات الفلسطينية التي تخوض حرب وجود مع الاحتلال الإسرائيلي الدخيل.
بدوره، اختص الفلسطيني يوسف الغفري في ترجمة السجلات العثمانية وتصميمها، ويقول لـ"العربي الجديد" إنه قام بتحويل السجلات بعد ترجمتها إلى ملفات PDF، وذلك بعد جمع أسماء العائلات وترتيبها أبجديا، فيما شاركه عودة الغفري في ترجمة السجلات الخاصة بحيّي الدرج والتفاح، ومن ثم أحياء التركمان والزيتون وإجديدة، وصولا إلى المراجعة والتدقيق النهائي للخروج بأقل الأخطاء.
وتهدف مبادرة تأصيل العائلات الفلسطينية إلى تعريف كل عائلة بأجدادها وأصولها، إلى جانب أنها "تثبت يقينا أن فلسطين لها سكان، يملكون الأرض والبلاد، وأن غزة وحدها كانت تضم أكثر من ألف عائلة، يعيشون في كنفها وينعمون من خيراتها ويتقاسمون أرضها، وهم أصحاب الأرض، فيما يتم التأكيد في الوقت ذاته على أصول العائلات في كل الألوية الفلسطينية الستة، وعددهم نحو مليون فلسطيني، حيث كان لواء غزة يضم، وفق أعضاء اللجنة، نحو 94 ألف نسمة، ولواء القدس 134 ألف نسمة، ولواء يافا 45 ألف نسمة، وفي المقابل كان عدد اليهود ضئيلا جدا، إذ أحصت السجلات العثمانية أعداد الرومان واللاتين واليهود، وكان عدد اليهود هو الأقل، فيما زاد عدد اليهود بعد الاحتلال البريطاني عام 1917، وقد بدؤوا بالتكاثر حتى عام 1947، حين انسحبت بريطانيا وقامت بتسليم البلاد للعصابات الصهيونية.