داعبني صديقي الساخر بأنه ينبغي عليّ أن أغيّر لقبي أو أن أذهب للإقامة في كينيا، وإلا فإنّه سوف يطالب بوضعي في متحف التاريخ الطبيعي لأنّه لم يعد للفيلة وجود من ضمن خريطة الحياة البرية في السودان، وأنّ آخر فيل شوهد يمشي في بلادنا كان بُعيد انتحار فيل حديقة الحيوانات، حين عبرت عائلة فيلة صغيرة الحدود السودانية الأثيوبية قبل أكثر من عام ثمّ عادت أدراجها تحت مراقبة الجهات المعنية في البلدين.
كنّا قد قضينا شهوراً طويلة بين عامَي 2001 و2005 نجوب محمية الدندر، وفي مواسم مختلفة، من دون أن يقع بصرنا إلا على أثر فيل عابر للحدود الجنوبية الشرقية، وهذا هي الحال في المحميات الطبيعية في السودان البالغ عددها 12 محمية.
تعزو الخبيرة في مجال الحياة البرية، سلوى منصور، اختفاء الأنواع أو انقراضها إلى التغيير الذي حدث في بيئاتها، إذ "لم تَعُد بيئات عدّة مناسبة لوجود تلك الأنواع، فالتلوّث يضعف النظم البيئية، فضلاً عن الصيد الجائر خصوصاً للفيلة، لانتشار تجّارة العاج، وكذلك عدم توفّر الإمكانات للرصد في ظل الظروف الصعبة، إلى جانب القصور في تنفيذ بنود اتفاقية سايتس للنباتات والحيوانات المهددة بالانقراض".
في عام 2009، ناقش البرلمان السوداني قضيّة انقراض بعض الفصائل النادرة، خصوصاً الثديات الكبيرة كالفيلة والأسود والنمور والزرافات، بيد أنّ الأمر لم يتعدّ الحديث عن ثغرات القوانين وأثر الهجرات الكثيفة إلى المناطق الغنية بيئياً، ما أدّى إلى وضع هذه الحيوانات في دائرة التهديد المباشر من قبل السكان الجدد بالقرب من تلك الموائل.
لكن ماذا جرى في البلد الذي اقترحه عليّ صديقي بوصفه عامراً بالفيلة؟ كانت الفيلة الكينية بمنأى عن كلّ ما يمكن أن يهدّد وجودها، فالاستقرار والاستثمار السياحيَّين جعلا قوانين حماية الحياة البرية رادعة، كما أنّ الطبيعة ما زالت في حالة من التعافي واستدامة العطاء، ما يمنح التنوّع الأحيائي فرصاً للبقاء والتطوّر. لكنّ زراعة الأفوكادو باتت تهدّد وجود الفيلة، وقد زادت صادرات كينيا من تلك الفاكهة أو الخضروات التي توصف بأنّها "خارقة" في الآونة الأخيرة، لتصير على رأس قائمة الدول المصدّرة لها، على الرغم من تحذيرات الخبراء من أنّ المزارع التي تنتج الأفوكادو تستهلك كميات كبيرة من المياه وتؤثّر على النظام البيئي. ومن شأن ذلك وضع الفيلة الأفريقية على القائمة الحمراء للكائنات التي تواجه خطر الانقراض نتيجة نقص المياه، ويستشهد الخبراء بنفوق 356 فيلاً بشكل غامض في جمهورية بوتسوانا في خلال منتصف عام 2020، ما أثار قلق السلطات والجمعيات البيئية.
ووفق تحذيرات وجّهها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، فإنّ تدمير مواطن العيش الطبيعية والأراضي الزراعية إلى جانب الصيد غير القانوني، يُعَدّان من الأسباب الرئيسة للتراجع الكبير في أعداد الفيلة الأفريقية.
(متخصص في شؤون البيئة)