اليساريون والإسلاميون في فلسطين... إلى أين؟

11 يوليو 2016
(تصوير: حازم بدر)
+ الخط -
أجلت التيارات الفكرية السياسية في فلسطين جدالاتها إلى أجل محدد بالتحرّر من الاحتلال، فرغم تنوع الأحزاب السياسية التي يتبنى كل منها تياره الفكري الخاص، إلا أنها تلتقي بهدفها الأساسي الذي لا خلاف عليه، وإن كانت تختلف في أهدافها السياسية الداخلية، وترتيب أولوياتها الثانوية.

وخلافًا للمجتمعات المحيطة، وما تشهده من تطرف التيارات السياسية الفكرية كل لنفسه، ستجد في فلسطين تيارات لا تلتقي في أفكارها ولكن تتحد في الميدان سعيًا لتحقيق مصالح مشتركة، كما حصل في التسعينيات عندما تحالفت الأحزاب اليسارية والإسلامية ضد توقيع اتفاقية أوسلو، وما تبعه في ما بعد من ممارسات للسلطة الفلسطينية، والتي اعتبرت مساسا بثوابت القضية.

وفي ظل تراجع الأحزاب في أدائها السياسي والاجتماعي، بدأت التيارات الفكرية تتمظهر بأشكال سياسية جديدة تمثلت بالسنوات الأربع الأخيرة بالأصوات المستقلة، فيبين الكاتب والأستاذ الجامعي صالح مشارقة، أنه ومنذ عام 2012 تمظهرت التيارات السياسية في شكل جديد وهو الحراك الشبابي المستقل الذي بدأ بالمطالبة بإنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس الذي وقع عام 2006.

ومن الأشكال الجديدة التي ظهرت مؤخرًا في أوساط الشباب، "اليسار الفتحاوي"، ويوضح مشارقة، أن ذلك لا يعني تحول الشباب الفتحاوي إلى اليسار، وإنما وجود حراك يساري داخل فتح ذاتها، وهو ما شهدته الحركة في السبعينيات والثمانينيات بما تمثل بالكتيبة الطلابية وعدم تحملها البقاء تحت أمرة القائد العام لتبادر بتشكيل محور قتالي وسياسي وفكري، خارج الإطار الرسمي لحركة فتح.

الشباب الفلسطيني من أبناء اليسار وحركة فتح تمردوا على الالتزام الحديدي في حركاتهم السياسية. ويرى مشارقة، أن الجيل الجديد لفتح والجبهة الشعبية بات يلاحظ عليهم الوسطية المتقبلة للآخر رغم التشدد في بعض الأحيان، على خلاف أبناء حركة حماس الذين ما زالوا متمسكين بالتزامهم الحديدي.

وعن تقبل الدخول التيارات الإسلامية للسلطة، يبيّن مشارقة أنه ولغاية عام 2006 كان ذلك واردًا وعاديًا، ولطالما كانت الأحزاب اليسارية تناكف فتح والسلطة بتقربها من الإسلاميين، إلا أن خوض حماس للانتخابات بارتباكاتها الداخلية والخارجية، سبب تجربة صعبة وعسيرة، مشيرًا إلى أن تجربة الربيع العربي وما تبعه من ظهور لداعش والحركات الإسلامية المتطرفة في الدول العربية، خلق نوعا من النفور من التيارات الإسلامية، وخاصة أنه تم ارتهانها لأجندات خارجية تخلو من التنظير الاجتماعي، والفكر الثوري.

أما الناشط الشبابي ضياء علي، فيقول إنه ورغم الصدام الحاد الذي وقع بين حركتي فتح وحماس، إلا أنه لم يكن أيديولوجيا، وخاصة أن التيارات السياسية الفكرية في فلسطين تمتاز بأنها أقل تعصبا من غيرها بالخارج، إلا أنه كان لذلك انعكاس سلبي باستخدامه مبدأ تقبل الآخر كمدخل للتطبيع مع الاحتلال، وذلك من خلال بعض الحركات الشبابية التي روجت لاستيعاب الآخر وتفهمه، "نحن نتقبل كل الآخر باستثناء الاحتلال، الذي لا يوجد سلام يجمعنا به".

ويرى ضياء أنه ورغم أن الخلافات بين الأحزاب السياسية الفلسطينية في أوجها، وهذا ما يسعى له الاحتلال من خلال خلق أزمة داخلية، إلا أن ما يجتمع عليه الفلسطينيون أكثر وأقوى من الذي يفرقهم، مضيفا أن الأحزاب والتيارات السياسية يجب أن يكون هدفها مواجهة الاحتلال، وإن فشلت فسيلقى عاتق ذلك على الحراك الشبابي الذي عليه إعادة توجيه المسار وتغيير القيادة.

فيما يرى الكاتب في الفكر الإسلامي، ساري عرابي، أن الخلاف الإسلامي العلماني من الناحية الأيديولوجية والفكرية في فلسطين أقل مما عليه في العالم العربي، ويعود ذلك إلى مجموعة من الاعتبارات من ضمنها الاحتفاظ ببنى المجتمع الأهلي لفترة زمنية حيث كان رمز الحركة الوطنية الفلسطينية هو رجل دين، ليتراجع ذلك في ظل تقدم الثورة الفلسطينية المعاصرة والتي كانت علمانية رغم تأسيسها على يد نشطاء من الإخوان المسلمين، ويعود ذلك لتأثرها باليسار الذي كان مهيمنا في السبعينيات على الحركة الوطنية الفلسطينية، وتأثرها بتجارب ثورية عالمية ذات طابع ماركسي.

وإلى أوائل الثمانينيات وتزامنًا مع الثورة الايرانية، والاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وظهور الإحيائية الإسلامية الثانية في العالم العربي، يبين عرابي أنه ظهر تحول جديد في فلسطين نحو التيار الإسلامي، لينبثق داخل فتح ذاتها تجارب إسلامية، ثم بدأ انتشار حركة الجهاد الإسلامي، ثم حركة حماس، مؤكدًا أن ذلك لم يحول الصدام على أساس أيديولوجي وذلك لخصوصية المجتمع الفلسطيني الواقع تحت الاستعمار، والأولية التي تفرض نفسها على كافة التيارات بمحاربة المستعمر.

ويرى عرابي، أن الخلاف الكبير الذي وقع بين حماس وفتح، هو خلاف سياسي وليس أيديولوجيا، خصوصًا أن حركة فتح لا تتبنى فكرًا معاديًا للدين، فيما تحول الصدام بين التيارين اليساري والإسلامي في السبعينيات إلى تحالفات سياسية.

ويقول عرابي إن الحالة الفلسطينية تثبت دائمًا امتلاكها القدرة على تأخير الخلاف الأيديولوجي على حساب مقاومة المحتل، كمشروع القوى الفلسطينية العشر عام 1993، والذي كان عبارة عن تحالف يتضمن أحزاب اليسار وحركتي حماس والجهاد بهدف مواجهة اتفاقية أوسلو، وما تبعه من تحالفات الكتل الطلابية اليسارية الإسلامية في الجامعات.

أما الناشط الشبابي إسلام أبو عون، فيبين أن التيار اليساري ينظر إلى الساحة الفلسطينية من عين التيار الليبرالي العربي، فمثلًا ينظر إلى حركة حماس بشك وريبة وخاصة بعد أحداث الربيع العربي، حيث بات يلمز لحماس ويتهمها ببيع المواقف والتحالف مع الإمبريالية الدولية، فيما يعادي التيار المدني وصول الإسلاميين إلى الحكم وهو ما ظهر في الأدبيات خلال العامين الماضيين والتي تحدثت عن التيارين الأصولي والإسلامي السياسي، وما تضمنه من ترويج أن الإسلاميين يستغلون الديمقراطية للوصول إلى الحكم ثم يتخلون عنها.

وحسب أبو عون، فالتيار اليساري قفز عن التجارب السابقة دون أن يأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الفلسطينية، متجاهلًا التحالفات السياسية السابقة مع الأحزاب الإسلامية، مبينًا أن الأحزاب اليسارية والليبرالية وجزءا من التيار الإسلامي، تناولت الانعكاسات الإقليمية وأسقطتها على الحالة الفلسطينية دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصيتها.

ويؤكد أبو عون أن الخلافات والتعصبات الإيديولوجية بين التيارات غير مرتبطة بقواعدها على الأرض المتميزة بتماسكها وتلاحمها بالأمور الفلسطينية الداخلية، وإن اختلفت في الأمور الخارجية، مشيرا إلى أنها تلمس فقط في الجانب الترفي وفي الصالونات الثقافية والنقاشات الفكرية للمفكرين والكتاب.

المساهمون