عدا عن الضغوط النفسية وعدم قدرة البعض على تلقّي العلاج، تُلاحق الوصمة الاجتماعية المصابين بفيروس كورونا وعائلاتهم، ما يزيد من الضغوط النفسية عليهم. ويعاني المصابون بالفيروس أو المخالطون لحالات مصابة من التشهير بهم وبعائلاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، علماً أن قوانين البلاد تعاقب الأشخاص الذين يعمدون إلى التشهير بالآخرين.
وتقول س. ب.، التي كانت قد أصيبت وشفيت من كورونا، إنها عانت كثيراً خلال الأيام الأولى لإصابتها بالفيروس نتيجة الضغوط التي مورست بحقها من قبل جيرانها القاطنين في المبنى نفسه، وقد اتهموها بالتسبّب في نقل العدوى إلى حيّهم. وتؤكد أن الوصمة الاجتماعية كانت أشد عليها من الإصابة بالفيروس. وتقول لـ "العربي الجديد" إنها أعلمت السلطات الصحية في جهتها بإصابتها بأعراض كورونا والتزمت الحجر المنزلي التام خوفاً على صحة المحيطين بها. إلا أن تصرفها المسؤول، على حدّ قولها، لم يحل دون إطلاق نعوت بشعة بحقها، كما وصفتها.
وعلى الرغم من أن نتيجة فحص كورونا الذي أجرته أخيراً كانت سالبة، ومرّ شهر على شفائها التام من المرض، ما زالت تعاني بسبب نظرات "الازدراء" من قبل بعض جيرانها. في هذا السياق، تخشى منظمات وناشطون من تفاقم هذه النظرة في ظل ارتفاع أعداد حالات الإصابة، معتبرين أن الوصمة الاجتماعية تؤثر على قدرة المرضى على مقاومة الفيروس نتيجة الضغوط النفسية التي تمارس بحقهم وحق عائلاتهم، عدا عن العزلة الاجتماعية.
في هذا الإطار، يقول رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان، عبد الباسط بن حسن، إن الوصمة الاجتماعية التي يعاني منها المصابون بالفيروس تتحوّل إلى عنف اجتماعي ونفسي يستمر حتى بعد شفائهم من الفيروس. ويطالب بحلّ قانوني لهذه القضية من خلال محاسبة كل من يحاول التشهير بالمريض أو من يروّج اسمه أو يُعلِم عن منطقة وجوده وعائلته، مؤكداً أنً أسراً عديدة عاشت تحت ضغوط كبيرة بسبب المرض والوصمة التي لاحقتها، كما يقول لـ "العربي الجديد".
ويرى بن حسن أن للمؤسسات الحكومية دوراً مهماً في مكافحة الوصمة الاجتماعية بالتوازي مع حملات مكافحة الكورونا لتجنب الآثار النفسية الكبيرة التي قد يخلفها الإقصاء الاجتماعي للمرضى أو حتى عائلات المتوفين من ضحايا الفيروس.
وبعد تفشي الموجة الأولى من الوباء في مارس/ آذار الماضي، واجهت عائلات تونسية صعوبات كبيرة لدفن ضحايا الفيروس بسبب رفض المواطنين دفنهم في مقابرهم، قبل أن تتدارك السلطات الرسمية الأمر وتضع بروتوكولاً خاصاً لدفن ضحايا الفيروس.
من جهة أخرى، فإنّ للخوف من الوصمة الاجتماعية تأثيراً على عمل الأطباء المكلفين بأخذ عيّنات من المرضى أو المشتبه بإصابتهم بالفيروس، كما يؤكد طبيب الطوارئ جاد الهنشيري، الذي يواجه صعوبات يومية بسبب تمنّع المرضى أو المشتبه بإصابتهم بالفيروس والكشف عن مناطق سكنهم. يقول لـ "العربي الجديد": "بعض المصابين يطلبون من فريق الأطباء ركن سيارة الإسعاف التي يستخدمونها خلال تنقلاتهم بعيداً عن الأعين خوفاً من الوصمة الاجتماعية التي تلاحقهم سواء من السكان أو الجيران".
الوصمة الاجتماعية تؤثر على قدرة المرضى على مقاومة الفيروس
ويرى الهنشيري أن للوصمة الاجتماعية عواقب قد تكون أشد خطورة من المرض نفسه، إذ يدفع الناس إلى إخفاء المرض بهدف تجنّب التمييز والإقصاء بحقهم، كما تمنعهم من الحصول على الرعاية الصحية الفورية، الأمر الذي قد يساهم في انتشار الفيروس ويقوض جهود الدولة في مكافحة الوباء.
وأخيراً، أعلنت الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية توجهها إلى القضاء بسبب خرق السلطات المحلية في محافظة المنستير (تقع على بعد 150 كيلومتراً شرق العاصمة تونس) قوانين حماية المعطيات الشخصية للمصابين بكورونا، بعد نشر قائمة بأسماء المرضى على الموقع الرسمي لبلدية "بنان".
ويقول رئيس الهيئة وقي قداس، إن نشر 15 اسماً لمصابين بكورونا على مواقع التواصل الاجتماعي يعدّ خرقاً للقانون وتشهيراً بإنسان مريض، وتمييزاً سلبياً وليس إيجابياً. يضيف أن نشر أسماء المواطنين بتلك الطريقة يعد عملاً إجرامياً يعاقب عليه القانون، مشيراً إلى أن الهيئة اتخذت قرارها بإحالة الملف إلى وكيل الجمهورية في المحكمة الابتدائية محسن الدالي والتوجه إلى القضاء. ويمكن للأشخاص المعنيين بالأمر التقدم بشكوى لوجود خرق واضح للقانون.
والوصمة الاجتماعية، بحسب الباحثة المتخصصة في علم الاجتماع، صابرين الجلاصي، مرتبطة أساساً بالانحراف عن القواعد الأساسية للمجتمع . إلا أن الفوبيا العالمية من الوباء من جراء العجز عن إيجاد دواء له، ساهمت في تكريس هذه الوصمة.
وتؤكد الجلاصي لـ "العربي الجديد" أن هذه الوصمة زادت من حالة الهلع التي يعاني منها الأفراد، ولا سيما المرضى منهم وذووهم، في وقت تحتاج هذه الفئات إلى الدعم النفسي والمعنوي أكثر من أي وقت مضى للتغلّب على المرض. تضيف أن الوصمة الاجتماعية تعدّ جزءاً من الثقافة التونسية، وهو ما يفسّر عزل المواطنين بل ونبذهم مرضى كورونا. ِ