نشأ الشاب العشريني، إسلام فارس أحمد، في عائلة نوبية يتحدّث أجداده فيها لغة ضفاف النيل، لكنه لم يتعلم باكراً اللغة النوبية التي قلّ استخدامها.
يعيش إسلام في قرية أدندان، التابعة لمركز نصر النوبة، بمحافظة أسوان، وكان تعليمه المدرسي باللغة العربية، لكنه لم يكن يستطيع أن يتحدث مع جدته التي لا تتكلّم العربية.
ازدواج اللغة عند النوبيين من القضايا المهمة، لأنهم يتحدثون باللغة العربية أو العامية المصرية في العمل وأماكن التعليم، بينما تظل اللغة النوبية وسيلة التواصل الرئيسية في البيوت.
ويقول إسلام لـ"العربي الجديد"، إنّ اللغة النوبية رمز الهوية والانتماء لأيّ نوبي، معرباً عن أسفه لقلة عدد الشباب الناطقين بها في القرى كافة بسبب قلة تداولها بعد اندثار الكتابة بها.
يؤكد إسلام أنه يستطيع فهم اللغة النوبية منذ كان في العاشرة من عمره، لكنه لا يستطيع التحدث بها. إثر ذلك، بدأ التحدي حتى تمكّن من تعلّمها أخيراً بمساعدة جدته التي لا تتحدث إلا النوبية. الجدة قادمة من منطقة التهجير، موطن النوبيين الأصلي بالقرب من السد العالي.
وتناقل النوبيون لغتهم شفاهة، وفقاً لإسلام. كما نُقشت على جدران المعابد في مدينة مروي النوبية القديمة، ودونت بهذه اللغة نصوص مسيحية قديمة، قبل أن تختفي الأبجدية تدريجياً.
وبحسب إسلام، أعيد اكتشاف كتابة اللغة النوبية بواسطة الأكاديمي، مخمار خليل كبارة، الذي وضع أحرفا أبجدية لتدوينها وقواعد نحوية لها.
ويعرب إسلام عن سعادته لأنّ أدندان من أكثر القرى التي تحاول المحافظة على اللغة الأم، حيث يتحدث بها كافة الفئات العمرية، مشيراً إلى أنّ سماع الأغاني النوبية كانت من ضمن أهم العوامل التي عملت على حفظ اللغة النوبية، والتحدث بها بطلاقة.
وتنقسم اللغة النوبية إلى لهجتين، كنزي وفاديجي، وفقاً لما قاله عمر فاروق حسني، من قرية قسطل، التابعة لمركز نصر النوبة، موضحاً أنّ متحدثي اللهجتين لم يكونوا يفهمون لهجتي بعضهم.
وتابع عمر: "اللغة النوبية في الأصل كانت تقرأ وتكتب، لكنها تأثّرت بسبب العصور القديمة المختلفة لاسيما القبطية واليونانية والمروية، وتتكون وفقاً للأكاديمي، خليل جبارة، من 26 حرفا".
من جهته، يقول عضو جمعية التراث النوبي، منتصر أحمد حسن، إنّ اللغة عند النوبيين تمثل الهوية، فلا يتحدثون بطلاقة إلا من خلالها.
ويعرب منتصر عن أسفه، لأنّ اللغة مهددة بالاندثار بسبب العوامل البيئية بعد تهجيرهم من موطنهم الأصلي على ضفاف النيل، وباتت الثقافات المختلفة تحيطهم في مدينة كوم أمبو من كل جانب، ما تسبب بتغيير بعض العادات والتقاليد.
ويكمل منتصر أنه منذ العام 2004، بدأ في إصدار كتب متعددة في مجالات مختلفة باللغة النوبية وبدأ في كتابة قاموس للغة النوبية يتضمن 3 آلاف كلمة، وجرى إدراجه على شبكة الإنترنت، بل وإصدار كتب باللغة النوبية، تتضمن 75 أسطورة مكتوبة من حكايات الآباء والأجداد.
ويسرد قائلاً: "منذ خمس سنوات بدأوا في تعليم الأطفال الحروف النوبية والقيمة الصوتية لكل حرف حتى يتمكنوا من القراءة والكتابة بطلاقة، وذلك من خلال دورات تدريبية في مراكز الشباب وكذلك استخدامها في الأشعار والأغاني، بل وترجمة اللغة إلى لغات متعددة لمن يريد أن يتعلمها، بالإضافة إلى نشر مقاطع فيديو عبر الإنترنت وتطبيقات الهواتف المختلفة".