المناهج والرسوم والرواتب أبرز تحديات التعليم في سورية

14 ديسمبر 2024
مدرسة في معرة مصرين. 30 سبتمبر 2023 (محمد الرفاعي/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التحديات التعليمية: تواجه سوريا نقصًا في الكوادر التعليمية بسبب الهجرة والاعتقالات، وتعرض المباني للتخريب، مع صعوبات في توفير المستلزمات الأساسية مثل الكتب والتدفئة، مما يثير القلق حول قدرة الحكومة الانتقالية على تحسين الأوضاع التعليمية.

- التحديات الاقتصادية والنقل: يعاني الطلاب من ارتفاع تكاليف النقل، وتأخر الرواتب للمعلمين، مما يزيد الأعباء المالية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وندرة وسائل النقل العامة.

- التغييرات المتوقعة: هناك دعوات لتحديث المناهج لتشجيع البحث العلمي، وتأهيل الكوادر التعليمية، وتوفير بيئة آمنة، مع إعادة النظر في القوانين الإدارية والبرامج الجامعية لتناسب المرحلة الانتقالية.

يبدأ الدوام التعليمي مجدداً في المدارس والجامعات السورية، صباح غد الأحد، وسط تحديات وأزمات كثيرة، من بينها المباني والمناهج وكلفة النقل، فضلاً عن كيفية إدارة تلك المؤسسات.

أعلنت الحكومة الانتقالية في سورية عودة الدوام في جميع المدارس والجامعات اعتباراً من صباح غد الأحد، وذلك بمن حضر من الكادر التدريسي والإداري، وبمن يحضر من الطلاب، مطالبة الطلاب غير القادرين على الحضور بالتواصل معها، وضرورة الحضور في أوقات الامتحانات.
ويعاني التعليم السوري أوضاعاً متردية منذ سنوات، إذ شهد نقصاً كبيراً في أعداد الكوادر التعليمية لأسباب أهمها الهجرة والهرب من الخدمة العسكرية الإلزامية والاعتقالات والقتل، ولا يعرف بعد مصير العاملين في هذا القطاع ممن كانوا يدينون بالولاء للنظام السابق، ولا معلومات عن الرواتب والأجور، وينتظر أولياء التلاميذ معرفة مدى قدرة الحكومة الانتقالية على تقديم خدمات أساسية مثل الكتب المدرسية والتدفئة.
وتعرضت مقار العديد من المدارس والجامعات خلال الأيام الماضية إلى أعمال تخريب ونهب، ومثلها السكن الجامعي في أكثر من مدينة، ما يشكل عائقاً إضافياً أمام عودة أعداد كبيرة من الطلاب إلى الدوام.
جمع مدير مدرسة الحرية للتعليم المتوسط في السويداء، إياد سالم، عدداً من الطلاب خلال الأيام الماضية، وشاركهم تنظيف ساحات المدرسة استعدادًا لبدء الدوام. ويقول لـ"العربي الجديد": "سنتابع العام الدراسي من حيث توقفنا، وسيكون قطاع التعليم في مقدمة القطاعات العاملة مهما صدر من تعليمات أو قرارات تخص المناهج أو أوضاع المدرسين، فالمدرس يحمل رسالة، ولن يعوقه شيء عن تأديتها. كل مدرس خان مهنته خلال السنوات الماضية عليه أن يتخلى عن موقعه من نفسه لأن زمن الفساد قد ولى، ولا أحد يستطيع أن يخفي تاريخه. المعلمون من بين أكثر من ظلموا في العهد السابق الذي مورست فيه كل أشكال الإذلال لهم".
يضيف سالم: "العوائق المتوقعة تشمل تخلف بعض المدرسين، وما يسببه ذلك من فراغ، وما زلنا نعاني من غياب مدرسي الاختصاص، أما الجانب الخدمي فلم يتغير فيه شيء، فجميع مدارس سورية تعاني من نقص حاد في المستلزمات التعليمية، ونطمح حالياً في دعمنا بالأساسيات، وفي مقدمتها مازوت التدفئة وأجور المواصلات للمدرسين. اللباس الموحد ليس عائقاً أمام الطلاب، وقد أكدت المديرية سابقاً التغاضي عن اللباس الموحد، وبدورنا أعطينا الحرية الكاملة للطلاب بما يتناسب مع الحشمة والآداب العامة".

جامعات سورية متردية مثل مدارسها. 21 يناير 2023 (لؤي بشارة/فرانس برس)
جامعات سورية متردية مثل مدارسها. 21 يناير 2023 (لؤي بشارة/فرانس برس)

تدرس الطالبة إيفا رافع، من السويداء، في جامعة غباغب الخاصة، وتقول لـ"العربي الجديد": "لا يمنع التحاقي بالكلية سوى أجرة النقل التي ارتفعت أكثر من 500%، إذ كنّا ندفع يومياً ما بين 20 إلى 30 ألف ليرة ذهاباً وإياباً، أما اليوم، فالأرقام تتراوح بين 100 ألف و150 ألف ليرة. هذه أرقام لا يمكننا دفعها، ولا يمكن أن يتحمل الطلاب كلفة نقل تزيد عن مليوني ليرة شهرياً، فضلاً عن رسوم التعليم، والتكاليف الإضافية الناتجة عن ارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية".
إلى ذلك، لا يزال طلبة المدن الجامعية في سورية في منازلهم بانتظار وضوح صورة الدوام في الجامعات، ومدى استعداد الكادر الأكاديمي لمتابعة التدريس، خاصة أن معظم أفراد الكادر ومن كانوا يشغل مراكز هامة في الجامعات يتبع بشكل أو آخر السلطات السابقة، ويأتمر بقرارات حزب البعث.
كان داني عبيد، أحد المقيمين في السكن الجامعي باللاذقية، وجرى اعتقاله من داخل المدينة الجامعية خلال العام الماضي بتهمة معارضة النظام. ويقول لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن العديد من الأساتذة الذين أعرفهم لن يعودوا للتدريس إلا مرغمين، وهذا سيسبب خللاً في الكادر التعليمي إذا لم يكن هناك بدائل في القريب العاجل. الأهم أن عودتنا إلى السكن الجامعي في اللاذقية يعوقها معرفة الشروط الجديدة، وهوية الإدارة الجديدة، فقد كنّا نعيش الخوف والرعب بمجرد المرور أمام غرفة الحراسة. يبدو أننا نحتاج إلى فترة من التجربة كي نستطيع التعامل مع شكل حياتنا الجديدة، وجل ما أخشاه هو الأعمال الانتقامية، فقد عشنا كطلاب زمناً من الكبت والرعب، ونحلم أن نتخطى هذا بسلام".
وتقول المرشدة الاجتماعية رنا الحضوة لـ"العربي الجديد": "كنّا مستعدين بوصفنا مرشدين ومدرسي اختصاص خلال السنوات السابقة للتعامل مع أي منهاج تربوي، خاصة مع عدم اقتناعنا بالمواد التي تُمجّد رموز النظام على حساب التاريخ الحقيقي لسورية، وأرى أنه سيكون من السهل التعامل مع منهاج جديد يحفز الطلاب على البحث العلمي، والانفتاح على تجارب الشعوب الحرة ونضالها. لكن الكادر التدريسي منهك، ويعجز أفراده عن تأمين مستلزمات حياتهم اليومية، ويريدون أن يشعروا بالأمان بعدما كانوا من بين أكثر المستهدفين من النظام السابق، عندها لن يكون من الصعب تأهيل كوادر تربوية تتولى تدريس المناهج الجديدة، ويقترح البعض إلغاء بعض المناهج الحالية، مثل التربية الوطنية والتاريخ".

تلاميذ مدرسة سورية خاصة. 17 سبتمبر 2023 (عارف وتد/فرانس برس)
تلاميذ مدرسة سورية خاصة. 17 سبتمبر 2023 (عارف وتد/فرانس برس)

وحسب أحدث أرقام المكتب المركزي للإحصاء في سورية، فإن مجموع أعداد طلاب المدارس يبلغ 3,475,047 طالباً وطالبة، منهم 2,120,120 في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي، و854,756 في المرحلة الثانية، و371,384 في الثانوية العامة، و128,787 في الثانويات المهنية والشرعية، فيما يتخطى عدد المدارس 4 آلاف مدرسة، من بينها 2,286 مدرسة صالحة لبدء الدوام. ويداوم في سورية نحو 133,677 طفلاً دون سن السادسة في روضات خاصة وحكومية يبلغ عددها 2,284 روضة مسجلة.
فيما تكشف إحصائيات غير رسمية عن وجود أكثر من 600,000 طالب وطالبة في الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة، الحكومية والخاصة، موثق منها لدى المكتب المركزي للإحصاء 467,648 طالباً وطالبة، من بينهم 23,783 باحث ماجستير و3,116 باحث دكتوراه. فيما يتجاوز عدد الكليات والمعاهد والمراكز التعليمية العامة والخاصة 452 معهداً وكلية.
ولا توجد إحصائيات دقيقة حول أعداد المعلمين الموجودين على رأس عملهم، فيما تم توثيق 2,123 إدارياً، بينما يتجاوز العدد المتوقع للمدرسين 10 آلاف مدرس ومدرسة في مراحل التعليم الأساسي والثانوي، وتشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 8 آلاف مدرس في الجامعات والمعاهد العليا.
ويتخوف فاضل القره جنه، وهو أحد مديري المدارس في ريف اللاذقية، من تأخر الرواتب في ظل ضبابية المشهد. ويقول لـ"العربي الجديد": "غالبية موظفين القطاع، وخاصة المعلمين، سيشكل النقل تحديًا لهم، إما لعدم توفره بشكل كافٍ، أو لكون معظمهم أفلسوا لأنهم لم يستلموا رواتبهم. وحتى لو استلموا مستحقاتهم، فإن قلة وسائل النقل العاملة سيكون سببا في قيام السائقين باستغلالهم، أي أن الراتب الذي كان بالكاد يكفيهم أجور نقل، لن يكفيهم في ظل الغلاء".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ويضيف: "نترقب جميعاً، هل سينصف المعلم في العهد الجديد؟ وهل سيكون التعليم ذا شأن حقًا؟ يجب على الحكومة الجديدة أن تضع التعليم نصب عينها إن كانت تريد بناء جيلًا يخرج بالبلاد من عصر الظلام، كما أقترح إضافة مناهج مهنية وصناعية لجميع الصفوف، فهي الرافعة لاقتصاد البلد والضامن للتقدم العلمي. المعلم في كل الدول المتقدمة هو الأساس، عسى أن يصبح في بلادنا كذلك، وأن يُكرَّم معنويًا ومادياً".
بدوره، يؤكد الأكاديمي السوري المختص في الاقتصاد، أسامة عبد الهادي، أن "الدراسة الجامعية ستبقى على حالها في الوقت الحالي، وضمن البرامج الموضوعة مسبقا. تعديل البرامج والمناهج الجامعية، خاصة الأدبية، بحاجة إلى وقت وجهد، فضلًا عن تعديل القوانين الإدارية، وكيفية تسيير الأعمال الإدارية. المطلوب في الوقت الحالي هو السير وفق خطط العمل السابقة في الجامعات، وفي الفترة المقبلة يمكن التعامل مع الأمر بمنظور مختلف بعد الانتقال إلى حالة الاستقرار، خاصة في الجامعات الكبرى، مثل جامعة دمشق وجامعة تشرين وجامعة حلب وجامعة البعث، والتي أعتقد أنه سيتم تغيير أسمائها في المرحلة المقبلة".
يضيف عبد الهادي: "الفترة القادمة ستكون صعبة من ناحية التعليم الجامعي، والضبط والإدارة والمناهج، والمتطلبات لتأهيل البنية التحتية في الجامعات السورية، وهي بنية ضعيفة، وهناك ملفات مهمة يجب دراستها بجدية، مثل ملفات الطلاب المفصولين من قبل النظام المخلوع، والقسم الأكبر منهم سيعود إلى مقاعد الدراسة".