المغرب يعلن الحرب على الآبار العشوائية.. سجن وغرامات مالية

30 يونيو 2022
خلال عملية انتشال الطفل ريان من البئر التي سقط فيها (فرانس برس)
+ الخط -

يسابق المزارع المغربي رضوان بوعزاوي الوقت من أجل ردم بئر عشوائية كان قد تخلّى عنها قبل نحو ستّ سنوات بعدما نضب ماؤها، مخافة أن يتعرّض لملاحقة قضائية بعد موافقة الحكومة، يوم الإثنين الماضي، على مناقشة مقترح قانون يفرض على المخالفين عقوبات بالسجن تصل إلى سنتَين، بالإضافة إلى غرامات مالية.

يقول المزارع الأربعيني، لـ"العربي الجديد": "مباشرة بعد فاجعة الطفل ريان (فبراير/ شباط 2022)، أصدرت السلطات في جهة بني ملال خنيفرة (وسط البلاد)، تعليمات صارمة من أجل إغلاق الآبار العشوائية والمهملة، وعملت على ردم عدد منها"، مؤكداً أنّه بعد مأساة وفاة الطفل ريان "كان من الضروري أن أردم البئر وتأمين محيطها".

ويضيف بوعزاوي: "لا يمكن لأحد أن ينكر أنّ ثمّة من يحفر في الأرض بحثاً عن ماء، وعندما لا يجده يحفر في أماكن أخرى من دون إغلاق الحفر الأولى أو تحصينها. كذلك ثمّة من يحفر بئراً بكلفة تصل إلى 80 ألف درهم مغربي (نحو ثمانية آلاف دولار أميركي)، لكنّه يتهاون في تأمين محيطها لقاء خمسة آلاف درهم فقط (نحو 500  دولار)، في ظلّ غياب أيّ تدخّل لإرغامه على ذلك".

وأعاد مصرع الطفل ريان أورام، الذي ظلّ عالقاً لأكثر من 100 ساعة في بئر يزيد عمقها عن 30 متراً، في ضواحي مدينة شفشاون، شمالي المغرب، في الخامس من فبراير الماضي، الحديث عن خطر آلاف الآبار العشوائية والمهملة على حياة المغاربة وسلامتهم، لا سيّما أنّها تحوّلت إلى مصدر للموت بعد التهامها عدداً من المغاربة، خصوصاً الأطفال.

وبينما تأتي مأساة الطفل ريان نموذجاً لعشرات الحوادث من هذا النوع تُسجّل في البلاد، دفع المآل المأساوي الذي لقيه الصغير إلى دقّ ناقوس الخطر وإطلاق دعوات لتسييج الآبار العشوائية والمهملة وطمرها، نظراً إلى الخطر الكبير الذي تشكّله على حياة المغاربة.

وتفيد الباحثة في مجال المناخ ورئيسة جمعية "إنماء للتضامن والتنمية المستدامة" (غير حكومية) إلهام بلفحيلي بأنّ "ثمّة ثلاثة أنواع من الآبار في المغرب؛ أوّلها الآبار التقليدية المهترئة، ثمّ الآبار التي تسيّرها جمعيات المجتمع المدني لتزويد السكان بمياه صالحة للشرب، إلى جانب الآبار العصرية التي تُدرَج في إطار مخطط المغرب الأخضر (استراتيجية زراعية أطلقها المغرب في عام 2008 لتنمية الأرياف)".

وتشرح لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه الأنواع تتطلب دراسة تقنية مفصّلة من أجل استيعاب مخاطرها، لا سيّما أنّ قرى ودواوير كثيرة تعتمد على الآبار للحصول على مياه صالحة للشرب، وذلك بهدف البحث عن حلول آنية وعاجلة في هذا الإطار".

تضيف بلفحيلي أنّ "المشكلة تكمن في أنّ الآبار التقليدية لا تخضع للترميم بعد الانتهاء من استخدامها، ولا يُصار إلى العناية بها، فتتحوّل إلى تهديد لحياة الأطفال وغيرهم"، وتلفت إلى أنّ "القرى بمعظمها تعتمد على الآبار التقليدية للحصول على مياه صالحة للشرب، لكنّ ذلك يكون مستساغاً حينما تشرف عليها جمعيات مدنية بالشراكة مع السلطات المحلية، في حين تُستحصَل مساهمات رمزية من السكان لصيانتها الدورية"، وتشدّد على أنّ "الخطر الحقيقي على الناس يكمن في الآبار المتهالكة".

وكانت وزارة الداخلية المغربية قد أصدرت، مباشرة بعد انتشال جثّة الطفل ريان من البئر، نشرة عمّمتها على مصالحها لهدم وإغلاق الآبار والحفر المهجورة القريبة من التجمعات السكنية، وطالبت أعوان السلطة بمدّها بإحصاء وجرد شامل لكلّ الآبار المهجورة والعشوائية، لا سيّما في الأرياف، بهدف وضع حدّ للحوادث التي تخلّف ضحايا.

كما وجّه وزير التجهيز والماء نزار البركة مدراء وكالات الأحواض المائية للقيام بجرد شامل للآبار العشوائية التي قد تشكّل خطراً على السلامة العامة، وذلك بتنسيق مع السلطات المحلية، وهي العملية التي كشفت أنّ عدد الآبار التي أُحصيت بلغ 28 ألفاً و600 بئر، وأنّ 91 في المائة منها غير مرخّصة.

ومع هذه الأرقام الصادمة، تأتي موافقة بركة خلال اجتماع لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، يوم الإثنين الماضي، على مقترح قانون في هذا السياق، نقطة تحوّل في سياق حرب المغرب على الآبار العشوائية.

وينصّ المقترح الذي تقدّمت به الكتلة النيابية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض، على معاقبة كلّ من قام بأشغال حفر بئر أو ثقب مائي أو تجويفات أو ممرّ تحت أرضي أو نفق أو تثبيت أنبوب أو قناة من دون اتّخاذ الاحتياطات والإشارات المعتادة أو المقرّرة قانوناً في الورش، بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، إلى جانب غرامة نافذة من خمسة آلاف (نحو 500 دولار)، إلى 15 ألف درهم (نحو 1500 دولار)، أو بإحدى هاتَين العقوبتَين.

كما يطالب المقترح بمعاقبة كلّ من لم يتّخذ الاحتياطات في هذه الأشغال وأنهاها من دون توفير شروط سلامة الأشخاص من مخاطر محتملة، بالحبس من شهر إلى سنتَين، وغرامة نافذة من عشرة آلاف (نحو 1000 دولار)، إلى عشرين ألف درهم (نحو 2000 دولار)، وتُضاعَف العقوبة إذا كان المكان آهلاً بالسكان.

وفي انتظار الشروع في المناقشة والمصادقة على مقترح القانون، في خلال الأيام المقبلة، تشدّد بلفحيلي على "ضرورة البحث عن بدائل جديدة لتزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب، من قبيل ما تحقّق في ما يخصّ تزويد 99 في المائة من مناطق العالم القروي بالكهرباء، خصوصاً في ظلّ التحديات التي يطرحها استنزاف المياه الجوفية والتغيّر المناخي".

المساهمون