المغرب: غرف مدرسية تنشر سموماً

10 يونيو 2022
تثير القضية أزمة عدم المساواة بين مدارس المدن والأرياف (Getty)
+ الخط -

أعادت دراسة رسمية في المغرب الجدل حول استمرار التعليم في غرف (حجرات) صفّية مدرسية من البناء المفكك (الجدران والأسقف الجاهزة) الذي يحتوي مواد خطرة على الصحة تهدد حياة مئات من التلاميذ والأساتذة.
وأشارت الدراسة بعنوان "مقارنة للمدارس الجماعية والفرعية" التي أجراها المجلس الأعلى التربية والتكوين والبحث العلمي، وهو مؤسسة حكومية، إلى أن نحو 20 ألف حجرة مدرسية من البناء المفكك تحتوي مواد بناء من مادة الحرير الصخري (أسبستوس) التي تشكل خطراً على السلامة الصحية، ما يدق ناقوس الخطر من أن يتسبب تحلل ألياف هذه المادة بأزمات صحية للتلاميذ لدى تنشقهم هذه المواد التي تنتشر في الهواء المحيط".
وتربط الدراسة الخطر القائم بتآكل جدران وأسقف هذه الحجرات بسبب القِدم أو تسرب المياه، أو تركز الألياف المؤذية في الهواء لدى تنفيذ أعمال صيانة أو بناء أو هدم.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ورغم أن وزارة التربية الوطنية توقفت منذ عام 1997 عن استخدام المباني الجاهزة لتجنب المخاطر المرتبطة بالمادة المؤذية التي تحتويها، لا يزال "الحرير الصخري" يتواجد في حجرات مدارس فرعية قديمة، وبالتالي الخطر المرتبط بالمباني القديمة والمتردية. دراسة المجلس الأعلى التربية والتكوين والبحث العلمي التي تتحدث عن أن مادة "الحرير الصخري" تفتك بجهاز التنفس وتتسبب في أمراض خطيرة على المديين المتوسط والطويل، تصنف الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية، المادة بأنها "مسرطنة وتسبب أوراماً خطيرة سواء عبر استنشاق الهواء خاصة في أماكن العمل، أو مياه الشرب.
يقول المدرس، محمد السعيدي، من مدينة ورزازات وسط المغرب لـ"العربي الجديد ": "لا يمكن أن يستمر التدريس داخل حجرات تنفث مادة قاتلة تفتك بالجهاز التنفسي، ويجب أن تتدخل الجهات المسؤولة لاستكمال إجراءات التخلص من حجرات البناء المفكك التي قضيت 4 سنوات في التدريس في إحداها، حيث كنت أعطي حصص التعليم للتلاميذ في نصفها وأسكن في نصفها الآخر. لا يمكن أن يتحمل أي شخص ما تحملته داخل هذه الحجرات خلال الشتاء البارد، وأنا أعاني حالياً من العديد من الأمراض".

الصورة
تنفث بعض حجرات المدارس مواد تفتك بالجهاز التنفسي (فاضل سنّا/ فرانس برس)
تنفث بعض حجرات المدارس مواد تفتك بالجهاز التنفسي (فاضل سنّا/ فرانس برس)

وفيما ظلت حجرات البناء الجاهز طوال سنوات ركيزة محاولة السلطات المغربية سد العجز الحاصل في التعليم وتوفير المؤسسات التعليمية خاصة في المناطق الريفية، يرى الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي (تنظيم عمالي) عبد الرزاق الإدريسي، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "عدم القضاء بالكامل على حجرات البناء المفكك رغم وضع برنامج وطني خاص لهذا الغرض عام 2014 يشير إلى غياب الاهتمام الكافي والجدية في تنفيذ الخطة الموضوعة".
يضيف: "البناء المفكك له سلبيات كثيرة ويشكل مصدر خطر ليس فقط على سلامة الأطر التربوية، بل أيضاً على السلامة الصحية للتلامذ والمدرسين"، مشدداً على أن "الحكومة ملزمة بتسريع تدابير القضاء على ما تبقى من حجرات البناء المفكك، واستبدالها بأخرى تحترم شروط السلامة".

حجرات القرى
وتوجد غالبية حجرات البناء المفكك المدرسية في القرى، وهو ما يعتبره الإدريسي وسيلة لضرب مبدأ المساواة بين التلاميذ الذين يقطنون في القرى وأولئك في المدن، علماً أنّ التلاميذ في القرى يعانون أصلاً من مشاكل أخرى مثل غياب حطب التدفئة خلال فصل الشتاء، وعدم توفر الحجرات المدرسية على أبسط التجهيزات الضرورية.
لكن مصدراً في وزارة التربية الوطنية يقول لـ"العربي الجديد" إن "محاربة البناء المفكك من أولويات الوزارة، بدليل وضع البرنامج الوطني لاستبدال البناء المفكك عام 2014، وتحديد فترة إنجازه عام 2024، ورصد اعتماد مالي له قيمته 200 مليون درهم (20 مليون دولار) سنوياً. وقد خصصت الحكومة أيضاً في موازنة العام الحالي دعماً مالياً بقيمة 2,56 مليار درهم (25 مليون دولار) لتأهيل البنية التحتية للمدارس وتجهيزاتها، منها 560 مليون درهم ( 5.6 ملايين دولار) لاستبدال حجرات البناء المفكك".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ويوضح المصدر الذي تحفظ عن ذكر اسمه لأنه غير مخول الإدلاء بتصاريح، أنّ "تشييد الحجرات المدرسية باستعمال البناء المفكك توقف عام 1997، والوزارة تبرمج كلّ سنة استبدال آلاف الحجرات المدرسية من أجل تحقيق هدف القضاء عليها عام 2023". ويلفت إلى أن "وزارة التربية الوطنية أجرت في إطار تأهيل المؤسسات التعليمية، جردة شاملة لكل حجرات البناء المفكك المستخدمة في الدراسة. وهي لن تتوانى عن إغلاق أي حجرة مدرسية أثبتت التحاليل المخبرية أنّها تحتوي على مواد قد تعرض التلاميذ والمدرسين لخطر، واتخاذ كل الإجراءات التي تضمن تقديم الخدمات التربوية في ظروف مناسبة".

المساهمون