- مرصد الشمال لحقوق الإنسان يوثق تزايد محاولات الهجرة السرية والمخاطر المميتة المرتبطة بها، داعيًا لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
- السلطات المغربية والمنظمات الحقوقية تسعى لإيجاد حلول جذرية لمشكلة الهجرة السرية، مع التركيز على توفير فرص عمل وتحسين التعليم.
يُبدي الشاب أنور بنعبد السلام (24 سنة) من مدينة تطوان شمال المغرب، إصراراً كبيراً على تحقيق حلمه بالوصول إلى مدينة سبتة المحتلة، ولو اضطره الأمر إلى التضحية بحياته، بعدما فشل مرتين من قبل. يقول لـ "العربي الجديد" إنه يحتاج للعودة إلى المكان الذي رحّل منه قبل أشهر، وكان من المفترض أن تكون مدينة سبتة محطة أولى في رحلة هجرته قبل تدبر أمر مغادرته إلى منطقة كتالونيا في إسبانيا، مؤكداً أنه سيفعل أي شيء سعياً وراء حلمه وطموحه بحياة أفضل، بما في ذلك خوض رحلة سباحة محفوفة بالمخاطر من شواطئ الفنيدق باتجاه مدينة سبتة.
يتابع: "أزاول من حين إلى آخر بعض المهن البسيطة لتوفير حاجيات أسرتي الصغيرة، لكن الأوضاع تأزمت في مدينة الفنيدق منذ إيقاف التهريب، وفقد كثيرون أعمالهم، وانتهى المطاف بالعديد من الشباب إلى البحث عن أية وسيلة للعيش"، مضيفاً: "في ظل غياب الإمكانات المادية للهجرة عبر القوارب، تبقى السباحة سبيلي الوحيد لأنها لن تكلفني الكثير من المال. درست الأمر ووجدت أنه يمكن أن ينجح وقد فعل ذلك العديد من أصدقائي. يبقى فقط أن أختار الفرصة المناسبة".
وفي وقت يتحين أنور وعشرات الشبان الفرصة من أجل السباحة نحو شواطئ سبتة، يفيد مرصد الشمال لحقوق الإنسان بتصاعد محاولات الهجرة السرية عن طريق السباحة بين مدينتي الفنيدق وسبتة المحتلة، التي يقوم بها شباب مغاربة من بينهم قاصرون، وهي المحاولات التي أودت بحياة العديد منهم.
ووثق المرصد عملية منع وإنقاذ البحرية الملكية لمجموعة من الشباب المغاربة الذين كانوا يحاولون الهجرة سباحة بين مدينتي الفنيدق وسبتة المحتلة في 13 إبريل/ نيسان الجاري. ودعا، في بيان له، إلى ضرورة معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير ظروف عيش كريمة لهؤلاء الشباب الذين يرمون بأنفسهم في البحر، وتكثيف برامج الدعم الاقتصادي والاجتماعي للفئات الهشة في المنطقة عموماً والشباب على وجه الخصوص، مع برامج توعية في المؤسسات التعليمية.
وعلى امتداد الأسابيع الماضية، عادت ظاهرة الهجرة السرية سباحة لتطفو على واجهة الأحداث بشمال المغرب، بعدما كشف المرصد عن أرقام مقلقة تخص غرق 16 شاباً خلال شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار الماضيين أثناء محاولتهم الوصول إلى شواطئ سبتة سباحة، وفقدان 15 آخرين، وغرق 9 أشخاص أثناء انقلاب قارب انطلق من شواطئ الناظور والدرويش (شمال شرقي البلاد)، في حين كان غالبية الضحايا من الفئة العمرية ما بين 16 و30 سنة.
وكان لافتاً تسجيل المرصد الحقوقي، في بيان أصدره في 11 مارس الماضي، ارتفاع محاولات هجرة القصّر غير المصحوبين نحو شواطئ سبتة المحتلة انطلاقاً من شواطئ الفنيدق بمعدل سباحة يصل إلى أكثر من 10 كيلومترات، وتستغرق ما بين 10 إلى 15 ساعة بين المقطع البحري الفنيدق ـ سبتة، أو بليونش ـ سبتة الذي وتستغرق ساعتين كمعدل ويعرف تيارات بحرية باردة وقوية، وتزداد خطورته بسبب الصخور على شواطئه.
وتثير الهجرة سباحة نحو مدينة سبتة رغم سوء الأحوال الجوية، المخاوف من تزايد تحول حلم الهجرة إلى مآس في عرض البحر بالنسبة للعديد من المهاجرين السريين وخصوصاً القصر والشباب، كما كان حال شاب مغربي قضى أثناء محاولته صباح التاسع من مارس/ آذار الماضي، بمعية مجموعة مكونة من أربعة أفراد انطلقوا من منطقة بليونش للوصول إلى شاطئ بنزو في مدينة سبتة، من دون أن يتمكن من بلوغ حلمه بعد غرقه بسبب سوء الأحوال الجوية وقوة الأمواج والأمطار الغزيرة.
وفي 27 فبراير الماضي، أعلنت سلطات مدينة سبتة تمكن نحو 100 مهاجر سري، من التسلل إلى المدينة عن طريق السباحة في جماعات متفرقة انطلاقاً من سواحل بليونش المحاذية للمدينة المحتلة، مستغلين الأحوال الجوية الصعبة التي كانت عليها المنطقة من جراء العواصف والضباب وهيجان البحر. ويقول رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان محمد بنعيسى، لـ "العربي الجديد"، إن لجوء بعض الشباب والقصر الحالمين بالعيش في أوروبا إلى السباحة كوسيلة للهجرة يعود إلى كونها غير مكلفة مادياً على عكس الهجرة عبر القوارب الخشبية أو ذات المحرك، والتي تتطلب كلفة مادية باهظة لكل شخص.
ويلفت بنعيسى إلى أن "غالبية محاولات هجرة القاصرين تتم سباحة بالاعتماد على تجهيزات للغوص تتراوح أسعارها ما بين 700 و3 آلاف درهم (ما بين 70 و300 دولار)"، موضحاً أن رحلة الهجرة بهذه الطريقة "غير مكلفة مالياً لكنها خطيرة".
ويقول الناشط الحقوقي إن "المحاولات الناجحة للمهاجرين السريين تجعلهم ينشرون فيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي ما يحفز القصر بمناطق الشمال ويشكل عامل جذب لهم للهجرة كفرصة لتحسين حياتهم"، عازياً أسباب ارتفاع هجرة القصر نحو إسبانيا إلى "الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها مناطق الشمال، وخصوصاً تلك المتاخمة لسبتة ومليلية، لا سيما بعد إيقاف التهريب وعدم توفر بدائل".
ويتحدث عن تزايد محاولات الهجرة السرية خلال هذه الفترة من العام، والتي تستمر في الارتفاع حتى الصيف، وذلك بفعل تحسن الأحوال الجوية، والمساعدة على نجاح عمليات الهجرة عبر البحر، مشدداً على "ضرورة تدخل الدول للحد من هذه الظاهرة وتحسين النظام التعليمي بعدما أصبح لا يلبي طموحات هؤلاء الأطفال".
من جهته، يقول رئيس "مرصد التواصل والهجرة" في أمستردام، جمال الدين ريان، إن تزايد محاولات الهجرة السرية عن طريق السباحة من السواحل القريبة من سبتة المحتلة في الآونة الأخيرة، يعود إلى تشديد السلطات المغربية الخناق على شبكات الهجرة السرية وتشديد الحراسة على الشواطئ الشمالية للبلاد. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن الهجرة سباحة تمثل بالنسبة للشباب الذي يعاني من البطالة والحالم بمستقبل زاهر مغامرة بأرخص الأسعار في ظل ارتفاع كلفة الهجرة السرية عن طريق قوارب الموت". يضيف أن أوضاع هؤلاء الشباب الصعبة تدفعهم مكرهين إلى المغامرة بحياتهم والبحث عن أية وسيلة مهما كانت خطورتها من أجل الوصول إلى الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط. فأين يمكن للقصر منهم طلب اللجوء الإنساني وما يتبع ذلك من إيداعهم في مراكز إيواء خاصة بهم؟".
ويؤكد أن ما يقع يفرض على الدولة التفكير في أوضاع الشباب وتوفير مناصب شغل لهم، في ظل واقع يشير إلى أن الوعود الانتخابية التي أطلقتها مكونات حكومة عزيز أخنوش لم تترجم حد الساعة إلى شيء ملموس على أرض الواقع.
ويأتي ذلك في وقت كثفت فيه السلطات المغربية عمليات التصدي لمحاولات الهجرة السرية، بعد تزايد رحلات الهجرة منذ بداية عام 2024، انطلاقاً من سواحل المغرب نحو إسبانيا. وتعترض البحرية المغربية عدداً كبيراً من تلك الرحلات التي يخوضها بمعظمها مواطنون من دول أفريقيا جنوب الصحراء، إلى جانب مواطنين مغاربة.
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية المغربية كانت قد أعلنت في 23 يناير/ كانون الثاني الماضي، إحباط 75 ألفاً و184 محاولة هجرة سرية خلال عام 2023، ما يعني ارتفاعاً بنسبة ستة في المائة مقارنة بعام 2022.
وفي ظل محاولات مواجهة موجات الهجرة السرية وشن عمليات أمنية لاعتقال المتورطين فيها، كان لافتاً تحذير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (حكومي)، في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، من أن "إجهاض قوات الأمن محاولات الهجرة السرية سيؤدي إلى بروز أشكال جديدة لتنظيم عمليات الهجرة، ما قد يتسبب في حدوث مآسٍ إنسانية.