المغرب: رفع سنّ تقاعد القضاة يثير خلافات مع الحكومة

12 ابريل 2022
خارج المحكمة الابتدائية في المغرب (فرانس برس)
+ الخط -

دخلت العلاقة بين قضاة المغرب والحكومة منعطفاً جديداً قد يتحول إلى مواجهة، على خلفية توجه وزارة العدل لتمرير قانون يقضي برفع سنّ التقاعد للقضاة. وأثار مشروع تعديل قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة جدالاً في البلاد من جراء إدراج وزارة العدل تعديلات، من ضمنها تمديد سنّ التقاعد إلى 75 عاماً، بطلب منهم، على أن تظل سنّ التقاعد في حد 65 سنة مع إمكانية تمديدها إلى 67 عاماً لأجل المصلحة دون موافقة المعنيّ بالأمر.
وأبدى "نادي قضاة المغرب" اعتراضاً على تمديد سنّ تقاعد القضاة لمدة معينة قابلة للتجديد بقرار من الجهة المختصة، معتبراً أنه "ينطوي على تعيين مؤقت للقضاة، يتوقف تمديده من جديد على ضرورة تقييم أدائهم المهني، الأمر الذي يشكل خطراً على استقلالية القضاء وحريته، وبالتالي على حقوق المواطنين وحسن سير العدالة، وجودة العمل القضائي ونجاعته". 

ويرى الكاتب العام لـ "نادي قضاة المغرب" عبد الرزاق الجباري، أن هذه التعديلات المزمع إدخالها على قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة "تمسّ بشكل مباشر بحقوق القضاة، ومصالحهم المشروعة، وخصوصاً في ما يتعلق بالتمديد الإجباري الذي سيقرر لفائدة المصلحة القضائية، وهو المحدد من 65 عاماً إلى 67 عاماً".
ويقول الجباري لـ "العربي الجديد": "على الرغم من أن تمديد سنّ تقاعد القضاة لن يتم إلا بناءً على طلب منهم، فإن الرفض التام الذي أبداه نادي قضاة المغرب يرجع إلى كون التمديد ينطوي على شبهة المساس بالمبدأ الكوني الذي تم إقراره كضمانة لاستقلالية القضاة، ومن ثم لاستقلالية السلطة القضائية، وهو عدم التعيين المؤقت للقضاة بصفة عامة، لأن مدة التمديد مؤقتة وقابلة للتجديد، وهذا التجديد يتوقف على تقييم مسبق لأداء القاضي".
وينتقد الجباري غياب مقاربة تشاركية بخصوص تعديل القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة بالمغرب، قائلاً: "لم نستشر في التعديلات كجمعية مهنية على الإطلاق، مع أنها تمسّ أيضاً بالمصالح المشروعة للقضاة، وخصوصاً في ما يتعلق بالتمديد الإجباري الذي سيقرر لفائدة المصلحة القضائية، وهو المحدد من 65 عاماً إلى 67 عاماً". يتابع: "نرفض كقضاة، جملة وتفصيلاً، مشروع التعديلات الخاصة برفع سنّ التقاعد إلى 75 سنة، باعتبار هذا الأمر غير قانوني البتة، ويتعارض مع المعايير الدولية".
ونبه "نادي قضاة المغرب"، في بيان، إلى أن "الخصاص الكبير في صفوف القضاة بمحاكم المملكة مقارنة بحجم الأعباء الموكولة إليهم، يقتضي من وزارة العدل، بدلاً من التوسع التشريعي في آلية تمديد سنّ التقاعد، تنفيذ التزام الحكومة بالإجراء الخامس (05) من الإجراءات الفعالة لتنفيذ المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية، والمعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر بتاريخ 15 ديسمبر/ كانون الأول 1989، تحت رقم 44/162، والذي ينص على ما يلي: يتعين على الدول أن تولي اهتماماً خاصاً لضرورة توفير الموارد الكافية لعمل النظام القضائي، ويشمل ذلك تعيين عدد كافٍ من القضاة لمواجهة الأعباء القضائية، وتوفير الدعم اللازم للمحاكم من الموظفين والمعدات".

مجموعة من المحامين داخل محكمة في المغرب (فرانس برس)
مجموعة من المحامين داخل محكمة في المغرب (فرانس برس)

وفيما ينتقد "نادي قضاة المغرب" أسلوب "التعتيم والتستر على تعديل مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالسلطة القضائية، مع ما في هذين القانونين من ارتباط وثيق بضمان حق المواطن في عدالة مستقلة وقوية ونزيهة وناجعة"، يقول مصدر مسؤول في وزارة العدل، طلب عدم ذكر اسمه، لكونه غير مخول بالحديث إلى الصحافة، لـ "العربي الجديد"، إنه "حتى الساعة، لا موقف رسمياً للوزارة بخصوص ما أعرب عنه نادي قضاة المغرب". في المقابل، يلفت إلى "وجود مشاورات مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة حول جميع القضايا والقوانين التي تهمّ القضاة، على اعتبار أنها المؤسسات الرسمية الموكل إليها تمثيل هذه الفئة".
ويوضح المصدر المسؤول أن التعديلات تأتي بناءً على تقييم قامت به وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد دخول القانونين المذكورين حيّز التنفيذ منذ عام 2016، ويؤكد أن هذا التعديل اقتضته ضرورة الاستفادة من الخبرة التي راكمها عدد من القضاة الذين يصعب تعويضهم خلال فترة وجيزة.
وتنص المادة الـ 104 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة على أنه  تجري "الإحالة إلى التقاعد بمقرر للمجلس طبقاً للشروط المنصوص عليها في مقتضيات نظام المعاشات (الرواتب) المدنية، وتحدد سنّ التقاعد بالنسبة إلى القضاة في خمس وستين (65) سنة، ويمكن تمديد حدّ السن المذكور لمدة أقصاها سنة واحدة قابلة للتجديد أربع (4 مرات) لنفس الفترة".
ويعيش عدد من المحاكم المغربية على وقع خصاص في عدد القضاة، بعد إحالة عدد منهم على التقاعد، وإلحاق قضاة آخرين بالإدارة المركزية، وبعدد من المحاكم المستحدثة أخيراً في إطار الخريطة القضائية الجديدة.
وسجل التقرير السنوي لرئاسة النيابة العامة، الذي يرصد أداء النيابة العامة وتنفيذ السياسة الجنائية، الصادر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وجود خصاص كبير في عدد قضاة النيابة العامة، مشدداً على أنه يجب الرفع من عددهم بحوالى 700 قاضٍ.

في المقابل، كشف المجلس الأعلى للسلطة القضائية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تمديد حد سنّ تقاعد 359 قاضياً برسم سنة 2022، فيما أُحيل 70 قاضياً على التقاعد، بالإضافة إلى ثلاثة آخرين أحيلوا على التقاعد النسبي بطلب منهم.
وفي مايو/ أيار الماضي، أصدر المجلس الأعلى للسلطة القضائية مقرراً بشأن تكليف سبعة قضاة في درجة أعلى لسد الخصاص، اعتباراً لاطلاعه على الخصاص الحاصل ببعض محاكم المملكة، كما قرر ذات المجلس تعيين الـ 139 قاضياً، المنتمين إلى الفوج الـ 43، في السلك القضائي وتحديد مناصب لهم.

المساهمون