المغرب خاسر كبير في "حرب الطرقات"

05 مارس 2022
موقع حادث مروري خلّف قتلى في أغادير (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال الشاب الثلاثيني المغربي عثمان الفينة يتذكر بأسى كبير حادث السير الذي تعرض له قبل أكثر من شهرين في شارع المهدي بنبركة بالعاصمة الرباط، حين باغتته سيارة كانت تسير بسرعة جنونية، واصطدمت بدراجته النارية، وتركته مضرجاً بدمائه في حالة فقدان الوعي، في حين فرّ السائق. ويقول لـ"العربي الجديد": "لا أستطيع استيعاب ما حدث حتى الآن، ولا أعرف ما يجب أن أفعله أو الإجراءات التي يجب أن أقوم بها بعدما وجدت نفسي شبه مقعد من الإصابة الخطرة التي تعرضت لها". يتابع: "لا أرغب في أخذ تعويض مادي عن الحادث، بل معاقبة سائق السيارة وإيداعه السجن، فما حدث معي بسبب السرعة والتهور في القيادة، قد يتكرر مع طفل بريء أو سيدة عجوز".
تتسبب حوادث السير بحوالي 3500 وفاة و12 ألف إصابة خطرة سنوياً في المغرب، بمعدل 10 قتلى و33 إصابة خطرة يومياً. وتناهز كلفة أضرارها نسبة 1.7 في المائة من الناتج المحلي، بحسب ما كشف وزير النقل واللوجيستيك، محمد عبد الجليل في تقرير قدمه إلى مجلس الوزراء في مناسبة اليوم الوطني لسلامة الطرقات الذي صادف في 18 فبراير/ شباط الماضي.
ورغم الجهود المبذولة لتقليل عدد حوادث الطرقات، لا يزال الوضع مقلقاً. وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، سجلت المملكة 10028 حادثة سير في أنحاء البلاد، بزيادة نسبتها 18.6 في المائة عن الشهر ذاته في عام 2020، و13.8 في المائة مقارنة بسبتمبر/ أيلول  2019، بحسب بيانات "الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية" الحكومية.
ولم تنجح الإجراءات القانونية التي اتخذتها السلطات المغربية في السنوات الماضية، وأبرزها تطبيق قانون مدونة السير بدءاً من مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2010، وإنشاء لجنة وزارية مشتركة لسلامة الطرقات، في الحدّ من "حرب الطرقات" التي تعيشها شوارع المملكة يومياً أو تقليصها، ما جعل حوادث السير السبب الثاني للوفيات في البلاد.
ويرى مدير التواصل في "الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية" عبد الصادق معافة أنه رغم انخفاض حوادث السير خلال عام 2020، بسبب الإجراءات التي اتخذت لتقييد حركة التنقل بين المدن إثر تفشي فيروس كورونا، لكن لم يتم الحفاظ على هذا الوضع بعد رفع الإجراءات الاحترازية. ويقول لـ"العربي الجديد": "بعد التدقيق في الوضع الذي ساد عام 2020 حين انخفض معدل الوفيات بسبب جائحة كورونا، تظهر المقارنة مع أي سنة عادية مثل عام 2019 زيادة في كل مؤشرات الحوادث ونتائجها".
ويوضح أن "السلطات هدفت العام الماضي إلى خفض عدد الوفيات إلى أقل من 2800 وفاة و8000 إصابة بسبب حوادث الطرق، لكننا سجلنا 115506 حوادث، أي بزيادة مقدارها 12.4 في المائة مقارنة بعام 2019، و3436 حالة وفاة بزيادة نسبتها 1.5 في المائة، و155146 إصابة بزيادة 11.4 في المائة.
وفي لغة الأرقام، يورد معافة أن عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير المسجلة خلال العام الماضي، لا يزال يعادل ما جرى تسجيله في المرحلة بين عامي 2002 و2003، مع الأخذ في الاعتبار أن عدد السيارات ارتفع، وباتت حركة المرور أكبر.

وفي ظل الأرقام المقلقة لعدد الوفيات والإصابات الخطرة في حوادث السير التي لا تزال طرقات المملكة مسرحاً لها، يقول معافة إن  "الدراسات التي أجريت على المستويين الوطني والدولي أظهرت أن العامل البشري يظل السبب الأول في أكثر من 90 في المائة من الحوادث".
وتحدد المديرية العامة للأمن الوطني التي تتعامل يومياً مع حوادث السير، الأسباب الرئيسة لحصولها بعدم انتباه السائقين بالدرجة الأولى، ثم بعدم احترام حق الأسبقية، وعدم انتباه المارة المشاة، والسرعة المفرطة. وبين الأسباب الأخرى أيضاً، عدم ترك مسافة للأمان خلال القيادة، وتغيير الاتجاه من دون إعطاء إشارة، وافتقاد التحكم الجيد بالسيارة، وعدم احترام إشارة الوقوف المفروض، وتغيير الاتجاه غير المسموح به، والقيادة في حال السكر، وعدم التقيّد بالوقوف المفروض عند إظهار ضوء الإشارة الأحمر، والسير على يسار الطريق وفي الاتجاه الممنوع، والتجاوز المعيب، وغير اللائق.

سيارات محطمة من حوادث في تطوان (جان لوك مانو/ Getty)
سيارات محطمة من حوادث في تطوان (جان لوك مانو/Getty)

سبل وقف النزيف
ومن أجل، وقف نزيف حوادث السير، تتوالى المبادرات الحكومية التي تهدف إلى مواجهة آفة "حرب الطرقات"، وأبرزها الاستراتيجية الوطنية المحددة للفترة الزمنية بين عامي 2017 و2026 التي يسعى المغرب من خلالها إلى تقليص عدد الوفيات على الطرق بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2026، ما يشكل تحدياً تراهن على تحقيقه كل الهيئات التي تعمل في ملف سلامة الطرقات على المستوى الوطني.

ويعلّق معافة: "من أجل تحقيق هذا الهدف، حشدت الوكالة موارد بشرية ومالية عدة لضمان نجاح إجراءات السلامة على الطرقات من خلال استهداف تحسين سلوك مستخدميها، والنظام المروري والبيئي فيها"، والأمر يتعلق بأنشطة رفع مستوى التواصل مع النظام وتدابير السلامة المتخذة، والإحساس بالمسؤولية الفردية وتجاه الغير. ونحن نحاول إيصالها بكل السبل المتاحة عبر وسائل التواصل في الإعلام والإنترنت، وأيضاً من خلال الوجود الميداني".
في السياق، وضعت "الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية" المخطط الوطني للمراقبة المحددة فترته الزمنية بين عامي 2022 و2024، الذي يستند منهجه إلى تحليل حوادث السير وأسبابها الرئيسية، وتعزيز آليات المراقبة في محاور الطرقات التي تشهد أكبر عدد من حوادث السير، إضافة إلى تقييم العمليات. كما أطلقت الوكالة أخيراً عملية المعاينة والمراقبة الآلية لمخالفات قانون السير، ووضعت أكثر من 550 راداراً من الجيل الجديد في مختلف مناطق المملكة، بعدما كانت تجهيزاتها تقتصر على 140 راداراً.

المساهمون