دمّر الزلزال الذي ضرب المغرب يوم الجمعة الثامن من سبتمبر/ أيلول الجاري قرية تاوزرو بالكامل، وقتل الكثير من أهلها. وبدت هذه القرية استثناء بين المناطق المتضررة، هي التي لم يسمع عنها أحد، ولم تصلها وسائل الإعلام المغربية والعربية والدولية إلى أن سجلت رقماً قياسياً في عدد الضحايا والخسائر التي طاولت البشر والمباني والمواشي.
كان من الممكن أن تدخل قرية تاوزرو التاريخ من باب مختلف. إلا أن زلزال إقليم الحوز، أبرز اسمها ضمن كارثة مروعة لا يملك سكانها سبيلاً إلى نسيانها بعد أصابت الجميع.
كان أهل القرية قد أتموا صلاة العشاء، وتناولوا الطعام، وكان غالبيتهم يستعدون للنوم بعد يوم عمل طويل، قبل أن يغير الزلزال تفاصيل كل اليوميات المعتادة.
فوق أحد جبال الحوز التي تعد منطقة سياحية، أنشأ أجداد أهالي قرية تاوزرو. وقبل الزلزال، كان فيها حوالي 15 منزلاً، ويضم كل واحد منها ما بين 5 إلى 10 أفراد. في هذا المكان عاش واستقر أمازيغيو الحوز.
وعلى الرغم من خطورة موقع القرية الجبلي، لم يتوقع أحد من أهلها أن يسوي زلزال مدمر المنازل أرضاً. حياة أهل القرية كانت تتسم بالبساطة في نمط العيش والصبر، في ظل الفقر والغلاء المعيشي.
لم يبق من أهل القرية سوى شابين صودف أنهما كانا خارجها عند الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق، لحظة وقوع الزلزال، فضلاً عن عائلة الإمام. وخلال ثوانٍ قليلة، انهارت المنازل فوق رؤوس ساكنيها وسوتها أرضاً. وسقطت حجارة ضخمة من فوق جبال الحوز، وكانت النتيجة أن توفي حوالي 86 شخصاً من أهلها. وكان وصول رجال الإنقاذ إلى القرية صعباً، وفي النهاية لم يُتمكن من إنقاذ أحد.
إذاً دمرت القرية بالكامل. وبعد الزلزال، خرج إمام المسجد الوحيد في القرية من منزله برفقة زوجته وأبنائه الصغار. لم يصدق "الفقيه" كما يصطلح عليه في المغرب ما رآه من دمار وخراب وآهات وجثث. لم يستطع إنقاذ أي أحد من الضحايا بسبب عدم توفر أية وسائل. لكنه حاول برفقة زوجته انتشال امرأة كانت تئن تحت ركام الأحجار والأتربة من دون جدوى. كما لم يتمكن من الاتصال بالأقرباء أو السلطات، بسبب انقطاع شبكة الاتصالات.
لم يكن الدمار والخراب الذي أصاب القرية والأرواح التي زهقت من جراء الزلزال هما صدمة الفقيه الوحيدة. ما إن عاد إلى المكان الذي كان يأويه، وهو مسجد القرية، تفاجأ أن بيت الله ومكان العبادة لم يصبه أي دمار. بقي المسجد سالماً ونجت معه أسرته بالكامل.
لم يصدق أحد ممن جاؤوا إلى القرية لانتشال الجثث وتقديم المساعدة لمن يحتمل أن يكون على قيد الحياة، كيف بقي مسجدها ومئذنته صامدين، كما لم يصب الإمام وأسرته بأي مكروه، ليتحولوا إلى ناجين. وخلال عمليات الإنقاذ، شهدت المنطقة هزتين ارتداديتين أصابت الجميع بالمزيد من الخوف والهلع، وباتوا يلجؤون إلى واد قريب هرباً من أي دمار يمكن أن يلحق بالقرية المدمرة مرة أخرى.
حين يشعر الأهالي بهزات ارتدادية ينتقلون من مكان إلى آخر خشية تجدد الانهيارات الجبلية، وتكرار ما حدث في تاوزرو. لا تزال القرية تحصي قتلاها وتعالج جرحاها، ويحاول الناجون استجماع قواهم والصمود أمام الهزات الأرضية المتتالية، في وقت يرثي الأبناء والآباء المغتربون، والذين قدموا من عدد من المدن إلى القرية، أحباءهم.
يشار إلى أن إقليم الحوز المغربي، يضم نحو أربعين مدينة وبلدة، ويمتاز بطابعه الجبلي والقروي، ويعتمد سكانه البالغ عددهم نحو 600 ألف على أنشطة اقتصادية متنوعة، أبرزها الزراعة والصناعة التقليدية والسياحة. ويقع الإقليم في جنوب غربي المغرب، وينتمي إلى محافظة مراكش آسفي، ويبعد عن مدينة مراكش نحو 40 كيلومتراً، وأبرز مدنه وبلداته: أيت أورير، ومولاي إبراهيم، وأسني، وأمزميز، وتحناوت، وتمصلوحت، وتمكروت، وتيدلي، وقرية إيغيل، التي سُجل فيها مركز الزلزال.
يتحدث سكان إقليم الحوز المغربي اللغة الأمازيغية كلغة أولى، تليها اللغة العربية، التي غالباً ما يتعلمها الأطفال في المدارس، أو لدى الاختلاط بسكان المدن الكبرى، ويعد أغلب سكان الإقليم من الطبقة المحافظة، وهم يحفظون القرآن منذ الطفولة، بالإضافة إلى التنشئة على الالتزام بتعاليم الإسلام.