المغربية أمل أبو مسلم... مبتكرة شيفرة الأرقام والحروف الخارقة

25 يوليو 2023
ابتكرت المغربية أمل أبو مسلم تقنية تعليمية بارعة (العربي الجديد)
+ الخط -

يقفز الصغير محمد أمين (9 سنوات) في الهواء فرحاً وفخراً، يشعر بأنه يلامس النجوم، لأنه استطاع أن يحفظ جدول الضرب، من خلال ربط الأرقام بصور وحكايات، وتقول والدته مهدية إنها طبّقت تلك الطريقة اعتماداً على تقنية ابتكرتها المغربية أمل أبو مسلم في عام 2019، ولاقت استحساناً من الطلاب وأوليائهم، ومن المؤسسات التربوية في المغرب وخارجه.
توضح الأمّ أن ابنها الذي يدرس في الصف الرابع الابتدائي كان يواجه مشكلة في حفظ جدول الضرب، وهي ثغرة تكاد تكون مشتركة بين أطفال هذه المرحلة العمرية، لكن بعد تعرفه على "جدول الضرب الخارق"، وتلقيه تدريباً عليه، استطاع حفظ الجدول كاملاً خلال ثلاثة أيام فقط.
ضمنت أمل أبو مسلم تقنيتها العلمية التي اختارت لها اسم "جدول الضرب الخارق"، في كتابها "شيفرة مبتكرة لحفظ جدول الضرب من مرة واحدة"، وهي تعد حسب مُبتكرتها، أسرع طريقة في العالم لحل مشكلة حفظ جدول الضرب، وتعتمد على الحكايات وسيلة تعليمية لتحقيق غاية جذب اهتمام الطفل، وتفعيل خياله عن طريق تحويل الأرقام إلى صور، ثم إلى حكايات.
أثبتت الطريقة نجاعتها بعد تطبيقها على أرض الواقع، وفازت صاحبتها بجوائز عدة عنها، من بينها جائزة الابتكار التربوي في عام 2019، وجائزة أفضل فكرة في الرياضيات من منظمة MIF المتخصصة في 2020، كما حصلت على جائزة "أفضل مدرسة في العالم" في عامي 2021 و2022 على التوالي، من منظمة (Education Award AKS) العالمية، ومقرها الهند، وجائزة "المدرس المبدع" لسنة 2023 من المنظمة التعليمية نفسها.
المثابرة والتدريب كانا سلاحا أمل في مسيرتها العلمية على مدار عقدين من الزمن، ما مكنها من التفكير خارج الصندوق، وترويض الأرقام والحروف لخدمة الأطفال، وتشجيع تلاميذ المرحلة الابتدائية على تخطي أبرز معوقات تعلم الرياضيات، وهي حفظ جدول الضرب، خاصة من يعانون من مرض عسر القراءة "ديسليكسيا"، وبعض حالات التأخر الذهني.
تعمل أبو مسلم معلمة للمرحلة الابتدائية، بمجموعة مدارس عقبة بن نافع، في تمارة، وهي أم لأربعة أطفال، وقد نجحت في تدريب آلاف التلاميذ على تقنيتها لحفظ جدول الضرب، وتقول لـ "العربي الجديد": "كل الأطفال الذين جربوا الشيفرة المبتكرة تمكنوا من حفظ الجدول في زمن قياسي، وتحسّنت معدلاتهم في الرياضيات بشكل ملحوظ، كما أن الطريقة نجحت مع بعض أطفال التوحد، والمصابين بعسر القراءة، وبعض حالات التأخر الذهني البسيط".

قضايا وناس
التحديثات الحية

واستعرضت أبو مسلم، تقنيتها العلمية أمام أعداد كبيرة من الأطفال والأساتذة وأولياء الأمور، خلال مشاركتها في النسخة الأخيرة من معرض الرباط الدولي للكتاب، والذي نظم في الفترة من 1 إلى 11 يونيو/حزيران، واستفاد من ورشة التدريب نحو مائة طفل.
ابتكرت المعلمة المغربية هذه "الشيفرة" بعد التعرف على التقنيات التي يستخدمها عدد من "أبطال الذاكرة" عبر العالم، وتتبع مسارهم العلمي، فوجدت أن هؤلاء يتذكرون مئات الأرقام في زمن قياسي، وأنهم جميعاً يتفقون على أن العقل عبارة عن عضلة، وبالتالي يمكن تدريبها مثل بقية العضلات، فقامت بتوظيف تقنيتها الخاصة بجدول الضرب لمساعدة الأطفال على تحويل المعلومات والأرقام إلى صور وحكايات، ثم تخزينها في الذاكرة.
وتشرح لـ"العربي الجديد"، أنها استلهمت تسمية "جدول الضرب الخارق"، من مسابقة "العقل الخارق" في نسختها الروسية، والتي فاز بها شاب مغربي يدعى لحسن أولحاج، وأيضاً من خلال تتبعها مسار النابغة البريطاني، دانيل تاميت، والذي يمتلك قدرات مذهلة في تذكر الأرقام، رغم إصابته بمرض التوحد. وتؤكد: "في البداية، قمت بتطبيق التقنية في تحفيظ جدول الضرب لابنتي آية، والتي تعاني من فرط الحركة وقلة التركيز، وبالفعل، أتممنا حفظ جدول الضرب في وقت وجيز".

الصورة
فازت أمل أبو مسلم بالعديد من الجوائز (العربي الجديد)
فازت أمل أبو مسلم بالعديد من الجوائز (العربي الجديد)

تتابع: "هذه التقنية تقدم حلولاً مهمة، وأتمنى أن يستفيد منها كل طفل وأم أو معلم، وأناشد وزارة التربية والتعليم المغربية تبنيها، أو إدماجها في المنهاج الدراسي للمراحل الابتدائية حتى تعم الفائدة، كما أستعد برفقة الموهوب في الحساب الذهني، حسن ألماط، لإصدار كتاب مشترك عن (الرياضيات الفيدية)، والتي تعرف بأنها عبارة عن مجموعة متعددة من التقنيات للحساب الرياضي بطريقة سلسة وسريعة".
عرفت مسيرة أمل أبو مسلم العلمية شغفاً كبيراً بالرياضيات منذ الصغر. تقول لـ "العربي الجديد": "اخترت مهنة التعليم عن رغبة صادقة في مساعدة الأطفال، ما دفعني إلى المساهمة في إدماج تكنولوجيا المعلومات في الفصول الدراسية منذ 2011، وتحويل الدروس من الطريقة التقليدية إلى الرقمية، ما يسهل استيعاب التلاميذ لها، كما انشغلت بالبحث عن حلول لصعوبات التعلم، وتقدمت بمشروع للمساهمة في الحد من التسرب المدرسي في 2016، فزت عنه بالجائزة الأولى في مسابقة الأساتذة المجددين في المغرب، والتي تنظمها وزارة التربية الوطنية".

الصورة
تسعى أمل أبو مسلم لتطوير التعليم عبر التكنولوجيا (العربي الجديد)
تسعى أمل أبو مسلم لتطوير التعليم عبر التكنولوجيا (العربي الجديد)

تواصل: "مثّل مشروعي المغرب في المنتدى العالمي للأساتذة المبتكرين الذي أقيم في المجر في عام 2016، وعرف عندها صيتاً واسعاً، وحظي جناحنا بزيارة من مدير التعليم في شركة مايكروسوفت، أنطوني سلسيطو، والذي نوه بالمشروع الذي يتضمن كيفية تنمية المهارات عبر إدماج تكنولوجيا المعلومات، وقد استخدمت تطبيق (سكايب) في تنمية مهارات التواصل بطرق مبتكرة لدى المتعلمين، ومنحتني إدارة سكايب شهادة (ماستر سكايب) في 2019، وكنت أول من يحصل عليها في قطاع التعليم المغربي".
لم يقتصر عمل أمل أبو مسلم، على تدريب الأطفال على حفظ جدول الضرب، وإدماج التكنولوجيا في التعليم، إذ قادت في مارس/آذار الماضي، مبادرة "تحدي الفصاحة بالعربي"، وهي مسابقة تبحث عن المواهب في ثلاثة مجالات، هي الحكي والخطابة والتمثيل، وهدفها إبراز مواهب الأطفال ودعمهم لتنميتها. تقول: "تسهم المسابقة في توفير البيئة الداعمة التي تصقل مهارات المتعلم، وتنمي قدراته ليبدع ويتميز، وقد استقبلت عدداً كبيراً من المشاركات الجيدة فاقت 300 فيديو، وجرى تتويج المتفوقين عن فئات "الحكواتي البارع"، و"الخطيب المقنع"، و"الممثل الموهوب"، ومنحهم دورة تدريبية حضورية، بهدف تشجيعهم على الاستمرار".

بعد تقنية جدول الضرب الخارق، أصدرت أمل مؤلفها "الحروف الخارقة"، لحل مشكلة الخلط بين الحروف عند الأطفال المصابين بعسر القراءة. وتوضح أنها "وصفة علاجية مجربة لمساعدة الأطفال على تجاوز مشاكل تذكر الحروف رسماً وصوتاً. الطريقة تمكّن جميع الأطفال من تذكّر الحروف في زمن قياسي. قمت بتجربة الطريقة في 3 مؤسسات تعليمية، ويمكن استعمالها أيضاً في المنهاج التربوي".
تعشق أمل أبو مسلم اللغة العربية، وهي تكتب الشعر والزجل بالفصحى، جنباً إلى جنب مع مواصلة مساعي البحث والابتكار للنهوض بقطاع التعليم، وهي تشارك حالياً في نهائي الدورة الرابعة لجائزة محمد بن زايد لأفضل معلم، بمبادرة إنشاء "قاعة استكشاف المهن"، وهي بوابة لتنمية المهارات الحياتية للطلاب، تستهدف من خلالها توجيههم المهني المبكر، وفتح أعينهم على آفاق المستقبل. مؤكدة أن إثراء المجال التربوي، من خلال تسليط الضوء على إنجازات المعلمين ضرورة، باعتبارهم عصب العملية التعليمية، ومنطلق أي تطور منشود.

المساهمون